امهات قيد الانتظار



امل كاظم الطائي
2016 / 10 / 1

امهات قيد الانتظار

عانى المجتمع العراقي ولعقود طويلة من مآسي كثيرة دفع خلالها المجتمع العرقي برمته الثمن غاليا جراء تسلط حكومات دكتاتورية عميلة على رقاب الشعب لسنين طويلة "كلما جاءت امة لعنت اختها" ,ولو امعنا النظر بالاحداث التي مرت بالعراق منذ 8 شباط 1963 ولغاية اليوم لادركنا حجم تلك المآسي التي تعرض لها المجتمع العراقي , فقد ابتلى العراقيون بكوارث قلما تعرضت لها دول اخرى مثلا ثلاث حروب ضروس "حرب ايران ,حرب الكويت,حرب الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها" وايضا الحصار الغاشم وحضر السفر على العراقيين والحرب الطائفية وآخر بدعة حرب داعش التي نعرف جميعا من مولها وانشأها وجاءوا يتمشدقون بحجة تخليص العراق منها وتحرير الموصل والرمادي ,ولاننس مجزرة سبايكر...
كل هذه الاسباب ادت الى هجرة العراقيين الشباب خاصة الى دول عربية واخرى اجنبية هربا من هذه الظروف المأساوية وبحثا عن ملاذ آمن والعيش بسلام.
وحسب احصاءات دائرة الهجرة التابعة للامم المتحدة فقد كان عدد اللاجئين ابان حكم صدام اربعة ملايين عراقي واليوم بلغ عددهم ثمانية ملايين عراقي موزعين بين الاردن وايران وتركيا والسويد والمانيا وفنلندا وبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وكندا واستراليا.
هاجر البعض منهم كأسرة وهاجر الاخرون بصورة مفردة على امل ان يتم قبولهم وبعدها تتم معاملة لم الشمل لاسرهم. يطمح الشاب العراقي اليوم بالحرية وحياة مستقلة وعمل يكسب منه قوته, لكنهم صحوا على واقع مر ونظام سئ فالشاب يتخرج من الكلية وبعضهم حاصل على شهادة الماجستيريبقى حبيس الدار او يتسكع في الطرقات والمقاهي ويبقى يحلم بوظيفة مرموقة وينتظر لسنين دون ان يحصل على بارقة امل واحدة في الحصول على وظيفة تناسب مؤهلاته لعدم وجود خطط حكومية تستوعب هذا الكم الهائل من الخريجين علاوة على فساد مؤسسات الدولة واستشراء المحسوبية والمنسوبية فمثلا في احدى الوزارات تم تعيين 300 موظف حرفي حاصل على شهادة الابتدائية او المتوسطة وحرمان اخرين ممن لهم مؤهلات افضل , ووزارة اخرى قام الوزير بتعيين 150 فرد من عائلته واقربائه وحرم الاخرين من التعيين ووووو وماخفي كان اعظم بالنسبة لتعيين السلك الدبلوماسي والوظائف ذات المكانة المرموقة , ولذلك نرى اما ان يتجه الشاب الى السوق الحر وهو فقير وبدائي بالعراق واما ان يعمل بمهنة لاتناسبه او الحلم الاخير الهجرة وهذا بيت القصيد.
حين يهاجر الشاب العراقي الغير مرتبط وليس لديه زوجة واطفال ,لايوجد في ذلك مشكلة سوى فراق الاهل والاحبة وطبعا خسارة العراق لمورد بشري كان يمكن ان يساهم في بناء مجتمع متهالك وخال من الكفاءات, لكن جل المشكلة تكمن في الشاب المتزوج حديثا والذي لديه اسرة تكونت حديثا وزوجة تحلم مثله بحياة مستقرة.
هاجر العام 2015 ملايين من الشبان العراقيين على امل الحصول على لجوء انساني او لجوء لغرض العمل خصوصا في المانيا وفنلندا وعانوا ما عانوه حد الموت لحين بلوغهم الدول التي يطمحوا بالوصول اليها, بعضهم كان محظوظا بالوصول والحصول على فرصة عمل وبعضهم الاخر فشل بل وحتى دفع حياته ثمن لغرق المركب المؤجر من قبل المهرب وذهبت عوائل كثيرة ضحايا الهجرة واللوم يقع على الحكومة العراقية فلو وجدت تلك العوائل حياة كريمة مستقرة وسيادة للقانون والنظام هنا ما جازفوا بحياتهم.
