الليبرالية النسوية ( المساواة بين الجنسين )



أحمد الهدهد
2016 / 9 / 2

يثير ذكر حركة التحرر النسائية (أو الحركة النسوية) ردات فعل سلبية عند أكثر الرجال والنساء تجاه ما قد يعتبر مبالغة أو تطرفاً في تفكير وسلوك نسويين يشبهان إعلان الحرب على الرجال وعلى المجتمع ومؤسساته.
ولا يمكن النظر الى ردات الفعل هذه دون الإشارة الى أنها تعبّر عن خوف عميق من إمكانية زعزعة دعائم النظام البطركي (الأبوي) الذي جرى بناؤه منذ آلاف السنين: نظام هيمنة ذكورية ظل متماسكاً رغم كل الثورات والتطورات التكنولوجية التي حصلت على مر القرون الماضية. فالتراتبية الناظمة للعلاقات بين الجنسين تحولت الى قناعات راسخة عند كل من النساء والرجال الى حد صارت تبدو فيه السيطرة الذكورية طبيعية وبديهية.
ويؤكد الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسي بيار بورديو، في هذا المجال، أن هذه السيطرة مغروسة في اللاوعي الجمعي عند البشر وأنها تحوّلت الى عنصر غير مرئي وغير محسوس في العلاقات ما بين الرجال والنساء. وينبغي بالتالي إخراج هذا اللاوعي، وتحويله الى وعي يعيد كتابة التاريخ.
هذا العمل هو بالضبط ما يسعى إلى تحقيقه النسويون من خلال جهدهم الفكري وتحالفهم مع الحركات الاجتماعية الباحثة عن التغيير والحاملة مشاريع بديلة للسائد.
وبهذا المعنى، تعتبر الحركة النسوية حركة ثورية تغييرية تهدف الى تحطيم البداهات الخاطئة ووضع المرأة في موقع ((الفاعل)) في المجتمع. ومن هنا التعاطي مع صعودها على أنه تهديد لأسس التنظيم الاجتماعي القائمة.
ولكن، ما هي ((الحملة النسوية الليبرالية)) التي نتحدث عنها اليوم؟
بالامكان القول بأختصار ان الحملة النسوية الليبرالية تعارض اي شيء يقف في طريق المساواة بين الجنسين .
التفكير الاساسي في الحركة النسوية الليبرالية يكمن في الايمان بقدرة المرأة كفرد من المجتمع . تغيير الهيكل الاساسي للمجتمع ليس المشكلة في حد ذاته لكنه يتعلق بتغيير القوانيين التي تمنع تحرر المرأة , واذا ما تم ذلك يمكن للمرأة ان تغير نفسها وتستطيع ان تثبت لنفسها انها على قدم المساواة .
تهيمن الحقوق الشخصية على المجتمع ككل , ومن خلال قدرة المرأة على ممارسة حقوقها الشخصية , سيتغير المجتمع , وليس العكس .بتعبير اكثر شمولية , من الممكن شرح وجهة نظر الليبرالية من خلال رؤيتها للحرية كقيمة اساسية يتوجب ضمانها بواسطة الدولة والمجتمع الاكبر . هذه الرؤية من الممكن تطبيقها كذلك من خلال وجهة نظر الحركة النسوية : البشرية وكل الذوات المالكة لكياناتها يجب ان تكون حرة مستقلة في اتخاذ قراراتها في ما يتعلق بحياتها الخاصة , وهذا الحق يجب ان يكون مطبقا للنساء والرجال على حد سواء.
يجب ان يمتلك الرجال والنساء حقوق متساوية في عدة مجالات كحرية التعبير وحرية السيطرة على الذات وحرية الوصول على المعلومات وكذلك حيازة الممتلكات والتصرف بها , كل ذلك خال من التداخل القسري . دور الدولة كنظام حاكم هو حماية الافراد بالتساوي رجالا ونساءا من اي تداخل قسري يحد من الارادة .
اذا لم تتحقق حالة الحرية التي يكون فيها الرجال والنساء متساوون في الحقوق , معناه ان الدولة اما لم تقم بتصحيح القوانيين المقيدة أو لم تقم بصياغة قوانيين جديدة بصورة جيدة . الحركة النسائية الليبرالية ستكون سياسية الى الحد الذي تحقق فيه اهدافها من خلال استهداف المؤسسات السياسية لتحقيق المساواة من خلال الاصلاح السياسي .
يحب تحدي القوانيين التي تعرقل حقوق المرأة , او المطالبة بقوانيين جديدة من شأنها القضاء على انتهاك حقوق المرأة. هذه المفاهيم يجب ان يحارب من اجلها , بعد ذلك تركز على القوانيين وتغيير السياسات , مثل : المساواة في التعليم , التصويت في الانتخابات , حقوق التحكم في النسل , الحماية من العنف المنزلي والتحرش الجنسي , وتكافؤ الفرص في حقل العمل .هذه من الامور المهمة التي يجب ان يكون الكفاح لاجلها , لا يمكن الادعاء انها كل ما يجب تحقيقه لكنها جزء من الممكن التركيز عليه ضمن اولوية لتحرير الملايين من النسوة من الظلم .
