ملاحظات حول الراسمالية وتطوراتها٢



حسقيل قوجمان
2016 / 7 / 22

ملاحظات حول الراسمالية وتطوراتها٢
كذلك اقترح الاخ عبد الحكيم عثمان "اقترح ان تكتب سيرتك الذاتية"
عزيزي عبد الحكيم ان ماتطلبه صعب جدا بالنسبة لي في هذا العمر. ولكني كنت قد كتبت شيئا من هذا القبيل في كراس كبير تحت عنوان "ذكرياتي في سجون العراق السياسية" كان يباع في مكتبة الساقي وحين اتصلت بالحوار المتمدن طلبت مني ادارة الحوار ان ارسل لها جميع كتاباتي السابقة فكان هذا الكراس احد المقالات التي ارسلتها الى الحوار وهو موجود في موقعي في الحوار يمكنك ان تقراه. لا اعتقد ان كثيرين من القراء اطلعوا على هذا الكراس لانني حين ارسلته لم يكن قراء الحوار يعرفونني. وربما بامكانك ان ترجو ادارة الحوار اعادة نشره لفائدة القراء.
هناك موضوع اعتقد انه مهم لم اكتبه في الكراس واود بحثه لاول مرة في حياتي مهما كان غريبا وحتى مؤلما.
استطيع تسمية الموضوع "موقف الحزب الشيوعي العراقي من اليهود". اذ من المعروف ان هذا الموضوع كان موضوع خلاف بين الرفيق فهد وخالد بكداش قائد الحزب الشيوعي السوري اللبناني حتى وفاته.
سياسة خالد بكداش كانت امتناعا تاما عن قبول اي يهودي للانضمام الى الحزب. لذا لم يكن في الحزب السوري اللبناني اي عضو يهودي. وقد التقيت في سجن العمارة بشيوعي سوري لجأ الى العراق فارسلوه محجوزا في سجن العمارة وتكونت بيننا صداقة وثيقة في غرف السجن الانفرادية. كان كف هذا السوري بثلاث اصابع. وكان قائدا لمظاهرة في مدينة قامشلي. وعند تفريق المظاهرة بدات الشرطة تبحث عن صاحب الاصابع الثلاث. وكان لهذا السوري صديق يهودي لجأ الى بيته لكي يختفي عن انظار الشرطة. وحين علم الحزب انه لجأ الى بيت يهودي جمد عضويته لثلاثة اشهر عقابا. هكذا قص لي هذا السوري هذا الواقع حين توثقت بيننا الصداقة والثقة.
كان موقف الرفيق فهد معاكسا لهذا الموقف. انه اعتبر اليهودي العراقي مواطنا كغيره من مواطني العراق وكان اكثرية الشباب اليهودي بعد ما يسمى الفرهود اعضاء في الحزب الشيوعي. حتى حين ارسل الرفيق فهد شيوعيا لمقابلة خالد بكداش كان الشخص الذي ارسله الرفيق فهد يهوديا هو موسى (موشي) حوري. لم يكن لدى الرفيق فهد اي فرق بين يهودي او مسلم او مسيحي بل اعتبر ان الدين شيء لا علاقة له بموقف الانسان السياسي. واذكر اننا في سجن نقرة السلمان سنة ١٩٤٩ وكذلك في سجن الكوت كان اليهود اكثر من نصف اعضاء المنظمة. ولم نشعر اطلاقا باي شعور ضد اليهود في تلك الفترة. الى درجة ان رئيس المنظمة الشيوعية في سجن الكوت كان اخي موشي اثناء مجزرة سجن الكوت سنة ١٩٥۳ۣ.
