عاهرةٌ في حَيِّنا



تامر البطراوي
2016 / 9 / 17

شقراء رشيقة أنيقة هي من طبع الدهر على ملامحها بصمته ليسلب بريق وجهها ومعه شغف الرجال حول جسدها .. لا أنسى ذلك اليوم عندما جلست برفقة ذلك الشاب الثري بإحدى المقاهي الفارهة فقاطعتنا بجملة لم ندرك آنذاك كونها كانت تعرض نفسها ، مواقف أخرى أدركت من خلالها أنها تشتهر بين أبناء الحي بإمتهانها الدعارة .. وأدركت معها مدى احتقار الحي لشخصها وسوء سلوكهم تجاهها ..
في هذا العمر الذي يتعدى الخمس عقود ونصف تضطر لتحمل سخافات السفهاء وبلاهة المراهقين من أجل مال لا تستقيم الحياة بدونه .. وبالرغم من ذلك كم هو نادر صعب المنال ذلك الحنظل المُر بعد أن غَرَب شبابها.. كم هو السخط الذي تشعر به على تلك الحياة التي أرغمت أنفها وعلى ذلك المجتمع الذي أهان شخصها .. ناهيك عن ملاحقة الدولة لها وما يترتب من تبعات في حالة مُسائلتها ..
ليعزف الوطن مجتمعاً ودولة بنشوة ألحان مراسم الإعدام على مقصلة حديها الحاجة وضريبة الذُل .. ثم يبارك كل منهما الآخر على تقواه ونقاء سجيته .. ستفتخر المرأة بإهانتها.. وسيفتخر الرجل بالبراء منها .. وستفتخر الدولة بأرقام إنجازاتها .. ستدق المعابد أجراس البهجة وستنطلق الوعود بالمنح الإلهية لكل من لعن إحداهن الملعونات.. لتكتمل تلك الصورة الهزلية المُعنوَنة برحمة للعالمين..!!
هل من العدل فرض المجتمع لنظام عام وآداب عامة يتعدى إلى خصوصيات الآخرين؟ هل يأمل المجتمع عاقبة الحُسنى بظلمه؟ ألا يكفي مجتمعاتنا العربية ما تُفرزه من طاقة سلبية بأجوائها تجذبها بشدة للوراء؟؟ لا .. لن يمنحنا الكون إلا ما نقدمه ..
الدعارة مهنة شريفة وأخلاقية لكونها دعماً للمجتمع .. التعدي فقط ولا شئ غيره هو عدم الشرف .. التعدي الأدبي أو المادي هو فقط ما يستحق بحق سخط المجتمع .. الإحتيال هو ما يستحق سخط المجتمع .. الفرق بين الزواج والدعارة هو توقيع المجتمع على عقد الزواج والأجر الإحتكاري بطول العمر.. المجتمع لا يزدري الدعارة إلا لكونه لم يكن قائماً شاهداً على تلك العلاقة الخاصة ما بين الرجل والمرأة ولكون الرجل يدفع أجر قصير الأجل ..!! كم هو سئ ذلك الفضول وتنميط العلاقات الإجتماعية الخاصة بجوامد فرضها بدو الصحراء الأجلاف على غير مجتمعاتهم ..
إنه ليس من الكرامة أن يتخلى المجتمع عن فقرائه.. لابد أن يشمل المجتمع قليلي الحيلة تجاه الكسب من الأحداث أو المُسنين بضمانة الحياة الكريمة .. لابد أن تشمل تلك الضمانة كل فرد أياً كانت مهنته السابقة أو عائلته .. فهذه هي أقل حقوق المواطنة ,, الحياة الكريمة ..