العلاقات العاطفية للمرأة بين المورث والوقع



صاحب الربيعي
2005 / 12 / 29

ليس هناك إنسان بدون تاريخ شخصي يحتضن تجاربه ومسيرته في الحياة وبغض النظر عن الصالح والطالح منها، فهي تشكل تاريخه الشخصي الذي لايمكن إسقاط جزءً منه لصالح الجزء الآخر مع عدم إغفال نقده وتقويمه لأجل تقويم الذات وانتهاجها مسالك تخدم الذات نفسها والبشرية معا. والتجارب العاطفية في حياة الرجل والمرأة تدخل ضمن حيز التاريخ الشخصي للفرد، ولكن في المجتمعات المتخلفة يفرض المورث من القيم والأعراف الاجتماعية نهجه على المرأة أكثر من الرجل ويمنعها من التصريح عن تجاربها العاطفية السابقة بل يقسرها (أو تقسر نفسها) على إنكار العديد منها لإرضاء المجتمع.
وبالعكس بالنسبة للرجل فإنه يفاخر بعلاقاته العاطفية ويمنحه المورث كل الحصانة في التصريح والتباهي بها خلال مسيرة حياته. وبنفس الوقت يرفض أن يتزوج بامرأة تصرح بعلاقاتها العاطفية السابقة أو أن المجتمع سلط الضوء عليها، فتصبح ضحية الإشاعات المغرضة التي تضعها في خانة السقوط وبراثن الرذيلة. وتحت ضغط المورث تجاهد المرأة على إخفاء أو إنكار علاقاتها العاطفية السابقة نزولاً عند رغبات المجتمع للفوز بالزوج، وتحاشياً لمظاهر النبذ والاحتقار الاجتماعي.
إن سعي المرأة الدائم لانتزاع الاعتراف بأنوثتها اجتماعياً من خلال الزواج في المجتمعات المتخلفة، يدفعها أكثر نحو الاستجابة للعلاقات العاطفية مع الرجال للفوز بالزوج نتيجة عزوف الشباب عن الزواج بسبب الفقر والبطالة وانخفاض الدخل وارتفاع عدد النساء قياساً بالرجال في المجتمع. هذا المسعى وما يكتنفه من ظروف اجتماعية، جعل العديد من النساء يتظاهرن بـ (العفة والشرف!) لتنال رضى المجتمع!.
تقول ((غادة السمان))"هذه أنا، امرأة لاتشعر بالذنب. إنها ولدت كذلك ولاتعتذر حتى عن نزواتها (كأي رجل) وليس بوسعك أن تمتلكها إلا إذا أحببتك".
إن حالة الانفصام الذي يعاني منها الأفراد في المجتمعات المتخلفة والكامنة بالكبت الجنسي والسعي الدائم للتخلص من براثنها من خلال إقامة العلاقات العاطفية (غير المشروعة!) للتخفيف من الضغط النفسي أو من خلال شراء جسد المرأة من سوق الدعارة.
هذا الأمر فرض أنماط متعارضة من القيم الاجتماعية على كلا الجنسين، فمن جهة منح الذات (شرعية!) فسحة لتصريف الكبت الجنسي باعتباره حالة غريزية لايمكن القفز عليها، ومن ناحية أخرى نعت المستجيبين لها بنعوت تحط من قدرهم الإنساني.
ولاتعاني المرأة في المجتمعات الغربية من حالة الانفصام، فهي دائمة التصريح بعلاقاتها العاطفية وتمارس علاقاتها الجنسية بحرية وبصورة علنية ولا يأسرها المورث التاريخي ولايحط من قدرها في المجتمع. وكذلك الرجل الذي لايأسره المورث، ولايجد في العلاقات العاطفية السابقة للمرأة عورة تحط من قدرها ولا من قدره لأن مفهوم العفة والشرف لهما مدلولات أخرى في المجتمع.
إن العلاقات العاطفية للرجل أو المرأة في المجتمعات الغربية لم تعد موضوع نقاش وينظر إليها باعتبارها ممارسة طبيعية وغرائز إنسانية، وحين تشذ عن هذا المنحى تدخل في إطار الحالة المرضية التي تستوجب العلاج النفسي.