اول مرة شعرنا بان الحزب لا يهتم باليهود باعتبارهم مواطنين عراقيين مثل غيرهم من سكان العراق حين كنا في نقرة السلمان ولاحظنا ان الحزب لم يفضح المؤامرة الثلاثية، البريطانية الصهيونية العراقية، عند اسقاط الجنسية عن اليهود وتسفيرهم الى اسرائيل. الا اننا في السجن لم نشعر باي تمييز في تلك الفترة. الى حين المجزرتين اللتين اجريتا في سجني بغداد والكوت ونقل جميع السجناء اليهود بصرف النظر عن اسباب سجنهم او نوع جرائمهم التي حوكموا عنها الى سجن نقرة السلمان الجديد. فاصبح السجن سجنا يهوديا.
اعتقل اربعة من قادة الحزب الشيوعي وحكم عليهم بالسجن مددا كبيرة وارسلوا الى سجن نقرة السلمان القديم. وحين وصلنا الى نقرة السلمان علمنا ان الاربعة مضربون عن الطعام فاتصلنا بهم عبر الجدران واخبرناهم بالمجزرتين وقلنا لهم ان الاضراب لا فائدة ترجى منه فافطروا. وبعد افطارهم نقلوا الى السجن الكبير وكان من الطبيعي ان يعيشوا معنا اليهود الشيوعيين. وكان عدد السجناء الشيوعيين اليهود حوالى ١٤.
كان ثلاثة من هؤلاء الاربعة سكرتير الحزب بهاء الدين نوري (باسم) وصادق جعفر وكامل وكان الرابع سجينا عاديا لا علاقة له بالسياسة كان يعمل حارسا شخصيا لبهاء الدين نوري.
منذ اليوم الاول انتقدت بهاء الدين لانه لم يعترف بزوجته اليهودية مادلين مئير وبابنه الذي انجبته في السجن رغم ان عائلته كانت تاخذ الطفل على انه حفيدها الى السليمانية لمدة ثم تعيده الى والدته. كان بهاء يتراسل مع زوجته بطريقة التفافية. كان يملي الرسالة التي يريد ارسالها على سجين يهودي اسمه منشي عبدالله وكان هذا يرسل الرسالة الى مادلين على انها قريبته.
من اليوم الاول شعرت ان بهاء لم يكن القائد الفذ الذي صوروه حين كان سكرتيرا للحزب ورفعوا اسمه الى السماء بل كان شخصا جاهلا لا يعرف معنى الشيوعية وليس له اي اطلاع على الماركسية اطلاقا. وطيلة وجوده معنا قبل ان ينضم الينا عدد كبير من سجناء بعقوبة لا اتذكر يوما لم انتقده فيه.
في السجن لم تكن لدينا اية ادوات تثقيفية ولا اية كتب ففكرت بانشاء جريدة سجنية اسبوعية اسميتها "صوت السجين الثوري" كنت رئيس تحريرها وكاتب اغلب مقالاتها كوسيلة تثقيفية. ان ادعاء عزيز سباهي في كتاب تاريخ الحزب الذي كتبه ان جريدة صوت السجين الثوري كانت في سجن بعقوبة كذب مقصود. فمن المعروف ان ادارة سجن بعقوبة لم تسمح بوجود قلم او ورقة لدى السجناء فكيف يستطيع هؤلاء السجناء ان يكتبوا مجلة وينشروها للقراءة في سجنهم؟ ثم ان سجناء سجن بعقوبة الذين انضموا الينا كان بامكانهم ان يواصلوا نشر جريدتهم في سجن نقرة السلمان حيث كان الورق متوفرا وحرية كتابة ونشر الجريدة متوفرة ولا تضييق عليها. اما قيادة السجناء الجدد فقد منعوا الجريدة ولم يسمحوا للسجناء بقراءتها رغم ان رد فعل عزيز الحاج عند قراءتها قال انكم اقرب الى الحزب منا في سجن بعقوبة. وكنت عند التثقيف اثقف وفقا لميثاق الحزب الاول الذي وضعه الكونفرنس الاول للحزب فلم يعترض بهاء الذي وضع ميثاقا جديدا بجرة قلم. وحين حوكمنا سجنيا بعد ذلك كانت جريدة صوت السجين الثوري احدى الجرائم التي حوكمت عليها على انها كانت تثقيفا مضرا للمنظمة. حاكموني على انني ثقفت تثقيفا خاطئا ولكنهم هم لم يثقفوا ولم يهتموا بالتثقيف سواء التثقيف الخاطئ ام التثقيف الصحيح. حين جاء السجناء من سجن بعقوبة انقطعت علاقتي ببهاء كليا.
