مشهد صادم ..



قاسم حسن محاجنة
2016 / 8 / 11

مشهد صادم ..
نمرُّ عليهم مرور الكرام .. أطفال من الجنسين، لا يتعدى عمر الواحدة أو الواحد منهم العشرة سنين .. أطفال بملابس رثة ، ووجوه متسخة والتي كانت الشمس قد لوحتها، من طيلة الوقوف تحت اشعتها اللاهبة .... وليس لهم ما يحميهم من برد الشتاء القارص ولا من حرارة الشمس اللاسعة ..
تلتقيهم في مفترقات الطرق وتحديدا بقرب الاشارات الضوئية ، يمدون ايديهم الصغيرة أو يطلون برؤوسهم من خلال زجاج نافذة السيارة طالبين مساعدة مادية ، ولو كانت ضئيلة .. أما الأكبر سنا فيبيعون ما تيسر من المحارم الورقية أو اكسسوارات بسيطة للسيارة ، وما شابه من السلع الرخيصة المصنعة غالبا في الصين ..
لقد اعتاد "الجمهور" على رؤيتهم ، ولم تعد تؤثر فيه تقاطيعهم البائسة ولا طفولتهم المهدورة على الشوارع بجانب الإشارات الضوئية ..
والجملة التي يسمعونه غالبا من سائقي السيارات المهذبين هي : الله ييسرلك !! أما الأفظاظ من السائقين، فعادة ما يصرخون في وجوههم بغلظة أو يُلقون على مسامعهم شتيمة دسمة !!
أعتقد بأن هذا المشهد يتكرر في كل البلدان الفقيرة أو التي تدور على أراضيها حرب أهلية أو نزاع مسلح من نوع ما .. لذا فهو مشهد ليس بالغريب على القاريء العربي تحديدا..!!
وغالبية الأطفال الذين يتسولون على مفترقات الطرق في البلدات العربية واليهودية داخل اسرائيل، هم من الأطفال الفلسطينيين . ويُعتقد بأن من يقف وراء "تجنيد الأطفال" للعمل في التسول، بعض "المُقاولين" الذين يؤمنون لهم "مكان" مبيت، أجر باخس ووسيلة سفر تنقلهم من تقاطع الى آخر وقت الضرورة .. بل ويعتقد البعض بأن عصابات تقف وراء هذه الظاهرة .
ليس من المهم معرفة من يقف وراء ظاهرة التسول، فالأولى هو معرفة العوامل وراء ظاهرة التسول ، وأنا أعتقد جازما ، بأن الفقر والعوز هو الذي يدفع الأهل لتأجير أبنائهم لمقاولي "التسول" ..
وذكر تقريرٌ فلسطيني مؤخراً نُشر مؤخرا بأن 2.5% من هؤلاء المتسولين يتعرضون للتحرش والإعتداء الجنسي .. رغم أنني أعتقد بأن النسبة أكبر من ذلك بكثير ..
وذات يوم ،قبل سنين طويلة ، التقيتُ أحدهم في مقهى "درجة أُولى" للتباحث حول شؤون العمل .. وبما أنه مقهى من الدرجة الأولى ،فإنه يوفر لرواده جوا هادئا بالإضافة الى مشروبات متنوعة (غير كحولية) ووجبات خفيفة .. وتتلائم اسعاره مع "سمعته" ، فهي مرتفعة جدا قياسا الى باقي المقاهي والمطاعم ..
جلس شابٌ انيق اللباس ،يصحبه فتى صغير تدُّلُ هيئته وملابسه على أنه من "متسولي اشارات المرور" .. لفتَ انتباهي هذا التناقض بين أناقة الشاب ورثاثة الفتى ..!!
كان الشاب "كريماً" جدا فقد تناول والفتى وجبة فطور منوعة ومُكلفة ..فقلتُ في نفسي، ربما يقوم الشاب بالإحسان للفتى من منطلقات انسانية ..
انشغلتُ وصديقي بشأننا ، الى أن سمعتُ جلبة حركة المقاعد على الطاولة القريبة ، فنظرتُ صوبهم . لقد انتهيا من تناول الفطور وهمّا بمغادرة المكان، بعد أن دفع الشاب فاتورة الحساب ..
وفي الخارج ، ومن خلال الزجاج ،رأيتهما متوجهان نحو السيارة ، وقد احتضن الشاب الفتى وقبّله من فمه!!
ترددتُ قليلاً ، أردتُ اللحاق بهما والسؤال عن ما يجري ، لكنهما صعدا السيارة وغادرا ..
لم أندم على شيء لم أفعله في حياتي ، مثل ندمي على ما شاهدتُ دون أن أفعل شيئاً..!!