الغيرة بين النساء



صاحب الربيعي
2006 / 1 / 1

إن المورث التاريخي من الأعراف والقيم الاجتماعية والدينية التي تأسر ذهنية المجتمع المتخلف، تفرض نمطاً محدداً من العلاقات على الجنسين. ويترافق ذلك مع حالة الكبت الجنسي الذي يعاني منه أفراد المجتمع وفصل الجنسين التي تطال أغلب مرافق العمل والدراسة تركت أثرها البالغ على مجمل سلوك الرجل والمرأة وانعكس ذلك على شكل العلاقة بينهما.
وحين تحل امرأة جميلة ضيفة على الوسط الذكوري في المجتمعات المتخلفة، يختل السلوك العام لأفراد الوسط ويتقمص كل فرد دوراً معين، كتصنع الوقار أو المرح أو التحدث عن حقوق المرأة بما يخالف ممارساته أو التباري لإظهار ثقافته العالية سعياً لاستمالتها وكسب إعجابها للفوز بها دون غيره.
وحالما ينجح أحد أفراد الوسط الذكوري في استمالتها وتُكتشف تلميحات ونظرات الإعجاب بينهما ينسحب الآخرون (بروح رياضية!) وتنتهي أدوار التمثيل لتقمص الشخصيات المخالفة للواقع ليعود كل منهم إلى شخصيته الحقيقية متبادلين نظرات الاستسلام ومباركين للفارس فوزه بالضيفة الجميلة، وهكذا ينتهي (عرس ذئاب الشهوة!) بعد أن يفوز أحدهم بالشهوة ذاتها.
وإذا ما صادف وجود نساء أخريات في عرس الشهوة قبل أن تحل الضيفة الجميلة عليهم خاصة إن كانت أجمل منهن وموضع إعجاب الآخرين، فإنها تثير سخط بنات جنسها.
تقول ((هيفاء بيطار))"أسعدني أنني محور اهتمام الجميع وبأن المراتين انطفأتا بمجرد دخولي، يا لجنس الرجال تدوخهم المرأة الجميلة".
وحين ينتهي (عرس ذئاب الشهوة!) يبدأ عرس (ذئبات الشهوة!) الذي يأخذ منىً أخر يشوبه الحسد والغيرة وتبادل نظرات الاحتقار والازدراء والاستخفاف والحط...فبمجرد أن تحوز (ذئبة الشهوة) على إعجاب الذئاب تنتهي أدوار الأخريات. ويصبحن محنطات ومستمعات وغامزات يتكلمن بلغة العيون لاحتقار الذئاب الذين تسيرهم غرائزهم الشهوانية أكثر من عقلهم، فبمجرد دخول امرأة أجمل حتى يتم إلغاء وجودهن.
إن لغة العيون المعبرة عن أساليب الحط والاحتقار...تجيدها النساء مع بعضهن أكثر من الرجال، فالغيرة والحسد هما مصدر الحروف والكلمات المكونة للغة العيون. وتستخدم النساء في عرس الذئاب أكثر من لغة للتحدث وكل منها تختلف في الدلالة والتعبير عن الأخرى، فلغة العيون ترافقها لغة اللسان المرحبة والمجاملة والناطقة بأجمل كلمات الإطراء والتودد لخداع الذكور الذين لايجيدون سوى لغة واحدة!.
هذه القدرة على التكلم بلغتين مختلفتين بالمشاعر والدلالة في آن واحد لدى (ذئبات الشهوة) تدلل على مدى ذكاء وقدرة النساء أكثر من الرجال في إدارة الصراع بوجهه الايجابي والسلبي في آن واحد دون إفساد طقوس عرس الشهوة.
ترى ((هيفاء بيطار))"أن المرأة هي المرأة ترى هل يغار الرجال من بعضهم كما تغار النساء؟. رمقتها باستخفاف موصلة لها رسالة بنظراتي الساخرة. المرأة القبيحة تعزي نفسها بأن المرأة الجميلة تافهة، والمرأة الجميلة تقول عن القبيحة بأنها معقدة. أحسست أن الرسالة وصلت تماماً. أن يتم التخاطب بالنظرات، العين لاتغش، الكلام غشاش ومخادع".
ينهل سلوك وتصرف الإنسان في كثير من الأحيان من الغريزة توجهه ومن الصعوبة قراءة مكامن النفس الإنسانية قراءة صحيحة، لأنها تخفي جانب سري. فهي تعكس توجه ما وترمي إلى توجه أخر، لتلبية المصالح الخاصة.
وهذه الخاصية يمكن لمسها بشكل واضح في المجتمعات المتخلفة التي تعاني من كبت الحرية والخشية من التصريح بالرأي بحرية كاملة، فتلجأ لأساليب متعارضة لإخفاء الحقيقة بغرض تحقيق هدفها الذي قد يكون متعارضاً مع القيم والأعراف الاجتماعية أو التوجهات السلطوية.
يقول ((جوزيف كونراد))" في السلوك الأكثر رضوخاً لدى المرء ثمة جانب سري".
مظاهر الغيرة والحسد بالرغم من أنها نوازع إنسانية تختلف بدرجاتها من شخص لأخر في المجتمع، لكنها مرفوضة في أعراف وقيم المجتمع لأنها تدلل على نوازع ذاتية غير مشروعة للنيل من قدر الآخرين الذين لايمكنهم خوض التنافس الحر لتحقيق رغبات الذات المتعارضة مع رغبات الآخرين.