دور ربة المنزل في الإنتاج الاجتماعي



ماري إنمان
2017 / 3 / 3

مالعمل-فريق الترجمة


تلعب ربّات المنازل دورًا لا غنى له في عملية الإنتاج الرأسمالي


لم تواجه أي فئة أخرى من العمال تجاهلًا وجحدًا لأهميتها مثلما واجهت ربّات المنازل في عصرنا الحاضر.

ولأنّ المهام الإنتاجية الممارسة سابقًا في المنزل تُمارَس اليوم خارجه، يُمتهَن عمل ربة المنزل حتى نُظِرَ لها في بعض الأوساط ككائنٍ طفيلي يعيش في رفاهية وراحة.


وما يُضاف على هذه الفكرة الخاطئة، لا بل ويعززها على ما يبدو، هو واقع أنّ الاثنا وعشرين مليون ربة منزل اللاتي لا يعملن إلا في المنزل ويقمن بكلّ أعمالهن من غير عائداتٍ أو أجرٍ خاصٍ بهن، يتوجب عليهن، من أجل الحصول على الملبس والمأكل والمسكن، الاتكال على أموالٍ كسبها أزواجهن.

وهذا الدعم الذي يوفّره الزوج لزوجته ناتجٌ عن عملية الإنتاج. وإن لم تكن هي، أي الزوجة، نافعة لهذه العملية، لا، بل لا غنى عنها بالنسبة لملّاك المصانع، لماذا سيسمحون لاثنين وعشرين مليون امرأة أن تقتتن على عائدات الصناعة؟ يستحال أنهم لا يدركون وجود اثنين وعشرين مليون امرأة غير مساهمة بصورة مباشرة في الإنتاج، ويقتتن على هذه العائدات.

وهذه الطبقة الرأسمالية يلاحظ فيها قدرتها على استغلال توازن السكان بشكلٍ من الأشكال. فإلحاحهم الشديد على أن يعمل الناس لديهم يصل لدرجة أنهم يلاحقون حتى من يرفضون هم أنفسهم توظيفه، وذلك لكونه عاطلًا عن العمل، وقضايا ملاحقة ومحاكمة وسجن المشرّدين ليست إلا شاهدًا على ذلك.[2]

إذًا، لماذا لا يقوم الدعائيّون المأجورون لهذه الطبقة الرأسمالية بمهاجمة هذا الترتيب، بقاء اثنين وعشرين مليون ربة منزل خارج عملية الصناعة، عوضًا عن الإشادة به وتغليفه بجلبابٍ أخلاقوي؟

ليس هنالك إلا جوابٌ واحد ممكن: في ظل ظروفٍ معينه، يستفيد الرأسماليون من هذا الترتيب. بل، في ظل ظروفٍ معينة، لا بديل عنه.

أحد الخصائص الغريبة والمدهشة لبعض الميول النظرية حول المرأة وما يسمى بعمل المرأة هو أن طبيعة هذا العمل شُرِحَت ومن ثمّ، في أماكن أخرى، وبانفصالٍ عن هذا الشرح، أطلِقَت تعميماتٌ واسعة تشير إلى كون إخضاع المرأة جزءٌ من نظام استغلال العمل الإنساني، ولكن هذين الأمرين لم يتم الوصل بينهما بصورة ملائمة.

يبدو الأمر وكأنما الغابة توصف في جهة ما، وفي جهة أخرى منفصلة وُصِفت أشجارها، ولكن المسألة بمجملها تُرِكت بصورة منفصلة للغاية حتى بدى وكأن الشيئين لا اتصال بينهما: لم تبدو الأشجار كجزءٍ من الغابة، ولا الغابة كمجموع أشجار.

دعنا نوضح هذه النقطة أكثر. عمل الطبّاخ في مخيم قطع الأشجار جزءٌ ضروري من عملية إنتاج الخشب. والخدمات المقدمة بواسطة الطباخين، في كل المخيمات والمطاعم وأماكن الأكل أينما يُطعَم العمّال المنتِجون، كلها جزءٌ ضروري من عملية الإنتاج. وللسبب نفسه، عملّ الطبّاخات في منازل العمّال المنتِجين هو أيضًا، في الوقت الحالي، جزءٌ ضروري من عملية الإنتاج.

عمل المرأة، التي تطبخ لزوجها العامل في مصنع إطارات فايرستون في مدينة ساوثغيت في ولاية كاليفورنيا، مثلًا، هو، في جوهره، جزءٌ من عملية إنتاج إطارات السيارات بقدر ما هو عمل الطبّاخين والنّادلات في المقاهي التي يأكل فيها عمّال شركة فايرستون.

وكلّ زوجات عمّال فايرستون، من خلال العمل الاجتماعي الضروري الذي ينفذنه في المنزل، لديهن دورٌ في عملية إنتاج إطارات فايرستون، وعملهن، كعمل أزواجهن، مرتبطٌ بتلك الإطارات ارتباطًا لا ينفصل.

