لعنةُ الأنوثة؟ أم لعنةُ الرّجولة؟



عايدة الجوهري
2016 / 12 / 6

لعنةُ الأنوثة؟ أم لعنةُ الرّجولة؟

درج التقليد التنظيري والنضالي النسويّ على الإلحاح في مطالبة الذكر بإعادة النظر في الأدوار التي تجعله على تضاد وخصومة مع المرأة، لا على تلك التي تجعله في بعض أطوارها ومتغيّراتها على تضاد وخصومة مع سائر الذكور والإناث، وأحيانًا مع سائر الكائنات والموجودات (تخريب البيئة)، والتي تترادف مع مفهوم خاص لكينونة الرجل وسيرورته، وتُسمّى في شرقنا «الرجولة».
والرّجولة هي ذلك الكيان من العلامات والأدوار والواجبات والخصال والطموحات والسلوكات، المنوطة تاريخيًّا بالرجل، من حيث هُويته البيولوجية، والتي يكتسب بفضلها هويته الثانية ومكانته الاجتماعية.
أن نجرؤ على مقاربة مفاهيم «الرجولة» ومقولاتها وارتداداتها وتجسيداتها في مجتمعنا العربي واللبناني، يعني الجرأة في اقتحام إحدى «التابوهات».
إنّ لفظة «رجولة» هي من ذاك النوع من المصطلحات المركزية الصاخبة، التي ترنّ برهبة وجلل في آذان وجوارح وخيالات البشر، وتترسّخ سنّةً بديهيّةً، غيرَ قابلةٍ للتفكيك، أي الفهم والتدقيق، وتؤول إلى التربّع على عرش البديهيات والمسلمات، التي اصطنعها الإنسان، وبادر إلى تطويبها حقيقةً نهائيةً، فتجاوزته.
وللرجولة، كسائر المفاهيم المركزية المتغيّرة، دلالات خاصّة بكلّ بيئة، وأحيانًا كلّ حقبة تاريخية، تؤجّج مثلاً سماتها العدوانية في حالة الحروب والصراعات، وتهدأ نسبيًّا بعدها، فهي كالجسد العاري يلبسه الفهم الاجتماعي اللبوس الذي يريد، عاكسًا قيمه ومثله، الثابتة والمتحوّلة، فضلاً عن تمثّلاته لأدوار الجنسين.
وفي الغرب، انحسر المصطلح في الوقت الراهن إلى الحدود الدّنيا، فيما كان استعماله رائجًا، في فرنسا على سبيل المثال، حتّى القرن الثامن عشر، كما تقول القواميس. ونحن نفسّر انحساره بنموّ الحسّ الديمقراطي والقانوني والقضائي، إذ لم يعد الرجال يلجؤون إلى قوّتهم الذاتية، النفسية والعضلية، لحلّ نزاعاتهم، كما لم يعد همّهم الأوحد التّمايز عن النساء، ولم يعد النموذج الأنثوي موضعَ نبذ وتطيُّر، وإن كنّا نلمس بقوّة ديمومة روح التّنافس على السلطة والنفوذ والمال، يُعزّزها النظام الرأسمالي المستعر، وعدم الشّفاء من تمثّلات وتخطيطات ذهنية عميقة وأفعال شرطية راسخة.
ولأميركا حكاية أخرى، حيث النموذج الرجولي التقليدي لازال سائدًا، وحيث نموذجا «رامبو» و «رعاة البقر الأشداء»، متناغمان مع طروحات دولة متغطرسة، متحكّمة، مكتسحة، توسّعية شوفينية. وتصحّ هذه الملاحظة في دول عظمى أخرى توسّعية تسلطية ولكنّ الثقافة الأميركية أكثر انتشارًا وجهريّة، وحضورًا بيننا.
وفي جميع الأحوال تزدهر قيم الرجولة الهوياتية في المجتمعات التي تضؤل فيها قيم المساواة والديمقراطية والقانون والمقاضاة والحقوق والواجبات، والعدالة والسلام.
هي تقوم على ثنائية المذكّر والمؤنّث، ولكنّها تنطلق منه لتنسحبَ على حقول أخرى، تتعدّى تلك الثنائية، بمَعنى أنّها ارتكزت تاريخيًّا على تقسيم العمل والأدوار بين النساء والرجال، على قاعدة مركزية الذكر قياسًا للأنثى، غير أنّها آلت إلى وضع الذكر في مواجهة مع ذاته والآخرين ذكورًا وإناثًا في آن، وغالبًا على أسس صراعية، صدامية، تراتبية، تفوق بجدّتها الصراع بين الجنسين خصومًا في حقول السياسة والحرب والاقتصاد. وإذا كانت الذكورية تجعل الرجل مركز الكون والمرأة هامشه، فإنّ الرجولة، بدلالاتها الباذخة، تجعله مركز الكون مرّتين: مرّة قياسًا للمرأة، ومرّةً أخرى قياسًا للآخرين.
