الدعارة السياسية، نعم أنا - ... - فهل يمكنك أن تثبت ذلك ؟



مها حسن
2006 / 1 / 2

كما ارتجف القلم بيدي وأنا أكتب عن هدى أبو عسلي مشحونة بحجم هائل من القرف والذعر مما ينتظرنا نحن النساء الشرقيات من أحكام جائرة ، لا لسبب إلا كوننا نساء .
وفي الوقت الذي تظهر فيه التقاليد الشرقية حامية للمرأة ، وتظهر الرجل الشرقي كترسانة قوة ورعاية ، فإن هذه الصورة مشوهة للحقيقة وليست واقعية ، والمرأة الشرقية لا تتمتع بأي حماية ، إلا في حال خضوعها المطلق لسلطة الرجل ، حتى وإن بغى .
وما قادني لمعالجة هذا الموضع الكريه بالنسبة لي ، هو قضية الشابة ناريمان حجازي ، التي اتسمت بقدر هائل من الجرأة والشجاعة لمواجهة أحكام المجتمع الشرقي ، الذي يتشدق بالعادات والتقاليد ، ويهتك الأعراض سرا ، يغتصب ويتاجر بالشرف ، وهو يرفع رايات خارجية براقة من العدل والشرف والعادات واحترام المرأة .
من الواضح من النظرة الأولى ، والأخيرة ، ودوما ، أن المرأة في الشرق لا تتمتع بالحماية ، ونحن النساء ، نكرر عبارة ثابتة " لا أحس بالأمان " ، وكان أحد أصدقائي يستغرب من تكراري لعبارتي ويسألني " ما الأمان الذي تريدينه ، من سيذبحك " وكنت أتساءل دوما هل هذا الافتقاد للأمان هو حاجة نسوية بحتة أم إنسانية ، يفتقدها النوعين على السواء النساء والرجال .
تحتاج المرأة في الشرق دوما إلى مبرر لسلوكها ، وحامي لها ، وقد قال لي ، أيضا أحد الرجال ذات يوم ، وكنت أتمتع بنفس عنيف وشبه عدواني نحو عالم الرجال : سوف تحتاجين دوما في عملية تحررك إلى رجل ..
وقد تألمت دوما أن أشعر أنه لنيل أدنى حق من حقوقي الإنسانية ، أحتاج لرعاية الرجل وتذكيته باعتباره مانح شهادة الشرف ، وحسن السلوك .
قد يتبجح قائل أن مسائل الدعارة والجريمة والشذوذ والانحراف... هي ظواهر موجودة في جميع المجتمعات ، سواء الشرقية منها أو الغربية ، وأني أبالغ في تأثيم الشرق ، ربما من الصواب أن العنف والجريمة وكل ما سبق ذكره متواجد في جميع المجتمعات ، وقد تعرضت المرأة على الدوام لابتزازات من هذا النوع ، ولكن المختلف في عالم الشرق هو نقطتين مهمتين ، الأولى رد الفعل الاجتماعي على العنف ضد المرأة ، إذ تكون المرأة دوما ضحية مزدوجة ، فهي تخضع لعنف الاعتداء الجسدي سواء الجنسي منه ، أو الجسدي بالعموم ، أو الاتجار بها ، كما في حادثة الإرغام على الدعارة والخطف .... ، ثم يأتي المجتمع ليحاكمها ويعاملها وكأنها ذهبت إلى المعتدي برغبتها ، فيحتقرها وينبذها ، وقد أقرت الشابة حجازي ، أن عائلتها غيرت سكنها هربا من نظرات الناس ، وان أخيها كان على وشك الانتحار .... من هنا يأتي حرص الأهل العصابي في حماية بناتهن من الاعتداء ، والتشديد المرضي والتقييد عليهن ، لا بقصد حماية المرأة من أثر الاعتداء ، بل لحماية العائلة من التشويه اللاحق ، وكم يتم السكوت على حوادث اعتداء عائلية " أخ أو أب أو عم أو جد .... يعتدي على صبية من العائلة " يتم التكتم على ذلك ، لأن الفتاة مجرد أداة غير مهمة ، ولا يهم الأذى النفسي والجسدي اللاحق بها ، بل نظرة المجتمع التي تكون ، ولا أنكر ، أقسى