طيلة الفترة التي كان فيها بهاء مع السجناء اليهود كان يكره ذلك ويريد اجبار الحكومة على نقله مع السجناء الاخرين. فكان سلاحه في ذلك اعلان الاضراب عن الطعام سلاحنا الوحيد في السجون. وقد اعلن الاضراب عن الطعام ست مرات ابطلتها في اليوم الاول او حتى في اليوم الثالث على انها اضرابات غير صحيحة.
في تلك الفترة جرى اضراب عمال النفط في البصرة وبعد الاضراب ارسلوا بعض المضربين الى السجن القديم في نقرة السلمان. فكانت هذه فرصة لبهاء ان يعلن اضرابا يشمل هؤلاء السجناء. كان يعلم من تجربته السابقة انني سانهي الاضراب ولا اسمح باستمراره ففكر بوسيلة كاذبة لا استطيع معها ابطال الاضراب حين زعم كذبا ان الحزب قرر اعلان الاضراب في جميع السجون في يوم معين. وفي هذه الحال لا استطيع ابطال الاضراب لان ذلك يعني مخالفة اوامر الحزب. وجرى الاضراب ودام سبعة وعشرين يوما وكنت اسال كامل ممثلنا في الادارة كلما يزورنا احد عوائل السجناء وكامل يؤكد لي ان الاضراب مستمر في السجون كذبا. في هذا الاضراب كان من المؤكد تقريبا انني على وشك الموت بسبب الاضراب. وفي اجتماع اللجنة بحضور اخي موشي اعلن بهاء بقوله "مع الاسف اول جنازة ستكون جنازة يهودي ردناها من عمال النفط". وهذا يعني ان موت احد سجناء عمال النفط كان لدى بهاء هدفا من اهداف الاضراب.
بعد مدة قصيرة من مجيء السجناء من بعقوبة جرت محاكمتنا فتشكلت محكمة من خمسة سجناء برئاسة مهدي حميد رئيس المنظمة. حاكموا خمسة منا هم بهاء وصادق جعفر وكامل وموشي اخي وانا. في المحكمة كان بهاء وصادق ينكران اتهامات المحكمة كانهم في محاكمة حقيقية وليس امام محكمة رفاقية سجنية.
الغريب ان المحكمة لم تحاسب بهاء على كذبته الفضيعة من اجل اعلان الاضراب واستمراره وانما اعتبرتني المحكمة مسؤولا عن الاضراب لانني مثقف وكان على ان اوقف الاضراب كما اوقفت ستة اضرابات سابقة. وحين ناقشتهم عن ماذا كان موقفهم تجاهي لو ان امر الحزب في الاضراب كان حقيقيا فلم يستجيبوا لذلك.
كانت العقوبة حرمان الاربعة من مراتبهم الحزبية ولم يكن لي مرتب حزبي فكانت عقوبتي منعي من التثقيف.
كانت في هذه الفترة علاقة صداقة وثيقة بين اخي موشي وارا خاجادور. فذهب الى زكي خيري يساله عن سبب ان المحكمة كانت اقسى على اليهود فاجابه زكي خيري "هؤلاء على الاقل ابناء الحزب". اي ان المسلمين هم ابناء الحزب ونحن اليهود لسنا ابناء الحزب. ولا اعلم ابناء من كنا.