يعاني اللاجئ هناك من ضغوط كبيرة في بداية الامر لحين حصوله على موعد للمقابلة ويسكن في مخيمات اعدتها تلك الدول تتباين في تلبية حاجات اللاجئ المنهك جسديا ونفسيا , ويكون اللاجئ في وضع صعب جدا وحالة نفسية متردية لانه مقبل على حياة ومستقبل مجهول . يضطر اللاجئ العراقي للتضحية بجل مدخراته وممتلكاته ليذهب الى المجهول تاركا خلفه زوحة واطفال بانتظار لم الشمل وهنا الكارثة , فالشاب العراقي متعود على نمط حياة مختلفة تماما عما موجود في امريكا واوروبا فينبهر بتلك الحياة التي يحسبها بادئ الامر حرية ويبدأ تدريجيا يفكر في الخلاص من طوق الزوجة والاطفال ليعيش كما يشاء دون مسؤوليات تربطه ويبدأ بالممطالة وقد يقطع كل اتصال مع ذويه ويختفي. ومن هنا تبدأ الماساة فتعاني الام وصغارها من الحيرة فبعد ان وثقت به واعطته كل ماتدخر حتى مصاغها وحليها ينكث بعهده معها ويتركها حبيسة الانتظار تعد الايام وتنتظر رسالة او رنين هاتف يطمئنها على الاقل على وصول الزوج الشاب.
تعاني اليوم مئات الوف من الامهات واطفالهن مرارة ولوعة ,لانهن خدعن ويعانين ايضا من التشرد خصوصا لمن لا وظيفة لها او مصدر للعيش وفي معظم الحالات تقوم عائلة الزوج بالتخلص من هذا العبئ الغير مرغوب به وتضطر الام للعودة لدار ابيها بحثا عن ماوى وملاذا آمن ,قد يتم استقبل بعضهن من قبل عائلة الاب ان كانت العائلة ميسورة الحال وقد لا تحصل على الترحيب وهنا تكمن الكارثة العظمى وهنا التساؤل الى اين تذهب شابة بصحبة طفلين او ثلاثة ومن يقوم بايوائها خصوصا اذا لم تكن متعلمة وليس لديها مصدر رزق ؟
الى اين ستتجه ومن يستطيع حميابتها في ظل مجتمع اصبح فقير باخلاقه ولايوجد قانون يحميها ؟
من سيتكفل رعاية الاطفال القاصرين اذا كانت الام اصلا يافعة وبحاجة الى رعاية وارشاد؟
الجواب لا احد, فليس لدينا في العراق دائرة شؤون اجتماعية ترعى هكذا حالات ولانستطيع ارغام الاسر على تحمل هكذا مسؤولية ثقيلة ومعقدة , وهنا التساؤل من يتحمل وزر هؤلاء ؟
الزوج الشاب المهاجر؟
ذوي الزوجة او ذوي الزوج ام المجتمع وقانونه الظالم ؟
ام الحكومة العراقية التي ليس لديها خطة لاستيعاب هؤلاء الشباب وتوفير فرص عمل لهم ؟
وماهو مصير هذه الزوجة التي بقت على ذمة زوج تجهل اقامته ولديها اطفال قاصرين عليها رعايتهم وتوفير ملاذا آمنا لهم؟
لقد سمعت عن قصص من هذا القبيل تقشعر لها الابدان ويندى لها الجبين قصص معاناة تلك الزوجات واطفالهن القاصرين ولكن لاحياة لمن تنادي.
انتشرت اليوم في المجتمع العراقي ظاهرة وجود اطفال في الشارع في مدن غير مدنهم والاتجار بهم او سرقة اعضائهم وظاهرة بغاء النساء او بيعهن والاتجار بهن كجواري او ماملكت ايمانهم؟
اي جريمة هذه ونحن اليوم في زمن العولمة وزمن المعلوماتية نرى ان البشرية في الكرة الارضية على طرفي نقيض بعضها تتمتع بسيادة قانون والمراة فيها حرة ومكرمة وبعضها الاخر يعاني من التخلف والعودة الى سوق النخاسة , نعيش اليوم بين عالمين مختفين تماما والمصيبة ان من ينعم بالحرية والحياة الكريمة هو نفسه من يمول الارهاب وينشر الفكر الظلامي بدعوى انه فكر الاسلام الاول,
ومن يدفع ثمن كل ذلك زوجات المهاجرين اولا واطفالهن القاصرين ثانيا.
والحكومة العراقية لاتحرك ساكن فليس لديها سجل او قاعدة بيانات دقيقة للذين غادروا وتركوا خلفهم اسرهم على الاقل كي تقوم بمعالجة ملفاتهم وتجبر الزوج اما بالعودة او الاسراع بعملية لم شمل الاسرة بدلا من ان تتشتت الاسرة ويضيع مستقبل الاطفال , وفي المقابل فان الدول التي وافقت على استقبل هؤلاء الشباب ليس لديها معلومات دقيقة كون الشاب متزوج او لديه اسرة وقد لاترغب اصلا بعملية لم شمل الاسرة لانها تعاني من وجود هؤلاء اصلا وبعض الحكومات ارغمت شعوبها على تقبل هؤلاء اللاجئين ولاتريد حمل عبئ عوائلهم وتبقى الام قيد الانتظار تعاني من وضعها فهي بين مطرقة وضمير الزوج وسندان الاهل الذيم لم يعودوا يتحملوا مسؤوليتها ومسؤولية اطفالها.
ناقوس الخطر يرن رنين متواتر ومتواصل دون ان يابه له احد, لا مجتمع , ولا ضمير ولا قانون...

المهندسة امل كاظم الطائي
1-10-2016