ما بين سقيفة بني ساعدة و ميثاق حقوق الانسان



حنان مصطفى النويصيري
2016 / 8 / 17

ما بين سقيفة بني ساعدة و ميثاق حقوق الانسان

ان الدور الذى يلعبه الناشط الحقوقي العربي او المسلم (او من كان من هذه الخلفية او تلك او كلاهما معا ) لهو دور شديد الخطورة لانه يحمل فى طيات فكره - حتى لو حسنت نواياه - الكثير من الخلط ما بين الثقافة التى انتجته و التى يعمل للتخلص منها و ما بين حقوق الانسان و حريته التى يطمح للوصول لها , لكن المثير حقا للاهتمام ان ذلك الحقوقى يقع دون ان يعي فى مصيدة المصادرة على المطلوب فى حالة من الوعي او اللاوعي لا يهم طالما انه يتحول الى اداة ناعمة لترسيخ التقافة التى يناهضها و يعمل فى العلن على دحرها.
و لعل المثال الاكثر ايضاح لهذه الحالة , محاولة الحقوقيين لتسمية بعض اشكال الاستعباد الصارخة (حرية شخصية) فى محاولة بائسة منهم لتحايل على الحقائق بدل تفنيدها . و سواء كان دافع ذلك الجبن او العجز لا يهم طالماان النتيجة هى اعادة تدوير الجهل و ترسيخه بشكل يلائم ادوات العصر.
فمثلا تحويل الحجاب الذى هو اكثر اشكال الاضطهاد الممارس على كينونة المرأة على انه (حرية شخصية وحق فى الاختلاف و الخيار)..لهوتفسير اعراج ومريض يحاول المواءمة ما بين الاضداد باسم الحرية التى يصادرها فى الاصل...انها محاولة لا تختلف عن انضمام و تصديق السعودية و اليمن و السودان و ليبيا على اتفاقية السيداو (لمناهضة التمميز ضد المرأة) و لكن تحفظهم فى ذات الوقت على حق مساوتها بالرجل فى الميراث و الزواج او التصرف فى جسدها ....انها مصادرة رخيصة على الحق و استبداله بشعار لا يتعدى الابتسامات الصفراء المتبادلة فى المحافل الدولية .
فالمرأة التى تولد و تترعرع فى مجتمع يشحذ ذهنها بالنقص و الغواية و عقدة الجسد و الارهاب الديني و الاجتماعي لا يمكن لنا ابدا ان نتصورالحجاب خيار حر و عادل لها ...فالحجاب ليس مجرد زي, انه محاولة من المرأة المسلمة لغسل الغواية التى اقنعوها بانها السبب الوحيد لوجودها هنا ...و لاخفاء جسد هى على خصومة تاريخية معه ...جسد حمله الموروث الثقافي و الديني الفتنة و الرذيلة ...جسد يشكل عبء على صاحبته و لا سبيل لرضى المجتمع و الاله الا بستره و سربلته بالقماش و حفظه من الشبق و الانظار المتربصة له..
هذا النوع من التربية التى تحمل تشويها فكريا و حسيا للمرأة لا يمكن نزعه من ضميرها و جيناتها حتى لو تحررت من المجتمع و المكان و الدين ..سيظل تشوها خلقيا فى قدرتها على رصد الامور بوعي فيبقى دائما خيار الحجاب للمسلمة هو خيار الرب لها و خيار اتخدته منظومة كاملة باثر رجعى و زرعته فى لا وعيها ...فتمارسه على نفسها و تقاتل لاجله بل و تمرره للاخرين من بعدها لتصبح جزء من المنظومة التى اضطهدتها.
فلا يوجد كائن على وجه الكوكب يرغب بارادته الحرة ان يقطع اشعة الشمس عن جسده و حقه فى خطوات ثابته ..حقه فى الظهور و الكينونة, حقه فى التصالح مع جسده و الثقة فى ان حضور جسده يتخطى كونه اداة جنسية محضة
لذا فان الادعاء بان قرار المرأة بالحجاب هو حرية شخصية لهو خلط مريض مثيرللغثيان , ان يحاول البعض تحويل الاستعباد الى خيار حر ..لتمرير حالة من الجهل و الجبن الممزوج بشعارات حقوق الانسان التى يصادر عليها فى ذات الوقت .
فمنظومة حقوق الانسان ليست طريق اجباري يسير فى اتجاه صاحب الحق وحده بل هى طريق مزدوج لا قيمة له الا اذا ارتبط الحق بحق مماثل يقابله ...حق لا يتعايش مع التراتبية و التمييز بل انها حقوق لا تقبل التطبيق الصحيح و العادل الا اذا جلس اطرافه على طاولة مستديرة لا يترأس مسارها احد ...و عدم تطبيق الحريات و الحقوق تحت غير هذه الشروط يعني تحويلها الى منظومة معاكسة لما قامت لاجله ..بمعنى اخر من لا يقبل بمنظومة المساواة لا يحق له المطالبة بالعدل..فلا يمكن الخلط ما بين منظومة سقيفة بني ساعدة و الميثاق العالمي لحقوق الانسان .
حنان مصطفى