بعد ما يقرب من اسبوعين على المحكمة جاء مهدي حميد الي وطلب مني افتتاح دورة ثقافية للاقتصاد السياسي للتخفيف من حملة انتقادات الحزب التي انتشرت في المنظمة. وكان هذا الطلب عجيبا اولا لان هدفه ليس تثقيف السجناء بل تخفيف الانتقادات وثانيا لان مسؤول المنظمة مهدي حميد جاء يطلب مني التثقيف وهو الذي حكمني بالمنع من التثقيف.
كان من الطبيعي ان ارفض التثقيف لان تثقيفي حسب حكم المحكمة كان مضرا بالمنظمة. قلت لمهدي حميد اعترفوا ان قرار محكمتكم كان خطأ والغوا قرار المحكمة لكي اوافق على التثقيف فلم يوافق. كان يريد مني التثقيف رغم بقاء حكم المنع. وبعد مهدي حميد جاءني جميع اعضاء لجنتي قيادة المنظمة لطلب ابتداء التثقيف فرفضت. وكان في تلك الفترة سجين جديد عين فور وصوله الى لجنة القيادة فجاءني هو ايضا يطلب مني بدء التثقيف فسالته هل تعلم باني محكوم بعدم التثقيف لان تثقيفي مضر للمنظمة فقال ثقفهم ونحن نراقبك. فقلت له اذا كنت تستطيع مراقبتي فلماذا لا تقوم انت بالتثقيف؟ فلو اردت تثقيف السجناء تثقيفا خاطئا فلا انت ولا ربك يستطيع ان يراقبني. وبعد الحاح مهدي حميد قررت بدء التثقيف لان في ذلك فائدة المنظمة وبقيت المثقف الاول للمنظمة حتى ثورة تموز رغم انني بقيت محكوما بعدم التثقيف.
في احد الايام كنت جالسا مع عزيز الحاج نتجاذب اطراف الحديث وفجاة قال بصوت عال "باي حق تكتب باسم الحزب الشيوعي؟" فقلت له انا لم اكتب شيئا سرا بل بطلب القيادة وكل كتاباتي تقرا امام الرفاق علنا. وتركته غاضبا اشد الغضب. وفي اليوم التالي دعيت لحضور اجتماع للجنة قيادة المنظمة فقاموا بالاعتذار عما صدر من عزيز الحاج تجاهي. ولم يكن عزيز الحاج حاضرا في الجلسة فقلت لهم ان اعتذاركم هذا لا قيمة له لان من يعتذر يجب ان يكون من ارتكب الخطأ ولكن عزيز الحاج لم يحضر الاجتماع ولم يعتذر.
في ١٩٥٦ نقلنا جميعا الى سجن بعقوبة الذي اقامته الولايات المتحدة بحيث يمكن وضع السجين سنوات بدون ان يفتح باب غرفته. وفصلت ادارة السجن اليهود عن غير اليهود وكان الشيوعيون اليهود في اربع غرف مغلقة اربعا وعشرين ساعة وحتى الطعام يدخلونه من فتحة الباب.
في غرفتنا كنا اربعة مئير كوهين ومنشي عبدالله وحسقيل دروييش وانا. وكان وجودنا طوال اليوم في غرفة ضيقة مضجرا وقد يؤدي الى نقاشات حادة بيننا. فقلت لهم لكي نتجنب الضجر نستطيع تسجيل الاسئلة التي تخطر في بال كل منكم على الجدار ونناقشها واحدا بعد الاخر. وكان ذلك ناجحا كل النجاح اذ كنا نجلس ساعات كل يوم نناقش المشاكل التي فكروا بها ولم نشعر بالضجر وتجنبنا الخصومات كما حدث في الغرف الاخرى. كانت ادارة السجن تفتح سماعة الراديو من الرابعة الى العاشرة كل يوم.