نعيش اليوم تحت ظلال نظام رأسمالي , لذا فأن اي حقوق تناضل لاجلها المرأة ستتحدد او تتأثر بالوضع الاقتصادي لها , لكن قدرة الفرد ليست مادية وقرار الجماعات لا يمكن ان يتحدد بفئات معينة . الحركات الليبرالية النسائية كانت دوما في الطليعه لتحقيق اهدافها العديدة , الا ان الرأسمالية قيدت الذهاب في تحقيق المزيد , القيود كانت في بعضها عدم القدرة على توفير وضعيه اقتصادية جيدة , جعلت من النجاح على المستوى الفردي ممكنا لكن ليس على مستوى الجماعة ككل .كفاح المرأة يجب ان لا يتضمن التفكير في جعل هيكل المجتمع الموجود أفضل , لكن أعادة هيكلة المجتمع ككل هو الاولوية الاهم .
اذا نظرنا الى جزء من تعريف النظام الابوي (هذه المدرسة الفكرية , المناهضة للمرأة بشكل عام ) , يمكننا جعل هذه النقطة كمثال : حيث يعرف النظام الابوي بعلاقات القوة غير المتكافئة تاريخيا بين الرجل والمرأة حيث المرأة مستضعفة ومحرومة بشكل منهجي . هذا ما يحدث في جميع أنحاء تقريبا كل مجال من مجالات الحياة ولكن يمكن ملاحظته بشكل خاص في النساء تحت التمثيل في مؤسسات الدولة الرئيسية، في مواقع صنع القرار والعمل والصناعة. يكمن الحل في التخلص من ذلك بايصال المزيد من النساء الى مواقع السلطة , يجب وضع ميزان المساواة بين الجنسين في قانون تنفيذ وصنع القرار وكذلك المناصب التنفيذية , يحدث ذلك فرقا كبيرا حيث ان النساء في المواقع التنفيذية من شأنه حماية المرأة من الجور في حالة تطبيق اجراءات تخفيض الانفاق للدولة بشكل عام .
يجب ان لا يمثل وصول عدد جيد من النساء للسلطة التنفيذية في ان تأخذ قضايا المرأة أكثر جدية لكن بتخطيط جيد وبتنويع اهتماماتهن بجميع قضايا المجتمع مع وضع خصوصية لتمرير تشريعات مهمة اخرى بدون اي حساسية (من قبيل معالجة قضايا الثقافة الجنسية والرقابة على المطبوعات التي تنتهك المرأة وغيرها ) سيكون لهن التأثير المطلوب.
من المهم كذلك تمييز ومحاربة كيفية التعبير عن دور الجنسين في المجتمع , كيف يتم اعطاء المثل الاعلى بالمذكر واعطاء القيمة الدنيا للمؤنث . ان الصفات الذكورية تم اعتمادها كمثال اعلى في المجتمع بسبب ارتباطها بافكار الرأسمالية الناجحة حيث تقيد القدرة للمرأة باعتبارها ربة بيت او ممن يتقاضون ادنى الاجور في المهن الغير قيمة .
ليس من الضروري الاختلاف حول الامور التي يجب الكفاح لاجلها , انه التحدي للدوافع والاهداف . اذا كان الهدف تغيير القوانيين لكي تصل بعض النسوة لتسلق سلم مهني ناجح بحرية في السلطة التنفيذية واعتباره حركة ليبرالية نسوية نكون قد نسينا ملايين النسوة تحت نير الظلم . لا يمكن اغفال ان الفئة نفسها تنقسم الى طبقات ولا يمكن بحال من الاحوال استدعاء التضامن من النساء في جميع انحاء العالم وتجاهل حقيقة ان بعض هؤلاء النسوة تضطهد الاخريات .الاخوة النسوية لا يمن ان تتواجد بشكل عشوائي في المجتمع الطبقي . لذا يجب ان تخوض المرأة النضال تجاه الطبقية جنبا الى جنب مع المساواة بين الجنسين .
وفى الختام أرى أن الشئ الذى يبدو هنا أننا أمام كيانين مختلفين، لكل منهما عامله وحياته ومصيره: عالم للذكور، وعالم آخر مختلف ومستقبل عنه، هو عالم الإناث. على أن الأمر فى الحقيقة غير ذلك. نحن بإزاء وجهين لشئ واحد، تماماً كوجهى العملة الواحدة، فرغم اختلافهما، فلا انفصال بينهما لأن الرجل والمرأة هما وجها الوجود الإنسانى.