الماركسية والمرأة



مكسيم أبو زيد
2016 / 8 / 18

لقد أحتلت المسألة النسائية دائماً مكانة مركزية في النطرية والممارسة الماركسيتين فقد تعامل الشيوعيون دائماً بجدية كبيرة مع مسألة العمل الثوري بين النساء البروليتاريات ولقد أعطى لينين خصوصاً أهمية عظيمة لهذه المسألة بالذات فقد أكد برنامج الحزب البلشفي سنة 1919 أن مهمة الحزب في الوقت الحالي هي في المقام الأول العمل في حقل الأفكار والتعليم من أجل تدمير جميع مخلفات اللامساواة والإجحاف ودون أن يحصر نفسه في مجرد المساواة الشكلية للنساء يكافح الحزب من أجل تحررهن من الأعباء المادية للعمل البيتي القديم عبر تعويضه بالمساكن الشعبية والمطاعم العمومية ودور الحضانة…إلخ
لقد وضعت الثورة البلشفية الأساس من أجل التحرر الأجتماعي للنساء وبالرغم من أن الأرضية الأقتصادية شكلت عائقاً جزئياً فأنه لا يمكن أنكار حقيقة أن النساء في الأتحاد السوفييتي حققن خطوات جبارة إلى الأمام في النضال من أجل المساواة وبتعبير لينين "أننا لم نبقي حجر على حجر من القوانين الحقيرة التي وضعت النساء في حالة أدنى بالمقارنة مع الرجال" بعد أن كانت نساء روسيا القيصرية من وجهة نظر القانون القيصري مجرد أماء لأزواجهن لقد برت ثورة أكتوبر بوعودها المتعلقة بالمرأة إذ لم تكتفي بمنح المرأة جميع الحقوق السياسية والقانونية على قدم المساواة مع الرجل بل الشيء الأكثر أهمية هو أنها قامت بكل مابوسعها من أجل أن تضمن للمرأة الدخول إلى كل أشكال العمل الأقتصادي والثقافي أننا كماركسيين نؤمن بأن أضطهاد النساء لم يكن موجوداً منذ البدء فهو ليس نتاج جبرية بيولوجية تلقي بثقلها على الجنس النسوي لا بل ثمة معطيات كثيرة تعود إلى ماقبل التاريخ وإلى مجتمع شيوعية العشيرة وتؤكد أن المساوات بين الجنسين بقيت قائمة زمناً طويلاً ومع أنه تنقصنا المعطيات التي تسمح لنا بتعميم هذه الظاهرة على مجمل البشرية البدائية فثمة دلائل ساطعة على أن النساء لعبن دوراً أجتماعياً مهيمناً في العديد من المجتمعات على الأقل ويكفي أن نتذكر الظاهرة واسعة الأنتشار لآلهة الخصب كسيدة للسماء لدى فجر الزراعة التي أخترعتها النساء من أجل الأستنتاج أن الإحلال المعمم للآلهة الذكور محل هذه الآلهة لا يمكن أن يكون عرضياً إذ أن الثورة في السماء ماهي إلا أنعكاس لثورة حصلت على الأرض يمكن أن يبدو غريباً للوهلة الأولى أن يفتتح شيئاً فشيئاً عصر أستعباد النساء الأجتماعي حين يتكرس دورهن الأقتصادي المهيمن عن طريق وظيفتهن الأساسية في أعمال الحقول "الثورة النيوليتية" إلا أنه ليس ثمة تناقض حقيقي فبمقدار ماتزدهر الزراعة البدائية تصبح النساء المصدر الرئيسي لثروة القبيلة بشكل مضاعف من حيث هن المنتجات الرئيسيات للأغذيه ومن حيث هن منجبات الأطفال ذلك أن التطور الديموغرافي لم يعد يستشعر به كتهديد بل كنعمة محتملة أنطلاقاً فقط من قاعدة تمون بالأغذية إلى هذا الحد أو ذاك ولقد أصبحت النساء بفعل ذلك موضوعات جشع أقتصادي وهو مالم يكن ممكناً في عصر الصيد وقطاف الثمار وليمكن أنجاز هذه التبعيه توجب حدوث سلسلة متلازمة من التحولات الأجتماعية فقد تغير وضع المرأة بشكل عميق بفعل تعديلات جذرية ومع تطور الملكية الخاصة ومن ثم توطيدها أتخذت العائلة البطريركية بالتدريج الشكل النهائي الذي أحتفظت به رغم تعديلات متتالية على أمتداد قسم مهم من تاريخ المجتمعات الطبقية ولقد أصبحت هي ذاتها واحدة من المؤسسات الرئيسية التي لايمكن الأستعاضة عنها والتي تضمن الملكية الخاصة عبر الأرث والقمع الأجتماعي بكل صوره غدت منطلقاً لعمليات تمييز لاتحصى على حساب النساء في كل الدوائر الأجتماعية والتبريرات الأيديولوجية والمسبقات المنافقة التي تنطوي على هذه التمييزات جزء لا يتجزأ من الأيديولوجية المسيطرة المرتبطة بالطبقات المالكة جمعاء التي تعاقبت في التاريخ
أن وضع المرأة يرثى له مثله مثل وضع بقية البروليتاريين لكنه أكثر سوءً أنها تعمل في المعمل وفي الورشة لصالح رب العمل وتعمل في البيت لصالح العائلة ليس من الممكن تغيير وضع المرأة تغييراً جذرياً إلا أذا تم تغيير جميع الشروط الأجتماعية والعائلية والحياة المنزلية يجب علينا كماركسيين أن ندافع بحيوية عن قضية النساء علينا أن نناضل ضد اللامساواة وجميع مظاهر القهر والتمييز والظلم لكن يجب علينا دائما أن نقوم بذلك أنطلاقاً من وجهة نظر طبقية ففي الوقت الذي نناضل فيه بحزم من أجل جميع أشكال التحسينات التي تمثل تطوراً حقيقياً للنساء يجب علينا أن نشرح أن الطريق الوحيد لتحقيق التحرر الحقيقي للنساء وجميع فئات المجتمع المضطهده الأخرى يمر عبر القضاء على النظام الرأسمالي..