بعد فترة قررت ادارة السجن السماح للسجناء اليهود بالتمشي ساعة في الممر بين جانبي البناء والسماح لغير اليهود ايضا بالتمشي ساعة في الممر. كان هذا فرصة للاتصال بعضنا ببعض من شباك غرفنا. كانت لي فرص التحدث الى السجناء في غرفة القيادة اثناء ساعة تمشينا في الممر وسنحت الفرصة لسجناء القيادة التحدث الي اثناء ساعة تمشيهم في الممر.
كانت ابواب البناية الثانية من السجن تفتح نهارا وتغلق ليلا للسماح للسجناء خلال النهار بالطبخ وغسل الملابس ونشرها في ساحة السجن للجفاف. وكانت هناك الفرصة سانحة لاجراء بعض التثقيف اثناء النهار وكان عزيز الحاج هو المثقف. كان من الطبيعي ان تنشا بعض القضايا التي لا يستطيع عزيز الحاج الاجابة عنها فكان يلجأ الى حسقيل قوجمان للاجابة عليها.
كنت مسجلا كمدخن للسجاير اللف في تلك الفترة لكي يسمحوا لي بالحصول على ورق اللف الذي استطيع استخدامه كورق لكتابة الاجوبة على الاسئلة الموجهة لي ولو طلبوا مني لف سيجارة لما استطعت. وكان عزيز يقول عند عجزه عن الاجابة نسال حسقيل قوجمان ويرسل بنفس الطريقة ورقة يسجل بها المشكلة الى غرفة القيادة وهم يجلبونها لي للاجابة عليها. استمر هذا الوضع حتى ثورة تموز. كانت غرفة القيادة تضم هادي هاشم ومهدي حميد وزكي خيري والرابع ربما ارا خاجادور فلست متأكدا من ذلك.
مرة خطر ببال عزيز الحاج ان يدرس الديالكتيك. وكان من الطبيعي ان يلجأ الى حسقيل لكتابة شيء عن الديالكتيك لكي يدرسه. كنت اعلم من تجربة سابقة ان عزيز لا يعرف شيئا عن الديالكتيك. فحين كنا في سجن الكوت كان اثنان من السجناء ينخلان الطحين في اول الليل لكي يعجنوه في الفجر ويخبزوه. وكان دوري لهذا الواجب مع عزيز الحاج.
كان الطحين اثناء النخل يتراكم تدريجيا ويرتفع ثم فجأة ينهار فقلت لعزيز هل ترى الديالكتيك في الطحين؟ ولم يجب. واعتقد انه حول ذلك في اليوم التالي الى مهزلة مع السجناء قائلا لهم ان حسقيل يرى الديالكتيك في الطحين. واستنادا الى ذلك رفضت ان اكتب له شيئا عن الديالكتيك بحجة ان هذا الموضوع معقد ولا استطيع ان اكتب عنه بدون مراجع. حين طلب مني هادي هاشم ان اكتب لهم عن الديالكتيك ورفضت قال لي ارسل لك زكي خيري. وفي اليوم التالي جاء زكي خيري وقلت له نفس الشيء بانني لا استطيع الكتابة عنه بدون وثائق. فقال لي نحن نكتب فقلت له اكتبوا ما تشاؤون. وفي اليوم التالي قضيت ساعة المشي كلها على شباكهم وشرحت لهم ما يحتاجون الى كتابته في الموضوع. وفي اليوم التالي جاء هادي هاشم واعطاني ما كتبوه لقراءته. وفي اليوم التالي جاء هادي هاشم وسالني ما رايك في هذا فقلت احرقوها. فقال ارسل لك زكي خيري لمناقشتك عليها. وفي اليوم التالي جاء زكي خيري فقلت له انا كنت اعرف انك لا تعرف شيئا عن الاقتصاد السياسي وكنت اعتقد انك تعرف شيئا عن الديالكتيك ولكن ما كتبته في هذه الورقة لا علاقة له بالديالكتيك. فاجابني "خلدنعلمهم غلط ويسبونا بعدين". فقلت له علموهم غلط فهل انا طلبت منكم ان تسالوني عن رايي فيما كتبتم؟ واعتقد انهم احرقوها.
