قصة و عبرة !!



مهدي جعفر
2016 / 7 / 21

قبل أيام كنت مع أحد صغار العائلة ، فمر من أمامنا طفل و هو يبكي بحرارة ، ففاجئني قول هذا الصغير عن الآخر الذي يقهقه باكيا ، حيث قال لي " يبكي كالبنات " ، اندهشت فعلا فأخدت مجموعة من الأسئلة الهوجاء تحط في ميناء والهتي ، من بينها ما الداعي الذي جعل هذا الطفل يشبه من يبكي من الذكور على أنه أنثى ، كيف ؟ أ ولا يبكي الذكور أيضا ؟ ... فأخدت أبحث عن جذر هذه النظرة الإستعلائية اتجاه الأنثى و من يبكي .

المعلوم أن الإنسان يسلك أي سلوك كيف ما كان وفق "فكرة" معينة ، لذلك استهليت بحثي عن تاريخ الأنثى عند العرب ، فهؤلاء كانوا بدو يعيشون في الصحراء من استعلت مكانته الإجتماعية كان تاجرا حيث كان لقريش مثلا رحلتان في العام ، رحلة الشتاء و كانت صوب اليمن ، و رحلة الصيف التي كانت الشام مضيفتهم فيها ، و من ناحية أخرى من حطت مكانته في المجتمع كان صعلوكا إما عبدا أو رحالة يرعى الإبل و الغنم ، و أكيد هذه " المهام " ، يشغلها الذكر و ليس الأنثى ، تعمدت أن أصفها "بمهام" و ليس "مهن" ، ففي القيم البدوية عند العرب لا يصح أن تقول عن شغل الرجل "مهنة" و ذلك لأنهم يعتقدون أن أصلها "مهانة" و عليه الرجل لا يمتهن بل يغزو و يسطوا و يأتي برزقه بالسيف و كان شعارهم في ذلك " الحق بالسيف و العاجز يبغي شهودا " حيث للسيف مكانة مهمة في تاريخ العرب و له أكثر من مئة اسم ووصف في اللغة العربية .

هذا من ناحية الذكر ، أما الأنثى فكانت تدفن و هي لم تنظر بعد نظراتها الأولى إلى الوجود ، أما إن عفي عنها و فلتت من هذه الجناية التي ارتكبت في حقها ، فكانت لا تصلح إلا للجنس و العجين و الطبيخ ، و بالتالي اجتمعت كل خصال الشهامة و الشرف و القوة عند الذكر ، في حين ثم لطم الأنثى بالضعف و الهزول و العجز و الشتيمة ، إلا على ما شذ و ندر من المهام داخل البيت فقط . هنا نشأت فكرة "المرأة لها نصف عقل الرجل و أن الشيطان يشاورها في مخططاته قبل تنفيذها " ، هذا فظلا عن أن أبشع الشتائم عند البدو العرب هي أن ينادى الرجل باسم أمه ، و كمثال من التاريخ ، نجد أن الصحابي "" عمار ابن ياسر " كان عبدا مظطهدا من قبل قريش قبل اسلامه و عندما دخل الإسلام و صار في نفس مقام قريش من الصحابة صاروا يعيرونه بأمه حيث كانت أول شهيد في الإسلام ، حيث وقعت مشاتمة بينه و بين "" عبد الله ابن أبي سرح "" يوم بيعة * عثمان ابن عفان * ، فقال عمار لأحدهم بايع "" علي ابن أبي طالب "" لو أردت أن لا يختلف المسلمون ، فقام ابن ابي سرح و قال بايع عثمان لو أردت أن لا تختلف قريش ، فسبه عمار بأن الأمر للمسلمين و ليس لقريش فقط ، فرد عليه عبيد الله ابن ابي سرح ( لقد عدوت طورك يا " ابن سمية " ) يعني عيره باسم أمه فضحك عليه الآخرون ... و قال عنه " مروان ابن الحكم " شاكيا به لعثمان ( إن "ابن سمية "جرأ عليك القوم ، فاقتله و أنا ناكل به من بعدك ) ... و في وقعة " صفين " بين معوية و علي ، قال معاوية ابن ابي سفيان ( هلكت العرب إذا اتخدت خفة العبد الأسود "ابن سمية" ) ... و مرة سب عمار ، خالد ابن الوليد فجاء هذا الأخير للنبي فقال له ( أيسبني ابن سمية يا رسول الله ، لو لا أنت ما سبني ) من هذا كله يتضح أن العرب إذا حطوا و استهزؤوا و ازدرؤوا بأحد نادوه باسم أمه ، لكن كيف عالج هذه القيم البدوية نبي الإسلام ، فقد كان يقول لعمار ابن ياسر ( ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ) ، حيث يدعوه باسم أمه مذكرا إياه بأنها أول شهيدة في الإسلام و أن لا يكترث لبداءة قريش ، و لم يكون يدعوه باسم امه لأنها كانت عبدة حبشية بل يناديه باسمها لشرفه البعيد و العالي بشهادة أمه .

من بعد هذا كله نرجع إلى صغيرنا و نحلل قوله حلى ضوء هذه القرائن ، فنجد أن القيم البدوية لم تغادر بعد أفكارنا و أفعالنا و تربيتنا و تنشئتنا الإجتماعية عموما ، فلازلنا نلقي على الأنثى كل منقصة و مقبحة فأصبحت مستضعفة في أدهاننا ، رغم مؤهلاتها العقلية و الفيزيائية التي يمكن أن تفوق بها الرجل أحيانا ، فالسيف الذي تفوق الذكر به على الأنثى سابقا أصبح يوضع في المتاحف فقط ليتفرج عليه السياح . و خرجت المرأة من قوقعتها هذه و شاركت الرجل و قاسمته في كل شيء في الأرض و السماء ... فكفانا من قيم البدو التي يجب أن تتلاشى في مجتمعاتنا في طريقها نحو الإنقراض . و علينا بالمقابل التشبع بقيم الحضر و إعادة صياغة تنشئة اجتماعية تضع بين ثنايا أفكارها التربوية خصوصية الظرفية ، و اعتبارات الزمن الذي نعيش فيه . فنحن نحيا في القرن 21 ، لكننا لا زلنا نفكر و نسلك و نتصرف على شاكلة من عاش في الجاهلية .