بإمكان أي شخص أي يستبدل في هذه الصورة منتجاتِ فايرستون بمنتجات شركة أخرى، مثل: ريببليك ستيل أو ستاندارد أويل وهلمّ جرًّا، وسيحصل على الجواب ذاته، عمل الزوجات خدمةٌ ضرورية في خلق المنتجات في هذه المصانع.

عملُ العمّال في المغاسل التي تنظف ملابس العمّال المنتجين ضرورية لنظام الإنتاج، والخادمات والحمّالون الذين يكنسون الأرضيات ويرتبن الأسرّة وينظفن الغرف في النُزُل والمخيمات حيث ينام العمّال المنتِجون ويستريحون، كي يتمكنوا من تجهيز أنفسهم للعودة إلى العمل في اليوم التالي، كلها روابط ضرورية في العملية الإنتاجية.

وبالطريقة ذاتها، عمل ربّات المنازل، في منازل العمّال المنتِجين، اللاتي يقمن بخدماتٍ مثل الحفاظ على نظافة الملابس والأسرّة والأرضيات، هو جزءٌ لا غنى عنه من عملية الإنتاج.

وأما العاملون في البيوت التي يسكنها الأطفال ويتدربون فيها، أو يُدرّسون، فهم أيضًا يقومون بخدمة مفيدة، وعملهم، بالتالي، لا غنى عنه لنمط الإنتاج والتوزيع الحالي. وللسبب ذاته، ملايين النساء في المنازل، اللاتي يقمن بالجزء الأكبر من هذا النوع من العمل، يؤدين خدمةً لا غنى عنها لنمط إنتاج وتوزيع السلع الحالي.

من أجل تحقيق الأرباح، لا يكفي إنتاج السلع وحسب وإنما يتوجب توزيعها. وكلٌ من عمليّتي الإنتاج والتوزيع عمليّتان معقدتان ومرتبطتان ارتباطًا لا ينفك عن الاتصالات والمواصلات، ولهما أذرعٌ تمتد لتصل إلى المدارس ومعها كلّ مرحلة فعلية، تقريبا، من مراحل النشاط الإنساني.

لا تطبخ ربّة المنزل لمدة ثماني أو تسع ساعات مثل طبّاخ المخيم، ولا تغسل وتكوي لمدّة محدّدة ومُعلَنة من الساعات مثل عمّال المغاسل، ولا ترتّب الأسرّة لساعاتٍ محددة مثل الخادمات في الفنادق أو النُزل، ولا تدرّس الأطفال وترعاهم وتطعمهم، وهم عمّال المستقبل المنتِجون، لعدد ساعاتٍ مُعلنة مثل المدّرسين أو العمّال في الحضانات والمدارس، ولكنها تنفّذ كل هذه المهام، وأكثر، لساعات غير محدودة وغير مُعلَنة في كلّ يوم، وكلّ أسبوع، وكلّ شهر لسنواتٍ طوال.

لو كان الطبّاخ (الرجل) العامل في مخيّم قطع الأشجار يمكن إبقاؤه في مكانة اقتصادية مُخضَعة، مباشرةً تحت إمرة عاملٍ خر، ويُلزَم بالعمل ليس لتسع ساعات يوميًا، بل لعدد غير محدد من الساعات، من تسع إلى عشر ساعات مثلًا، أو أكثر حتى، ولا يُدفع له شيءٌ بصورة مباشرة، وإنما عليه أن يأمّن معاشه من المال القليل المُعطى للعامل الذي يرأسه، لا بل وأن يُشار إليه بعد ذلك باحتقار بأنّه «مُصان»، من السهل أن نرى أن ربّ العمل سيزداد غناه نتيجة المكانة المنخفضة لهذا الطباخ وطول ساعات عمله.

وبشكلٍ من أشكال هذا النمط، يستفيد مجمل ملّاك الشركات، أمثال هيرست وروكرفيلر وميلون ودو بونت وفورد ومورغان، من العمل الرخيص لمجمل ربّات المنازل وإذلالهن الاقتصادي والاجتماعي. أضف على ذلك أن اتكال الزوجة هو وسيلةٌ لتكبيل الرجل أيضًا، وللوصول، من خلال الأبوين، إلى أطفالهما المُسخّرَين.

وماذا نقول عن الأعمال المنزلية التي تنفذها نساء الطبقة المتوسطة في ظل الرأسمالية النامية من تنظيف وطبخ وكي وفرك الملابس والأواني وغسيلها؟ يجب أن ننظر إلى عمل أغلب هؤلاء النساء كجزءٍ ضروري من نظام الإنتاج والتوزيع أيضًا.