في الاسبوع التالي خرج عزيز الحاج لنشر الغسيل في ساحة السجن ووقف ثلاث ساعات تحت شباك غرفتنا لكي اقول له ما يمكنه ان يفعل من اجل تعليم الديالكتيك وانا متاكد انه لم يفهم شيئا مما قلته له.
دام هذا الوضع حتى ثورة تموز. وحين فتحت ابواب غرف السجن بعد الثورة اصبح الموقف سخريا ومضحكا مبكيا. فظهر ان شخصا حكم عليه الله المسلم بانه بسبب كونه يهوديا خائنا بطبعه لا يحق له ان يطلق على نفسه شيوعيا او ماركسيا كان يثقف جميع الشيوعيين طيلة هذه السنوات الشيوعية والماركسية. كان الحزب الذي من المفروض انه شيوعي يؤمن بالماركسية يخضع لارادة الله في منع حسقيل من ان يكون شيوعيا او ماركسيا.
بذلك انحط الحزب الى اسفل السافلين اذا اصبح يعتقد ان الله هو الذي يقرر ما اذا كان البشر شيوعيين ام غير شيوعيين وهذا اسوأ اشكال المثالية.
في يوم جاءت حماتي لزيارتي في السجن واخبرتني ان السجينات اليهوديات اسلمن كلهن ويريدننا ان نسلم ايضا. ومن الطبيعي اجبتها نحن لا نفعل شيئا كهذا. كان يعقوب مصري جالسا الى جانبي في المواجهة فقال انت لا تستطيع ان تقرر وعلينا ان نجتمع لبحث الموضوع. قلت له اذهب واجتمع وانا لا اشترك في اجتماع كهذا. عاد الى السجن وجاء بعد فترة واخبرني ان الثلاثة قرروا الاسلام وان علي كاقلية ان اخضع للاكثرية. فقلت له في المبادئ لا توجد اقلية او اكثرية.
بعد هذا جاء هادي هاشم الذي يظهر انه جاء خصيصا لهذا الغرض واجتمع معهم وجاء يقنعني ان الموضوع بسيط ونسي ما قاله سابقا بانه لا يقبلنا في الحزب اذا اسلمنا. فقلت انا درستكم ديالكتيك الا تبصق (تتفل) بوجهي اذا وقعت وثيقة اقسم بها انني اشهد الا اله الا الله وان محمدا رسول الله؟ وانتهى الامر بان الحزب الشيوعي او المفروض انه حزب شيوعي كفل يعقوب مصري الذي اصبح في عرف الحزب مسلما وبقي في عرف الحكومة يهوديا وتخلى عني وابقاني في السجن. بهذا انتهت علاقتي بالحزب وبقيت شيوعيا او ربما ماركسيا واصبح الحزب الذي يطلق على نفسه اسم الحزب الشيوعي لا علاقة له بالشيوعية او الماركسية. وهذا نراه في جميع التطورات التي جرت عليه من ثورة تموز حتى تاييده للاحتلال الاميركي واشتراك سكرتير الحزب في حكومة بريمر كشيعي لا كشيوعي، واستمراره في تاييد العملية السياسية والكسب من فضائلها المالية حتى يومنا.
اريد ان اضيف هنا حادثا غريبا حدث يوم ذكرى اعدام الرفيق فهد فقد صدرت في جريدة الحزب مقالة بهذه المناسبة تحدثت عن ظروف السجون السياسيية. لكن المدهش ان كاتب المقال ذكر وجود سجناء من كل قومية وكل دين في السجون فذكر وجود الصابئة والاثوريين والارمن وغيرهم ونسي الكاتب وجود سجناء يهود في السجون السياسية اطلاقا.