شرعنة الاعتداء الجنسي على النساء ليست امرا قضائيا بل سياسة معاداة والتمييز الجنسي ضد النساء!



نادية محمود
2016 / 11 / 20

[email protected]
دعم نواب حزب الحرية والعدالة الحاكم في تركيا مشروع قانون يبرئ المتهم باغتصاب قاصر في حال تزوجها في اواسط هذا الشهر، وسيعرض القانون للتصويت في ال22 من هذا الشهر (تشرين الثاني/ نوفمبر). هذا القانون، لو جري التصويت لصالحه هذا الاسبوع، سيجعل المجرم ينجو بجريمته ودون عقاب. ان اقر هذا القانون بشكل نهائي هذا الاسبوع، ستنضم تركيا الى قائمة الدول الاسلامية في الشرق الاوسط التي تعفي مرتكبي جرائم الاغتصاب من العقوبة مثل العراق والاردن، ولبنان وسوريا، والجزائر، وليبيا. في السودان تعرض المغتصبة نفسها الى خطر محاكمتها هي بالزنا، ان لم تتمكن من اثبات ان الامر لم يتم برضاها، والعقوبة هي 100 جلدة. وهكذا في موريتانيا واليمن.
بتشريع هذا القانون، ستكون معاناة وآلام الفتاة المغتصبة الجسدية والنفسية، قصيرة وبعيدة المدى، امر ليس بذي اهمية لهذه الهيئة التشريعية التي اسمها البرلمان. ان عقوبة الاغتصاب ليس السجن او حبس الشخص المغتصب، بل هو اعفائه تماما و"تبرئته" من الجريمة بل والسماح له واعطائه حقا مفتوحا لارتكاب جريمته، ومتى ما شاء وبشكل قانوني بأسم "قبوله للزواج من الفتاة المغتصبة".
في حين ان عقوبة ايقاع الاذى والالم للاخرين، مثلا الاعتداء على شخص في الشارع او في مكان عام من خلال الضرب سيستدعي تدخل الشرطة وحبس الشخص المعتدي، وستؤدي الى عقوبة قانونية. الا عقوبة الشخص المغتصب هي مكافاته بالزواج من الضحية.
بدلا من ان يمسكوا الشخص المعتدي ويودعوه السجن، وبدلا من ان يشكلوا منطقة حماية للمرأة والفتاة المغتصبة تنص وتفرض على منع الرجل من الوصول الى منطقة الفتاة المغتصبة بمسافة ومحيط لا يقل قطره عن 10 كيلومتر عن منطقة عيش وعمل المرأة، يعطوه حق القيام باغتصاب الضحية متى ماشاء. هكذا، يقدمون عقوباتهم (الزواج من المغتصبة) وكأنها "فضل او منة" على الضحية.
وفق هذه "العقوبة" تتعرض الفتاة الى جريمتين: الاولى الاغتصاب، والثانية تكرار عملية الاغتصاب عبر العيش مع مجرم مغتصب وفق القانون!
اما المجرم، فان القانون لا يعاقبه بل يكافئه على جريمته!! انه قانون لا يحمي الضحية، بل يوغل في تعذيبها! هذا هو منطق الجريمة والعقاب وفق منظور هذه البرلمانات التي يسيطر عليها اعضاء احزاب الاسلام السياسي.
ان لم يكن هنالك تمييزا، وبشكل سياسي، بين "عقوبة" الشخص المغتصب، وعقوبة الشخص الذي يستخدم العنف بضرب الاخرين، لماذا لا يعتبر احداث الالم في الاغتصاب جريمة بينما ضرب اشخاص وتسبيب الاذى له جريمة؟.
لكن كما هو واضح، من تشريع هكذا قانون في دولة علمانية مثل تركيا محكومة بالاسلام السياسي، هو ان اعتبار امر ما "جريمة" هو ليس مسألة قانونية مجردة من النظام والعقيدة السياسية وايديولوجية الطبقة الحاكمة. ان اعتبار امر ضرب انسان في الشارع جريمة ويعاقب عليها القانون، واعتبار الاذى الجسدي لشخص اعتدى على امرأة، امر غير اجرامي، يوضح كنه ومحتوى السياسة والايديولوجية والعقيدة السياسية للنظام الحاكم، الذي يمكن وصفة بأنه تمييزي ومعادي لنصف المجتمع: النساء!
ان دعم نواب حزب الحرية والعدالة الحاكم، الاسلامي السياسي لهكذا قانون، هو ليست مسألة قانونية، بل مسالة سياسية من الطراز الاول. ان تشريع قوانين كهذه، يدلل على مدى مأسسة دونية المرأة نسبة للرجل، على اللامساواة، لا مساواة المرأة في الرجل، معطية اولوية ودرجة متفوقة على المرأة لصالح الرجل. ان النضال ضد هكذا قوانين، هو نضال من اجل احلال المساواة بين المرأة والرجل. ان النضال ضد هكذا قوانين سيقود بالضرورة الى النضال ضد الاسلام السياسي واحزابه وبرلماناته وقوانينه وحكوماته، ليس في تركيا فحسب، بل كل البلدان المحكومة بقوانين هذا التيار.
الاغتصاب والانتهاك والتحرش والاذى الجنسي للنساء، جرائم، ويجب ان يعاقب عليها القانون الشخص المعتدي، ويجب ان تقدم الحماية للنساء، يجب ان يعالجن من الاثار الجسدية والنفسية، ودعمهن، بل وتقوية النساء والفتيات للتقدم بالشكوى في حالة تعرضها لهكذا اعتداء. ولكن من سيدافع عن النساء؟ انها مهمة الحركات النسوية والتحررية والعلمانية والمتمدنة الداعية الى معاملة الجنس البشري او الجندر على اساس المساواة، وعقوبة الجريمة، هي عقوبة، اي كان جنس المجرم، واي كان جنس الضحية. بتشريع هكذا قانون، تدخل تركيا نفسها مرة اخرى، معسكر الدول الاسلامية الرجعية المناهضة لحقوق ومساواة المرأة. انهاء هذه القوانين وهكذا تشريعات وهكذا برلمانات وهكذا حكومات، هي مهمة جبهتنا التحررية والاشتراكية والمساواتية ضد بربرية الاسلام السياسي.