صحيحٌ أن بعض هؤلاء النسوة يوظفّن بناتٍ للقيام بهذا الأعمال ولكن حتى في العديد من هذه الحالات، تنفّذ ربّة المنزل ذاتها جزءً كبيرا من الأعمال النافعة. واعتقادنا هو أن غالبية نساء ما يسمى شيوعًا بالطبقة الوسطى، لم يقتتن على المجتمع ككائناتٍ طفولية، بل قمن بأعمالٍ نافعة وضرورية اجتماعيًا.

لِمَ كانت هذه الأعمال نافعة؟ ولم كانت ضرورية؟ لأنّه في أحد مراحل نمو الرأسمالية، كانت الطبقة الوسطى جزءً لا غنى عنه من نظام تصنيع وتوزيع السلع، وملّاك الاستثمارات الرأسمالية الصغيرة كانوا نافعين للرأسماليين الكبار، حيث لم ينخرط هؤلاء بعد في قطاع المتاجر متعددة الأقسام وسلاسل المتاجر، والإنتاج والتوزيع الشامليْن.

حين أُسقِطت الإقطاعية بواسطة الرأسمالية، وظّف هذا النظام الجديد، عن طريق عملية تثوير الإنتاج، والانتشار في أرجاء العالم، ملايين المنتجين والموزّعين الصغار.

وحتى أتيح للرأسماليين الكبار الوقت والفرصة للتوسع في أرجاء كامل الأرض بتكتلاتٍ إمبريالية واحتكارية وشركات ومصارف ومصالح تجارية مترابطة، احتاج النظام مئات الألوف في الولايات المتحدة، والملايين في أرجاء العالم، من المتاجر الصغيرة والمصانع المدارة بواسطة رجل واحد، إذ كثيرًا ما يحصل المدير على حصة من الأرباح.

ساعدت الطبقة الوسطى على بناء وتطوير نظام الآلات الحالي. وأثناء بناء هذا النظام، استفاد الرأسماليون الكبار عن طريق جمع إتاوة من هذه الطبقة الوسطى على صورة إيجاراتٍ وفوائد وضرائب وغيرها من الأساليب.

ولكن، رغم تزايد صور هذه الإتاوة ومقدارها مع مرور السنين، لم يكفي ذلك لإرضاء الرأسماليين الكبار الراغبين بتوسيع ملكيّتهم أكثر فأكثر، ولم ينحصر عدم رضاهم في مجال الرغبة، فقد عملوا على انتزاع ما رغبوا به.

وفي الوقت المناسب، عمل رأسماليو المال الاحتكاري، بِقربهم من الدوائر السياسية وتزايد قوة تحكمهم بالثروة، ومن خلال تمويل وإنتاج البضائع وبيعها بسعرٍ أقل، على تدمير الطبقة الوسطى التي كانت، يومًا، كبيرة عدديًا.

والمصانع والمتاجر المملوكة والمدارة فرديًا عفا عليها الزمن ولم يعد بإمكانها التنافس مع شركاتٍ كبرى آخذة في النمو لا يعرقلها صغر رأس المال المستثمر. انتمت وسيلة إنتاجٍ وتوزيعٍ كهذه، حقًا، إلى زمن الأحصنة والعربات، ولكنّها، كالحصان والعربة، كانت نافعة في إطارها التاريخي.

وربّة المنزل من الطبقة الوسطى، بالتالي، القائمة بأعمالٍ منزلية من أجل زوجٍ منخرط في أعمال إنتاج وتوزيع كهذه، أو من أجل أبنائها المنخرطين في هذه الأعمال، أو الذين يستعدون ليصبحوا تقنيين أو مهندسين أو أساتذة يعملون لدى الرأسماليين، أو من أجل بناتها اللاتي سيصبحن يومًا ما زوجاتٍ عاملات لدى رجالٍ موظَّفين، لعبت ربّات منزلٍ كهؤلاء دورًا نافعًا اجتماعيًا في أعمالهن اليومية، وساهمن في البناء التراكمي لعملية الصناعة الكبيرة، أي: أمريكا في وقتنا الحاضر.

ساعدت ربّات المنزل من الطبقتين الوسطى والعاملة على خلق هذه الثروة التي تجسّدها أمريكا اليوم، وجزءٌ منها ينتمي لهن بحكم حقوق الكدح.

المصدر: مجلة فيوبوينت



ملاحظات فريق الترجمة:

[1] نُشِر هذا النص عام 1940.

[2] تجريم التشرّد (vagrancy): في العديد من الدول، من ضمنها الولايات المتحدة، توجد، أو تواجدت سابقًا، قوانين تجرّم التشرّد وعدم امتلاك وسائل إعالة ذاتية. استخدِمت هذه القوانين لمضايقة واعتقال ومحاكمة المشرّدين والفقراء إما للاشتباه بقيامهم بنشاطات غير قانونية أو كونهم غير مرغوب بهم في المنطقة. ألغيت هذه القوانين في الستينات في الولايات المتحدة نتيجة تغييراتٍ دستورية لكونها غير واضحة، ولكنها استُبدِلت بقوانين أخرى تخدم الأغراض ذاتها.