من الاعتداء الأول ، وتشكل اعتداءا وأحكاما أكثر شراسة من الأولى ، وأذكر حادثة صغيرة في طفولتي " القدر الذي يمكنني التصريح به " أننا حين كنا نتشاجر أنا وأخي مع أولاد الجيران ، ونضرب ، بضم النون ، كان أبي ، باعتباره رجلا مسكينا ومسالما ، يدخلنا البيت ويضربنا ، فنشعر أننا نضرب مرتين . هذا حال المرأة في الشرق ، إذ قد تتعرض المرأة في كل أرجاء المعمورة إلى حوادث من هذا القبيل ، ولكن المجتمع لا يحاسبها ، بل يقف معها ، وثمة عيادات تخصصية وتقنيات تهتم بحالات كهذه ، لمساعدة المرأة على استعادة توازنها وتأقلمها مع المجتمع ، لتخرج من حالة العنف ، باعتبار العنف الجنسي أحد أشكال العنف ، كما لو كان عنفا جسديا عاما ، كالضرب أو التهديد بالقتل ، وبذلك فقد خرج الموضوع الجنسي من التابو الاخلاقي ، والمرأة المتعرضة له هي ضحية وليست مذنبة ، ناهيك إني لا أريد الدخول في مسائل الاعتداء الجنسي الذي يمارسه الأزواج ، وضمن الشرعية المطلقة ، وهذا أيضا ما تطرق له المجتمع الأوربي ، بينما لا يزال في الشرق ، حقا مطلقا للسيد الزوج !
أما النقطة الثانية ، والأشد خطورة من الأولى ، والتي تميز المجتمع الشرقي ، فهو موقف القانون ، ولا أتحدث عن القانون الشكلي ، كنصوص ومواد ومحاكم ، بل القانون الفعلي الحاكم لأروقة المحاكم ، والحاكم حتى للقاضي ذاته ، هذا الأقوى من النصوص والمواد والأحكام ، أعني " السلطات المخولة بتطبيق القانون " .
وبالعودة وبالتركيز على قضية الآنسة حجازي ، فإنه من العار أن يتم الكشف عن تورط رجال لهم مكانتهم في الحكومة والشرطة والطب و ... شخصيات تمارس تسهيل الاعتداء ضمن أعمالها ، شبكات مافيا تحكم البلد ، تشرع ، تغتصب ، وتسمح لنفسها أن تمنع أي نشاط سياسي أو فكري أو إنساني يمس بزعزعة مكانتها ، لأن تواجدها في السلطة هو لممارسة الدعارة والكسب ، لا لحماية البلد وتطبيق القوانين .
تقول المحامية ميساء حليوة "أن قضية ناريمان حجازي منظورة أمام محكمة الجنايات الثانية بدمشق، وهي محكمة مشهود لها بالكفاءة والنزاهة " ولكن المسألة ليست المحكمة ، بل حتى في شخص الآذن في المحكمة الذي يتمتع بسلطات أقوى من القضاة ، هؤلاء الحكمة الفعليين للبلد ، المافيا التي تعطي أوامر القتل والاغتيال والتفجير والملاحقة والاعتقال ... هؤلاء خفافيش الظلام ، الذين يرتدون بزات أنيقة في النهار ، ويركبون سيارات أنيقة ، ويضعون العطور الراقية ، ويقولون بابتسامة صفراء أمام الكاميرا " هل عندكم دليل " .
هؤلاء لم يقتلوا الحريري ، ولا معشوق الخزنوي ، ولا سمير قصير ، ولا جبران التويني ، ولا يسهلون الدعارة والاعتداء ، ولا يحافظون على الفساد كأهم داعم لتواجدهم ، ولا يحتفظون بلوائح سوداء لاغتيالات قادمة ، لم يسرقوا البلد ، ولم يطبقوا الأحكام العرفية ، لم يعتقلوا مسعود حميد وعبد العزيز الخير " الذي سمح له بالتنفس أخيرا " ولا كمال اللبواني ، هؤلاء لا يغلقون الصحف ولا يمنعوننا من الكتابة والطباعة ، لا يطاردوننا كمجرمين في ساحات التظاهر وينهالون علينا بالهراوات والشتائم لأننا نخرب البلد ونتعامل مع أعداء الوطن ...

