معهد غوته الألماني يواصل إقامة ورشات الكتابة لنساء العراق



اخلاص باقر النجار
2016 / 10 / 6

معهد غوته الألماني يواصل إقامة ورشات الكتابة لنساء العراق
أ.م.د.إخــلاص بـاقــر الـنجـــار
العراق / جامعة البصرة / كلية الإدارة والاقتصاد
قـســـم الـعـلوم الـمـالـيـة والمصرفية
كانت إنانا ألهة الحب والحرب والجاه والسلطة تظهر بأشكال متعددة في سماء مدينة أوروك السومرية ، تلك الألهة المقدسة التي جمعت في صفاتها كل ما هو رمز للأنثى ، ومنها إنطلقت الشرارة الأولى لفكرة اهتمام معهد كوتا الألماني للكشف عن الطاقات الأدبية الكامنه والمغيبة لدى روح المرأة العراقية ، ومن هنا بدأت رحلة البحث التي لاقت تجاوباً كبيراً جداً من النساء العراقيات الراغبات في صقل مواهبهن الأدبية حتى وأن كانت في مهد ولادتها في مجتمع لا يكترث للأمر ، وبالفعل دخل العمل حيز التنفيذ وتبلورت الفكرة الى واقع بأختيار النخبة من المتقدمات للمشاركة في ورشات العمل التي أقيمت في البصرة بمحاضرات قيمة مكثفة عن النثر والسرد وتقنياته بعنوان ( الكتابة من أجل الحياة ) ، وبتمويل من وزارة الخارجية الألمانية في بغداد ، وكنت من ضمن المشاركات في هذه الورشة التي إزدانت بوجوه الكاتبات والأديبات من مختلف محافظات العراق .
وبعد أن أوجه كلمة الثناء والتبجيل لكل القائمين على انجاح هذه الفكرة واستنطاقها وإكسابها صفة الواقعية على مسرح الحياة ، أود أن أؤكد بأني أكتب لأني أمتلك موهبة الكتابة أولاً ، ومن خلال حياتي الجامعية عرفت بأن الكتابة لغة خاصة لا يفهم كنهها إلا منَ فهم فنونها وتتلمذ على أساسياتها وتدرج على أصولها ، وسلك الدرب ماشياً لسبر أغوارها ، ليرسم الحياة في نصوص ومشاهد مميزة على صحراء الورق ، يمكن أن تمثل له نافذة أو متنفس لتفريغ شحناته الايجابية أو السلبية ، بالضبط كما يتعامل الرسام مع لوحته ينتقي من الألوان ما يشاء ليُعبر عن مكنونات ذاته تارة ، وتارة أخرى لتسليط الأضواء على جانب من جوانب الحياة كفكرة أساسية للكتابة من أجل تشخيص المشكلة ودراستها بأسلوب أدبي أو قصصي من أجل إيجاد الحلول الناجعة لها وردعها والحيلولة دون تفاقمها .
وحقيقة أنها لمبادرة أكثر من رائعة وهادفة لأنها جمعت الشتات المتناثر ما بين الأديبات في جلسة عمل موحدة ألتقت فيها الأراء ونضجت فيها الأفكار ، ورفعت النقاب عن الكثير من الوجوه المتوارية عن الأنظار في مجتمع دخيل يعيش وهم في العزلة النجاة وفي التحفظ الكمال ، لست أعمم ولكن السنوات الأخيرة أرجعتنا ألف عام من العزلة الروحية والنفسية والمجتمعية والثقافية عن العالم العربي والأجنبي ، وأختلاف الأمزجة والشياطين المتسيدة التي ترمق الطرقات كل حين وتقصي كل ذي هدف عن مرماه ، فكانت الورشة بحق مسرح كبير شحذ الهمم وفتح شهية القلم للإدلاء برأيه بعد صمت مطبق دام سنوات وموهت فكرة السكوت وعدم جدوى هذه المحافل في سياسة الغاب التي لا تعرف معنى التواصل الفكري بين الناس في داخل البلد الواحد على الأقل ، وقد منحت الورشة الفرصة للتعبير عن الذات في الألقاء والبوح عن كل ما تعاني منه المرأة العراقية من تهميش وإقصاء حتى وأن كانت استاذة جامعية بأسلوب قصصي رائع يثلج الصدور ، وطرح موضوعي وصراع لذيذ في النقاش وإبداء الرأي ووجهات النظر ، وإن عبّر ذلك عن شيء إنما يُعبّر عن وعي لا أقل ولد ، وانما استيقظ وبعضلات فكرية قوية ليظهر على الساحة من جديد وليُعلن تحطيم قيود العزلة الادبية عن العالم العربي والأجنبي ، وأتمنى لو تتطور مواضيع الورش القادمة لتشمل كل فنون الكتابه ولاسيما كتابة السيناريو والمسرحية وليس فقط الاقتصار على السرد وتقنياته وأن يزيد عدد المشاركات من (30) الى (50) مشاركة ، على الرغم من معرفتي بإلالتزامات والتصادم مع روتين العمل الممنهج ، ولكن لابد من تفعيل القوانين التي تسمح للأديبة بالحضور في مثل هذه الدورات والورش وغيرها من المحافل ، وتفريغها من عملها في أوقاتها الدورية التي لا تزيد عن خمسة أيام عادة ، وان ورشة العمل الألمانية حققت أنجاز كبير عجز عن تحقيقه حتى اتحاد الادباء العراقي الذي لم يفكر حتى بمجرد التفكير في جمع عدد كبير من الأديبات العراقيات ومن مختلف المحافظات من الشمال الى الجنوب في مكان واحد في ورشة عمل تأخذ بأيدهن وتشعرهن بأن هناك مؤسسة قائمة في البلد يمكن أن تكون لهن السند والقوة الداعمة لتطوير وصقل مواهبهن لترتقي لمستوى النصوص التي تستحق كلمة نصوص أدبية .
ومن الجدير بالذكر والتوثيق بأن ورش العمل هذه غازلت ودغدغت طموح كل أديبة بأن يكون لها كيان أدبي مستقل عن الكيان العام ، مستقل وليس منفصل ، مستقل برأيه وعمله وفكره وانجازه ليكمل الاطار العام ، وقد تطورت هذه الفكرة وتبلورت بتأسيس منتدى اديبات البصرة داخل اتحاد ادباء البصرة ، والذي ظهر للنور حقيقة بعد أن كان محض خيال قبل شهر تقريبا وبجهود ذاتية من السيدة رئيسة المنتدى، التي تستحق منا كل الدعم والثناء ، وقد لاقت الفكرة ترحيب كبير جدا من قبل الاديبات وأتوقع بأن يزداد العدد ، ومما ورد آنفاً أستشف صفوة القول بأني أتوقع من ورشة العمل من أجل الحياة المزيد من البرامج الجديدة لأنها أتت أُكلها وحققت الكثير من المزايا ، وأنها ستبلور وتطور عملها بأنتاج واقعي ملموس وليس فقط الاكتفاء بالمحسوس والمدروس ، وربما ستعمل على إصدار مطبوع يوثق أعمالها فمن أسمها ورشة عمل لابد أن يكون هناك انتاج جديد وقيمة مضافة بعيداً عن قالب التقليد .