جرائم ما يسمى -الدفاع عن الشرف-



جميل السلحوت
2016 / 8 / 16

جميل السلحوت
جرائم ما يسمى "الدفاع عن الشرف"
تزهق أرواح نساء كثيرات كلّ عام في مختلف أرجاء المعمورة لأسباب ثقافية لا علاقة للحروب والنزاعات المسلحة بها. واذا كانت بعض النّساء تقتل عند شعوب أخرى لأسباب جنسيّة كأن يجد رجل زوجته أوعشيقته في علاقة حميمية مع رجل آخر، فإن دافع "تملك" الرجل للمرأة قد يكون الدافع وراء مثل هذه الجريمة، أو قد يكون واقعا تحت تأثير المخدرات.
وما يهمّنا نحن هو القتل بذريعة ما يسمى "الدّفاع عن الشرف"، فمن أين جاءتنا هذه العادة الجريمة التي تضعنا أمام تساؤلات كثيرة وكبيرة منها:
هل الشّرف صفة للنّساء فقط؟ وإذا ما افترضنا وجود علاقة جنسيّة "غير مشروعة" بين رجل وامرأة فهل يمسّ شرف الرّجل كما يمسّ شرف المرأة؟ ولماذا توقع العقوبة على المرأة فقط؟ ولماذا يتمّ التّستر على الرّجال خصوصا الذين يمارسون سفاح القربى مع محرّمات مثل البنت أو بنت الأخ أو بنت الأخت، مع أن غالبية المرتكبين لهذه الجرائم يكونون رجالا بالغين ويمارسون فعلتهم مع بنات أطفال؟ بل لماذا يتمّ قتل البنات عندما يجري استغلالهنّ جنسيّا من قبل محرمين كالأب أو الأخ أو العمّ أو الخال...الخ؟ واماذا يبقى المجرم طليقا؟
وكم عدد النّساء اللواتي قتلن ظلما وجورا لمجرد اشاعات كاذبة اختلقها رجال منحرفون؟ وكم عدد العذارى اللواتي قتلن وأثبت الطبّ الشّرعيّ أنّهنّ عذراوات؟ وهل الدّين الاسلاميّ- وهو دين الغالبيّة في مجتمعاتنا- يبيح القتل في مثل هكذا حالات؟
وما هو مفهوم الشّرف؟
فهل اللصوص وتجّار المخدرات ومتعاطوها والجواسيس والخائنون... وغيرهم شرفاء؟
في ثقافتنا الشّعبيّة مقولة تقول: بأنّ الأرض والعرض – بكسر العين وتسكين الرّاء – لا يفرّط بهما، وأنّ الرّجل يقدّم روحه رخيصة دفاعا عنهما؟ لكنّنا فرّطنا بالأرض وهربنا بالعرض ليجري انتهاكه على أيدي من لجأنا اليهم لحمايته، لنقع في المحظور الشّعبيّ القائل "بأنّ من لا وطن له لا عرض له."

من المحزن أن يتمحور شرف الرّجل العربي في بضعة سنتيمترات ما بين فخذي المرأة، ومن المحزن أكثر هو ارتكاب جريمة القتل تحت اسم "الشّرف" وتحت اسم "محو العار"، فهل القتل يجلب الشّرف ويمحو العار؟
إن القتلّ يشكّل فضيحة كبرى ليس على مرتكب الجريمة فقط، وإنّما على شعبه وأمّته، فوسائل الاعلام المرئيّة والمسموعة والمكتوبة في مختلف أرجاء المعمورة، وفي مختلف اللغات تنشر عن الجريمة وأسبابها وبالأسماء، في حين لو تمّ التستر على الموضوع لبقي سرّا محصورا في بضعة أشخاص، ولو علم مرتكبو جرائم القتل هذه أنّهم يكتبون عارهم بالدّم لما لجأوا لمثل هذه الجرائم، ومن المعروف أيضا أنّ مرتكبي جرائم القتل هذه قد يدخلون السّجن لسنوات طويلة قد تأخذ عمرهم بكامله، ليصبح القاتل قتيلا أيضا وراء القضبان.
ومن الجهل السّائد أنّ بعض الفئات الاجتماعيّة تعطي القتل بعدا دينيا؛ فيحللون ما حرّم الله وهم لا يعلمون، لأنّ الدّين الاسلاميّ وضع عقوبة الجلد للزّاني الأعزب، ووضع شروطا تعجيزية لاثبات عمليّة الزنا، وهي وجود أربعة شهود عدول رأوا العمليّة الجنسيّة كاملة دون شبهات، وإذا ما كانوا أقلّ من أربعة فإنّهم يجلدون لطعنهم بالمحصنين والمحصنات، وعليه فإن الضمّ والتّقبيل والمفاخذة والمداعبة لا تصل الى درجة الزّنا- ولا يفهم من هذا أنّها محللة ومسموح بها- أمّا الذي أباح الاسلام قتله فهو الثّيب الزّاني، والذي يقتله هو الحاكم المسلم الذي يحكم بشرع الله وليس أيّ شخص آخر، لأنّ الاسلام رسّخ دولة القانون الشّرعيّ، وهو الذي احترم حياة الإنسان، حتى إنّ الرّسول صلوات الله وسلامه عليه اعتبر أنّ هدم الكعبة حجرا حجرا أهون من قتل إنسان، وحتى الزّوجين اللذين يضبط أحدهما الآخر متلبسا "بالزذنا" فإنّه تجري بينهما الملاعنة ويفرق بينهما.
يبقى أن نقول أنّ ثقافة القتل في هذا المجال إرث جاهليّ ابتدعه المجتمع الذّكوريّ، وأنّ الدّين الاسلاميّ يحرم هذه الجريمة، مع التّأكيد أنه لم يفرّق بين الرّجل والمرأة في العقوبة وفي التّعامل مع هذه القضيّة. والتّأكيد أنّ القتل لم يكن ولن يكون يوما مقياسا للرّجولة والمروءة والشّهامة، بل أثبتت الدّراسات أنّ القتلة جبناء، ويعانون من عقدة النّقص.
فهل تتجنّد وسائل الاعلام والمثّقفون ورجال الدّين لاعادة تثقيف عامّة النّاس حول هذا الموضوع؟ وهل توضع قوانين رادعة للقتلة؟