دفاعاً عن رجلً من هذا الزمان



فلك محمد
2016 / 11 / 8

نتيجة للظلم التاريخي الذي تعرضت له المرأة، بدأت ثقافة الذكورة، كمجتمعات وأحزاب وافراد بالتعامل معها من واقع الشعور بالذنب، ومن ثم التعامل معها كمعوقة تاريخية يجب الاخذ بيدها كي تعيش حاضرها.

في المجتمعات الشرقية تم وضع (الكوتا) التي يجب الالتزام بها بنسب معينة لدخول النساء في البرلمانات، او قيادة الأحزاب.

قد يكون الموضوع مقبولا من وجهة نظر معينة، لكن من جهة أخرى أي فائدة من دخول نساء لا يمتلكن القدرة والكفاءة للعمل في البرلمان او قيادة الأحزاب؟

موجات بشرية هاربة من الحروب والظلم والدكتاتوريات والإرهاب حالمة بملاذات آمنة بحثاً عن المفترض بانه الفردوس المفقود.

هل انتهت رحلة الوجع والعذاب الإنساني لأولئك الهاربين؟ سؤال يحتمل أكثر من إجابة.

علاء اجابةً لبعض تلك التساؤلات:

قصة رجل سوري ترك الوطن خلف ظهره، دون ان ينجح ويتخلص او ينسى اوجاعاً كانت هناك، يلاحقه شبح، يهرب، يحاول الدفاع او البحث عن مخرج لرحلة من ضياعً الى ضياع، من حرب بلاده الى حروبا داخلية اشد وطأة عليه

أحبها وتزوجها وأنجب منها 3 اولاد. كانت حياته هادئة باستثناء مشكال بسيطة بسبب تدخلات الاهل، تجاوزها بعد ان اخذ بيت بعيداً عن الاهل.

بعد ان تخلص من ضجيج العيش مع الاهل تحول بيته الجديد الى صمت أشبه بقبور الموتى لا يوقظه سوى كوابيس تلاحقنه ليلاً ووسواس يلازمه نهاراً.

يتحدث علاء بألم وكأنه يعود للحظات الصدمة: بدأت تتغير في سلوكها معي، بدأت أفكر وأبحث عن الاسباب، أن كانت متعلقة بي أم بها، وهل هناك رجل آخر. لم اظهر مخاوفي كي اتأكد ولا أظلمها.

تأكد لي، بانها على علاقة مع غيري، بدا العالم ينهار أمامي، شعرت بغباء لحظات عشقي لها.

اعترفت له وعاهدته بان لا تكررها، فكر بالهرب من الصدمة والعيون التي تلاحقه وحديث قد يصدمه، فقرر الخروج من سوريا.

يعيش علاء في مهجره هاربا من أشياء كثيرة بعضها يعلمها وأخرى لا يعلمها، يتلفت علاء يميناً ويساراً وكأنه يبحث عن شيء أو يهرب منه. تحدث عن معاناة الغربة والسفر، عن حلم حياته التي اختصرها بأولاده وبالأخص الكبير منهم لأنه مصاب بمرض الكبد.

يكمل علاء، لا يخفى على احد حجم المعاناة التي عانينها في انتقالنا الى تركية من استغلال وغيره، استمرت بنا المعاناة الى ان اقتحم حياتينا الزوجية رجل اخر وقلبها راساً على عقب، والى كابوس، وهذه المرة كان مختلفا عن سابقتها، كان مثقفاً ويعرف كيف يخترق عالم نقي وبسيط كعالمي، عرف كيف يزرع في طريقها اليه كلمات جميلة ومعسولة. لن ادخل في التفاصيل لأن الموت يكمن فيه. قررت الهروب مرة اخرى، اخذت منها عهدا اخراً كي لا تكرر الخطيئة. أطلقت العنان لقدمي مع اطفالي الصغار، ركبنا البحر مع المهرب مع موجات بشرية كل واحد منهم له قصته.

يتابع علاء بانين لا تسمعه، عيناه تكاد تمتلآن بالدموع وهو يعيد الى ذاكرته ربما صورة اطفاله الثلاثة، ضحكاتهم، صرخاتهم، زوجته .. خاطرت بأولادي كي اتخلص من هذا الشخص لأنني شعرت هذه المرة بخطر يهدد حياتي الزوجية.

الاسباب عديدة للهروب من الوطن، وكان أكبر اسبابه هو ان يتخلص من ذاك الشخص. فكانت رحلته الى المجهول او الموت المحتم عبر زوارق الموت. لم يشعر بعذاب الطريق لان حرقة البركان بداخله كانت وقعها اشد واكثر هولاً من عذاب رحلته المجهولة للمجهول.

