من يستحق الثناء في الانتخابات النيابية؟



رشاد الشلاه
2005 / 12 / 20

جاءت المشاركة الجماهيرية في الانتخابات النيابية العراقية التي جرت في منتصف شهر كانون الأول الجاري، بأغلبها، كسابقتها التي جرت عند انتخاب الجمعية الوطنية في الثلاثين من كانون الثاني الماضي، جاءت بدوافع وأسس دينية و مذهبية وقومية، بسبب تشابه الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في كلا تاريخي هذين العمليتين الانتخابيتين، لكننا مادمنا ارتضينا بصندوق الاقتراع حكما، فليس هناك متسع لجدال في الدوافع التي تحكّم فيها فرزُ المجتمع العراقي على ذات الدوافع و الأسس. إلا أن سمة هذه الانتخابات، هو النجاح الأكيد والكبير الذي حققته، نجاح تجسد فيما تجسد بتنافس 6655 مرشحا و 307 أحزاب و19 تحالفا، على إشغال 275 مقعدا نيابيا، ومشاركة ما يقرب من احد عشر مليون مواطن عراقي فيها، حسب تقدير أولي للجنة العليا المستقلة للانتخابات، أي بنسبة مشاركة تتراوح ما بين 70 و75 % من عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت البالغ عددهم حوالي 15 مليون ناخب، ومما ميز هذا النجاح هو إجراؤها في ظل الظروف الأمنية الاستثنائية المعروفة المحفوفة بمخاطر كانت ماثلة وجدية.

لقد سجل شعبنا العراقي مأثرة جديدة بنجاح هذه الانتخابات بغض النظر عن التكهن أو تسمية الفائزين فيها. وإذا كانت الإشادة بالشعب العراقي متفقا عليها من قبل النخب السياسية وممثلي المكونات العراقية المتنافسة على مقاعد مجلس النواب القادم والحكومة المنبثقة منه، وكذلك من الأطراف الإقليمية والدولية التي اثنت على شجاعة هذه الشعب المثخن بالجراح، فإن من يستحق هذه الإشادة أو الإطراء فعلا، فئة لها حصة الأسد في الاضطهاد والمعاناة، هذه الفئة التي اعنيها هي فئة النساء العراقيات.

وإن جاءت المشاركة الفاعلة للمرأة العراقية في هذه الانتخابات ليست هي الأخرى بعيدة في اغلبها عن الدوافع الدينية والمذهبية والقومية، فان هذه المشاركة تؤشر دلالة هامة على الدور الذي ينبغي للمرأة العراقية أن تلعبه في الحياة السياسية، وهي جديرة لذلك مادامت قد اختزنت خبرا نضالية غزيرة ومتراكمة، و لها الغلبة عدديا بين أبناء شعبنا، وبعد أن كفل الدستور الدائم ثبات حصتها في المجلس النيابي القادم الذي لا يقل عن ربع مقاعده.

لقد حفلت برامج المتنافسين ولو بدرجات متفاوتة كل وفق منطلقاته الفكرية، حفلت بوعود تبشر المرأة بكل ما هو خير ستناله على يدي هذا المتنافس أو ذاك بعد تصويتها لصالحه. وها هي معمعة وحمّى الجولة الانتخابية قد أودعت التاريخ، وبقي لنا انتظار ما سيتحقق من وعود للمرأة العراقية على يد مجلس النواب التي تشير المعطيات الأولية غير الرسمية أن حكومته القادمة ستتشكل ممن لا يقل عن أربعة تكتلات سياسية مختلفة في رؤاها ومناهجها. ولهذا فان مجال حقوق المراة وإنصافها وإيلاء اهتمام استثنائي بها، سيكون واحدا من اشد نقاط الاختلاف والتنافر بين أطراف التشكيلة السياسية القادمة. والموقف من مسالة حقوق المرأة كما هو معروف ينطلق من كونه قضية فكرية بالأساس، لكنه يؤطر بهذه القدر أو ذاك بمواقف سياسية.

المتنافسون في هذه الانتخابات النيابية، فائزين وغير فائزين، يعلمون انه بدون مجموع أصوات المرأة العراقية التي لا تقل عن نصف مجموع المقترعين، لا يستطيع احد الفخر بالنسب العالية في المشاركة الجماهيرية التي فاقت الكثير من ممارسات انتخابية عديدة في بلدان ذات تقاليد انتخابية عريقة. فهل سيتذكر حكام البلد خلال الأربع سنوات القادمة، مشهد توجه المرأة أفواجا وفرادى نحو مراكز الاقتراع، و يفوا بوعودهم للمرأة العراقية التي كانت وما تزال منبعا للتضحية ونكران الذات؟