يقول ((زوربا))"ليس هناك تعاسة أكثر من أن تنام امرأة وحيدة في فراشها".
يأسر المجتمعات المتخلفة عالمين: عالم مستور تمارس فيه كل العلاقات الإنسانية أو الموبقات أو العهر...وعالم ظاهري يدعي العفة والشرف والأخلاق. ولكل منهما منظومة أخلاقية ومبررات للممارسة العهر والفضيلة!.
المورث التاريخي في المجتمعات المتخلفة ينخر منظومة الوعي عند الرجل والمرأة ويكشف عن أوجهه المتعددة في اللحظة الحرجة عند مواجهة الأخر الذي يطرح تساؤلاته الساذجة باعتبارها تساؤلات طبيعية، لكنها تنهل في اللاوعي من المورث قيمها ونزاعاتها في الحط من قدر الآخرين. وتتقمص المرأة دور الساذجة في ممارسة الجنس مع الرجل للإيحاء بأنها لاتمتلك الخبرة، ولتوحي للآخر بأنها التجربة الأولى في حياتها العاطفية لترضي نزعات المورث في ذهنية عشيقها.
وبخلافه فإن الرجل يمارس دور قاضي التحقيق في توجيه الأسئلة للمرأة عن خبرتها الجنسية، وعن عدد الرجال الذين تعاطت معهم في علاقاتها العاطفية السابقة. وتبدأ المرأة رحلة الدفاع عن النفس وإنكار علاقاتها العاطفية السابقة، تحاشياً للوقوع في أسر قيم الحط من قدرها وشأنها أمام عشيقها!.
تقول ((هيفاء بيطار))"كان كل رجل أتعرف إليه يشعرني بطريقة ما، أنه يقدر كم رجلاً عرفت. وكنت أتململ محاولةً اتخاذ وضعية المرأة المهيضة الجناح التي لم تعرف رجلاً سوى زوجها. وكنت أحتقر نفسي في نفاقها..وحين كان يحاصرني بسؤاله الخانق ولا أجد مفراً من الإجابة، كنت أجيب بالنفي، رغم إحساسي أنه لايصدقني في أعماقه إلا أنني كنت أتفرج عليه كيف يُسر بجوابي الكاذب مرضياً ذكورته المتعجرفة؟ كنت أتساءل: هل يصدق هذا الأبله أن امرأة كاملة الأنوثة ومطلقة منذ سنوات يمكن أن تحب رجلاً دون أن تنشأ بينهما علاقة جنسية".
إن حالة الانفصام والشرخ الذي يطال الذات بالنسبة للرجل والمرأة في المجتمعات المتخلفة نتيجة سيطرة قيم وأعراف المورث التاريخي عليها في اللاوعي وتحكم منظومة المجتمع بمصائهما وحياتهما الشخصية، جعل كلاهما يخشى المواجهة مع الذات حتى لايكونا ضحية المجتمع ويطالهما براثن النبذ والاحتقار الاجتماعي اللذان يعرضان بقدرهما وشأنهما الإنساني.
لاتكمن المشكلة الأساس بالعلاقات العاطفية والتاريخ الشخصي للرجل أو المرأة في المجتمع، وأنما في حالة الانفصام والشرخ الذاتي الذي يطال كل منهما وعدم التوافق مع الذات تحت ضغط المورث الاجتماعي...فكيف تستقيم العلاقة الإنسانية القائمة على أساس الخداع والمراوغة؟ وكيف تنسج العلاقات الإنسانية بخيوط الكذب والخداع لتسويق الذات في سوق المجتمع؟ وكيف يمكن تشكيل منظومة وعي جديد للفرد طالما ينهل في لاوعيه من قيم وأعراف المورث التاريخي؟. أسئلة كهذه معروضة برسم المناقشة لأجل مصالحة الذات على الذات في المجتمعات المتخلفة للخروج من الأزمة الاجتماعية الأسيرة لقيم وأعراف المورث الاجتماعي!.