لا تظلموا زوجة سقراط ..!!



بريهان قمق
2016 / 11 / 5

يتشارك الناس بمختلف المستويات الثقافية من الجنسين ، الإعجاب بسقراط "469–399 ق م " وهذا أمر لا غبار عليه ، هو الفيلسوف اليوناني الكلاسيكي الكبير الذي يُعد أبا للفلسفة الغربية ومن أبرز مؤسسيها وبالإسهامات المهمة في مجالات المعرفة والمنطق ..
وقد اشتعلت رغبته المعرفية إثر قول "البيثيا" كاهنة هيكل ذلفُس بأنه الأكثر حكمة بين البشر، الأمر الذي دفعه لمحاولة تلمُّس أبعاد تلك الكلمات التي حدَّدتْ مسار حياته ، فراح لطريقه محاولا استكشاف مكامن تفوقه المُفترَض، ذلك المسار الذي أوصله إلى تلك النتيجة التي مفادها أن "كل ما أعرفه هو أني لا أعرف شيئًا، بينما يعتقد الآخرون أنهم يعرفون ما لا يعلمون".
وقد اعتقد سقراط أن الكرامة الحقيقية للنفس إنما تنبثق من العلم الذي هو ميراثها الحقيقي. لكن العلم الذي يعتقد به لم يكن يرتكز كما هو حالنا اليوم، على ظواهر العالم الخارجي ، لذا فقد اتخذ منذ البداية، موقفا معارضا من منظِّري الطبيعة لافتقارهم إلى الحسَّ الإنساني بحسب منظوره.. واتخذ أيضا في الوقت نفسه، موقفا معارضا من مذهب السفسطائيين، الذين لا يمتلكون موهبة الحسِّ العلمي.
فقد جمع سقراط بين المبادئ المقبولة للفيزياء وبين إتقان الجدل ومهارة الكلام واللغة ،ومن هنا كانت مأساة زوجته ذلك لإن "سقراط" الشخصية الحقيقية يظل لغزا كبيرا انما قدّم زوجته قربانا للبشرية كعنوان للجهل..!!!!!!!!
لن أتغلغل سيرته وآراءه كفيلسوف إنما ما يستوقفني ويقلقني هو التزوير التاريخي في الإساءة لحقوق زوجته الإنسانية والتشنيع عليها ووصمها بالجاهلة والعدوانية والعدائية وسلاطة اللسان ..
حيث يتجاهل الكل حقيقة أنه ما من زوجة على وجه الأرض في كل العصور تتقبل وتتعايش مع فكرة التحول الى وعاء للإنجاب فقط لزوج له اهتمامات جنسية أخرى ..
فسقراط لم تكن اهتماماته فلسفية وفكرية فحسب بل كانت ترى الشريكة الزوجة بأم عينيها عشاقه من الشبان الوسيمين وبشكل علني بحكم أن الأمرعادي مجتمعيا ، ولكنه قطعا لم يكن عاديا لشريكة زوج ذي ميول جنسية مثلية أو مزدوجة...
وبذا تحول الأمرباعتقادي الى غضب وعُصاب وانفعال وثورات .. فسقراط لم يكن يخفي عشقه مثلا لألسيبياد، بل كان يطارده باستمرار، كما هو موصوف في "المأدبة"، اضافة لآخرين وسيمين من الشبان من تلاميذه ، ومتهكما في ذات الوقت على زوجته كقوله :" أنا مدين لهذه المرأة لولاها ماتعلمت أن الحكمة في الصمت وأن السعادة في النوم .. الرجل مخلوق مسكين يقف محتاراً بين أن يتزوج أو أن يبقى عازباً وفي كلا الحالتين هو نادم ! "
متناسيا رجل المنطق والفلسفة والإنسانية أنه كان يدمر احساس الأنثى بعمق كينونتها وكرامة هذه المرأة أي زوجته ..!!!

أن يكون سقراط مثليا أو مزدوج الجنس فهذا اختياره وحريته الشخصية ، وهو الذي لم يُعانِ من إشكالية جندرية وارتباك بهويته الجنسية ، إنما ميوله الجنسية كانت جلية في إطار مجتمع يبيح للرجل اعلان ذلك.. إنما منطقه وفكره ورؤيته الفلسفية الإنسانية ، لم يستوعب على ما يبدو ما شكله هذا السلوك لجرح عميق في إنسانية أنوثة الزوجة وساهم بالتشنيع على "الزوجات" وهن أصلا جريحات في مجتمع عقلنته لم تبلغ حد الفهم لمعنى حق المرأة واحترامها ما يعتمل جوّانيتها من تفاعلات نفسية عميقة ..

هذه جريمة تاريخية يشارك بها الرجال والنساء كلما كتبوا اليوم عن لؤم وغباء وجهل وسلاطة لسان زوجته كلما تداولوا آراءه في المرأة .. وقد وصل الحد لتكتب إحدهن تحت عنوان نساء في مزبلة التاريخ ومسهبة بحشد من التعبيرات المسيئة للزوجة ومتفننة إظهار قبح روحها وغبائها .........!!!
والذي يدل على سقوطنا الثقافي المريع في شراك العبارات المجتزأة ، وثقافة النقل بلا تمحيص ، ودونما أيّ محاولة جادة في طرح أسئلة معرفية لكشف ما خلف الأكمة واسقاط جُدُر الوهم عن حقيقة الأحداث والشخصيات حتى وإن كان فيلسوفا كبيرا كسقراط والذي اعتُبر مؤسِّسا لفلسفة الأخلاق وأول منظِّر للعقلانية والداعي لحرية الرأي والتفكير الفردي ، ولكنه أخفق في تطبيق ذلك مع شريكته الجريحة في جوانيتها باتهامات ظالمة، يتفنن الناس اليوم بتداولها عب استباحة روح الأنثى وحقها وانسانيتها....
المعرفة، بحسب سقراط تبدأ بفعل التطهُّر وان سبقه في مثل هذا الطرح الأورفيون والفيثاغوريون ، انما يُحسب له تشدده على أن يكون من خلال التخلُّص من الأفكار المسبقة عند اصدار الأحكام بإظهار بطلانها .. وبرأيه "لا أحد شرير باختياره"، وإنما بسبب الجهل..!!!
ومع ذلك سقط سقراط الفيسلوف الكبير بشراك "الجهل" بنفسية الزوجة الجريحة الكرامة ، مقدما إيّاها قربانا لكل العصوربوصفها عنوانا عريضا للجهل وسلاطة اللسان ، غير منتبه لما يعتمل الأنثى من تفاعلات شديدة التعقيد كالألم بأنها وعاء للإنجاب فقط ، وصراعها لتوقها أن تكون شريكة تنتظر الحب جسديا وروحيا ...
فلا تظلموا زوجة سقراط ............................