التحرش الجنسي بالمرأة



صاحب الربيعي
2006 / 1 / 2

تعاني المجتمعات المتخلفة من حالة الكبت الجنسي ومن ظاهرة فصل الجنسين، وللتخفيف منها يتم إسماع المرأة كلمات ذات دلالة جنسية، تخفي بين طياتها دعوة للممارسة فعل الجنس أو الغزل الفاضح بمفاتنها. وفي كثير من الأحيان تخرج تلك الكلمات على حدود الأدب الاجتماعي لتحط من قدرها دون أن يمنحها المجتمع حق الرد تحاشياً لعدم الانزلاق في مواقف أكبر تنال من شخصيتها. وإن مارست حقها في الرد تعرضت لحالة النبذ والاحتقار الاجتماعي، ونعتت بنعوت تحط من قدرها وشأنها (وشرفها وعفتها!) بشكل أكبر.
تعود بعض مبررات التحرش الجنسي بالمرأة في المجتمعات المتخلفة إلى ظاهرة إبراز المرأة لمفاتنها الجسدية في مجتمع يعاني من حالة الكبت الجنسي، فيسترق الآخرون النظر إلى مفاتن جسدها مطلقين الكلمات ذات الدلالات الجنسية لتخفيف عن حالة كبتهم الجنسي الناخرة لذاتهم والأسيرة للأعراف والقيم الاجتماعية والدينية.
وغالباً ما يُفسر إبراز المرأة لمفاتن جسدها في المجتمعات المتخلفة على أنه دعوة صريحة منها للذكور لممارسة فعل التحرش الجنسي بها، كونها تسعى من خلال ذلك لإغرائهم وإثارة غرائزهم الجنسية خاصة أن كان هذا الإغراء وإبراز المفاتن مترافقاً مع سعيها لإنجاز بعض المهام أو جني بعض المكاسب الشخصية في الوسط الذكوري، حينها تجد نفسها أمام مبدأ المقايضة لجسدها لقاء تحقيق غايتها.
تقول ((هيفاء بيطار))"سقطت نظرته علي، كما تسقط عينا ذئب جائع على فريسته. عرض علي رأساً أن ينشر قصصي في العديد من المجلات والجرائد داخل القطر وخارجه، كانت المقايضة صريحة في كلامه (أعطني جسدك، أنشر لك)".
أصبح مبدأ المقايضة شائع في الوسط الثقافي في المجتمعات المتخلفة خاصة بعد أن منحته الشرعية بعض الكاتبات غير الموهوبات الساعيات إلى الشهرة السريعة، وتبناه العديد من المهيمنين على المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة كشعار (لا، أدب نسوي يمر دون مقايضة!) واغفل هذا الشعار الموهبة والأدب النسوي الجاد الذي ينأى بنفسه عن مبدأ المقايضة احتراماً للذات والموهبة معا.
لقد عطل هذا الشعار في الوسط الثقافي طاقات ومواهب أدبية عديدة خشية السقوط في براثن مقايضة الجسد مقابل الشهرة، وبعدم وجود قانون أو تشريع يقتص من الممارسين لفعل التحرش الجنسي ضد النساء كما هو الحال في الدول المتقدمة.
زادت وتيرة هذا التحرش في أغلب الأوساط الاجتماعية خاصة الوسط الثقافي الذي من المفترض به أن يكون رافضاً للأفعال والممارسات التي تنال من قدر الآخرين، ويعمل على تشجيع الطاقات والمواهب النسوية لتأخذ دورها في المجتمع والمساهمة في رفد الحضارة الإنسانية.
تتساءل ((هيفاء بيطار))"كيف يحتل معتوه جنسي منبراً ثقافياً هاماً؟ ما كان تهمه فضائحه وسلوكه الذي صار مدوياً في الأوساط الثقافية وخارجها أيضاً، هو أكثر ما ينطبق عليه قول: عقل الرجل بين فخذيه، بعد سنوات عزل من منصبه بسبب سلوكه الفاحش، لكنني تمنيت لو يكتب عنه رواية أو حتى مقالة يكون عنوانها الساخر المثقف البهيمي".
يعتبر مبدأ المقايضة وفعل التحرش الجنسي، دعوة صريحة لتلبية الرغبات الجنسية الخالية من المشاعر والأحاسيس الإنسانية. وبالتالي فإنها تسقط نفسها في براثن مقايضة الجسد لقاء تحقيق المصالح، ولايمكن إدراجها إلا تحت لائحة ممارسة العهر. وبخلافه فهناك شرعية المشاعر والأحاسيس المؤطرة لفعل لتلبية الرغبات الجنسية لايمكن إدراجها تحت لائحة ممارسة العهر!.
تعتقد ((هيفاء بيطار))"أنه ليس أسهل من نيل الجسد ولا أصعب من احتضان روح ومعانقتها. مشكلة الرجل أنه تكون عبر أجيال وأجيال أن ينظر للمرأة كموضوع متعة، ما كان يعرف كيف يتجول في غرف الروح الخصوصية والرائعة والعميقة للمرأة؟".
تشرع حالة الكبت الجنسي في المجتمعات المتخلفة لمبدأ المقايضة وتجييز لفعل التحرش الجنسي بالمرأة، والأخيرة لها مساهماتها في هذا التشريع: أما من خلال التعاطي الايجابي معه، وإما من خلال السكوت عليه تحاشياً للاصطدام بقيم وأعراف اجتماعية أخرى التي لاتجيز لها الاعتراض على الممارسات اللاشرعية للمجتمع الذكوري الذي يحط من قدرها وشأنها الاجتماعي!.