عندما اقترب من البحر أخبره المهرب بانه سيتم توزع النساء على زوارق والرجال في اخرى، انطلق من تركيا تاركاً وراءه، على حافة البحر من الجهة التركية صورة ذاك الشخص وكأنه تخلص من وحش مفترس أراد ان ينهش لحمه ولحم اطفاله.

عندما تبحر في البحر تجد يوم القيامة، صرخات الأطفال، بكاء النساء، انين الرجال. الجميع يقدمون صلواتهم لينقذهم الله، اما هو فكان في عالم آخر.

انتابه مشاعر غريبة، شعر بالخلاص، همومه بدأت تخف مع كل ابتعاد عن مدينته وبيته واجواء الصدمة. لكن ما ان شعر علاء بالخلاص حتى بدأ جرح الذاكرة وهو يقترب من اليونان كالملح يعيده الى وجع خيانتها.

لم يجد اولاده وزوجته، فجن جنونه، حاول البحث والاتصال بهم دون جدوى، كما انه حاول الرجوع الى تركيا أكثر من مرة عبر السباحة لكنهم منعوه.

كانت لحظات أصعب من الموت، لا يجد علاء حروف وكلمات تصف معاناة تلك الساعات الطويلة بطول العمر، الى ان وجد جماعة إيرلندية ساعدوه للوصول الى زوجته وأولاده وتم لم شملهم ليتوقف عن مخاوفه بخسارة عائلته والتخلص من ذاك الدخيل.

بدا رحلته من اليونان، رحلة لا يدركها الا من عاشها، دول مجاورة لأخرى ربما لم يراها سوى في الخرائط. انتهت رحلتهم واحكام القدر في السويد.

سكنا بداية في بيت صغير خاص باللاجئين، وبدأت المشاكل بينهم، كانت تشكي وتبكي من كل شيء، تتحج مرة بالأكل واخرى بانها لا تستطيع تحمل هذا الوضع، حاول جاهداً مواساتها الى ان انتقلا الى مكان اخر، كما يقال عادت حليمة الى عادتها القديمة. بدأت تعاود شكواها من كل شيء، حاول ان يوضح لها بان الامر مؤقت وعام وشتان ما بين شكوها والوضع في سوريا.

كان صوته حزينا، يتنفس، يتأوه ويكمل حديثه: صدمة اخرى، طعنة اخرى في القلب. سمعتها تتحدث معه عبر الهاتف. مازال يلاحقني، ما زالت تخونني، حاولت ان اقنع نفسي بوهم ما يعتقد البعض بانه تحضر، صعب ذلك على أي انسان أكان في الشرق أم في الغرب.

حاول علاء مرارا وتكرارا ان يعيد الى ذاكرتها وما حل بهم بسببه، لعله يجعلها تشفق عليه ولو لمرة واحدة، لا لشي فقط، بل لما فعله لأجلها، ولعدد المرات التي سامحها، ولحبه لها ولأولاده، ولشوقه لها كزوج ولغربتها عنه وهي معه، ولمشاعر الامومة والحنين على ابنهم المريض، لكن دون جدوى.

بدأ يراقب تحركاتها. تأكد له بانها مازالت مستمرة في علاقتها معه، لم يتمالك اعصابه، بدأ يصرخ بوجهها بصوت عالي من شدة غضبه، فقدمت شكوى بحقه.

على إثر تلك الحادثة تم نقلها الى كامب ومدينة أخرى، بدا علاء يستخدم كل السبل لإرضائها رغم خطيئتها بما في ذلك السفر الى بلد اخر هي تختاره.

بدأت رحلة العذاب تدخل متاهات جديدة أصعب من سابقاتها، فكر بالانتحار لأكثر من مرة.

كانت تلاعبه وتعطيه بصيص امل بالعودة كي تغرس في ظهره طعنة بعد أخرى، كانت تهدئه بأفيون الوعود. لحين انتقالها الى الشمال هي وأولادها.

بدأت تستخدم سلاح المرأة كونها الضحية دائما لتقنع جارتها بالتضامن معها ولتهدده من خلالها على انها مسؤولة في السوسيال.

أدرك علاء انها النهاية، خسر كل شيء. واكتفى بحلم صغير، ولحظات تشعره بانه أب، ويسمع من اولاده كلمة “بابا”.

ان كان نظرية الجندر تفسر اختلال العلاقة بين الرجل والمرأة بعيدا عن العامل الاقتصادي ولتركز على الاختلال البيولوجي بينهما، فماذا نسمي التفكير النمطي الشائع تجاه المرأة بانها مظلومة فقط لكونها امرأة.