كما حال المرأة المعتدى عليها جنسيا هي ضحية عنف مزدوج ، جسدي أولا ، ونفسي من خلال محاكمة المجتمع لاحقا ، باعتبار مجتمعنا يهتم جدا بالشكليات والأخلاق لدينا هي توصيف خارجي لا يرتبط بالسلوك الفعلي والنوايا بل بما يعرفه أحدنا عن الآخر ، وما يملكه من أدلة ، أو لا ، فهو بريء ، فالأمر ينطبق على كافة شؤون حياتنا في الشرق ، إذ الأخلاقي هو الذي يستطيع التكتم على سلوكه ، ولا يترك خلفه أدلة ، أما الكتاب والمثقفين والفنانين فهم بلهاء لأنهم يجاهرون بمواقفهم ومشاعرهم وعلاقاتهم ، وكذلك السياسيون الذي يتظاهرون في وضح الضوء ، كل هذه الفئات تفتقد إلى الأخلاقية الشكلية وإلى شهادات حسن السلوك والوطنية باعتبارها تغادر الحكم الأخلاقي الشكلي ، وتسمح لسلوكها أن يكون عرضة للإطلاع والنقد .

من الطريف ، والكل يعرف ذلك ، أن النساء المشتغلات بالدعارة هن أكثر النسوة اللواتي يتحدثن عن الشرف ، ومن هذا القياس يمكننا أن نصف أولئك الذين يتهمون كل من يشارك في عملية النقد وممارسة حقه في التعبير في الوطن بأنه خائن ، هي أوصاف أخلاقية جاهزة ، تخدم السلوك الظاهري ، وتخفي الحشوات الداخلية المتعفنة .
وبما أن النظام يملك أدلة علينا " تظاهرنا العلني ، منتدياتنا المفتوحة ـ الأتاسي نموذجا ، كتاباتنا على الانترنت .... " فنحن خونة ، أما هم ، فمن يمكن أن يثبت أنهم يدعمون الدعارة ، ويخطفون النساء ويشوهون الأوطان ...

أعود بالذاكرة إلى فترة رفعت الأسد ، طيب الله ثراه ، عفوا ، لم يرتحم بعد ، كنا نحن الصبايا آنذاك نسمع أساطير عن ملاحقته للجميلات ، واختطافه في وضح الشمس لنساء من أحضان أزواجهن ، لأنهن رقن له ، إلى أن صار الاقتران من زوجة جميلة ، سوء طالع . آنذاك ، وقف أخوه الراحل حقا ، واستطاع بصعوبة لجم سلوك الشقيق المتهور ، الباحث عن المتعة مهما كان الثمن " السيد رفعت الأسد اليوم من أحد عتاة المناداة بالديمقراطية في سوريا ، ظانا أن العائلات المغتصبة نست تاريخه الجنسي ، لو تركنا جانبا جرائمه السياسية والعسكرية " ، فماذا يفعل اليوم بشار الأسد ، الذي يشهد له بحق بنظافة كبيرة في سمعة عائلته " أبناء حافظ " من سلوك أخلاقي نظيف ، بعيدا أيضا عن البعد السياسي ... ماذا يفعل بشار أمام جلاودته ، حكمة البلد الذين يتاجرون بالبلد .
هل سيضع يده على خده ، كما فعل أمام الرئيس مبارك ، أنه لا يستطيع فعل شيء ، لأن أمه تدعم أخيه وصهره وهو خائف من فتنة علوية ، وكأن المهم هو الطائفة لا البلد ... ولكن عزيزي الرئيس ، المسألة هنا لا تتعلق بفتنة طائفية ولا خيانة أجنبية ولا تدخل أميركي ، ولا مخطط اسرائيلي ... كيف تثبت شفافيتك في التعاطي مع هذا الملف أمامك " شبكات الدعارة بحماية رجال الدولة والقانون ، أي الحكومة الداعرة " ؟!