والرجولة، باستعمالاتها ومرجعياتها لا تشتمل، حتمًا وجبرًا، وفي كل مرّة، على الذكورية، فالمعرفة، والعقلانية، والتبصّر، والحكمة، رتّبت على الرجل الاعتراف بالمرأة كائنًا رديفًا، ولن يتعذّر على أحد استحضار عشرات البراهين والأمثلة، على تمرّد العديد من الرجال، غربًا وشرقًا على النظام الذكوري الطارد للمرأة من دورة الحياة، دون أن تتضرّر بالضرورة هويتهم الرجولية العامّة.
وحين نستعرض لأبرز صور الرجولة في العالم العربي، وخصوصًا في لبنان سنتحقّق من أنّنا نتناول مفهومًا إشكاليًّا، بقدر ما ينطوي على خصال إيجابية صاغها العقل البشري، عبر تاريخه الطويل، حفاظًا على توازنه، وتلبيةً لاحتياجاته المشروعة، وأخرى نقيضة تهدّد هذا التوازن وتبعثره وتُخلّ به.
 صور الرجولة:
سنعرض لأبرز سمات الرجولة المتداولة التي لا تجتمع بالضرورة في مفهوم الفرد الواحد لأوجه الرجولة، بل هي تتوزّع على الأفراد طبقًا لمخزونهم الفكري والنفسي والاختباري. وباختلاف تمثّلات الرجولة تختلف سلوكات الرجال أنفسهم بين بيئة وأخرى، رغم إمكانية التحام وانصهار بعض أبعادها، في بيئة معيّنة، في لحظة تاريخية، كما في وضعية الحروب حيث تلتهب مقولات الرجولة الهجومية العنيفة وتبجّل انعكاساتها، فيما لن يعرف أهل «التيبت» المسالمون لحظة مماثلة، أية كانت التحديات.
وعلى صعيد آخر، يتعذّر اجتماع خصال الرجولة الوفيرة والمتنوّعة في رجل واحد أحد، وإلاّ تحوّل إلى إنسان فوق طبيعي، خارق، أسطوري، إلى «نبي»، ولكن كلّما اقترب أحدهم من مثالاتها استحقّ هويته، ومكانته الأخلاقية والسلطوية، واقترب من صورة «الرجل الأعلى».
نحن لا نتحدّث عن قيم مجرّدة، بالية، بل عن منظومة أخلاقية نافذة، معمول بها، تُملي على الأشخاص خياراتهم وأفكارهم ومشاعرهم وقراراتهم، في تفاعل مستديم بين المرسل والمرسَل إليه، وهذه المنظومة واضحة للعيان، وللسماع، وتتردّد أصداؤها بقوّة في اللغة المحكيّة التي تعكس تعقيدات الواقع وحيويّته أكثر من الفصحى المكتوبة المشذّبة والمتأنّقة.
لا يكاد يمضي يوم، لا نسمع فيه، في الأحاديث الشفهية اليومية، وفي وسائل الإعلام، توصيفًا أو حكمًا قيميًّا يتضمّن تقديرًا لمنسوب «الرجولة»، من مثل «طلع رجّال»، «رجّال غير شكل»، «يا هيك الرجال يا بلا»، أو «كون رجّال و...» و «مش رجّال... لو كان رجّال كان...» إلخ... لو أحصينا التراكيب اللغوية التي تستثمر في الرجولة، لوقعنا على عشرات التركيبات لا بل أكثر، التي يتكيّف فيها المتكلّم مع الوضعيات، وقد يستبدلها، للعلم، بـ «قبضاي»، أو «زلمي»، أو «بطل». وتفاجئنا اللغة باستعمالات غير مرصودة في الاستعمالات الشائعة والمتوافق عليها أكاديميًّا، وهي تنمّ عن تناقض وتنوّع في تمثُّل مفهوم الرجولة. وقد انتقلت هذه الاستعمالات، بتلقائيّتها، إلى عالم التواصل الاجتماعي الرّقمي، مجدِّدةً حضورها ورسوخها في الأذهان.
غير أنّنا اخترنا لضيق المجال رصد الخصال الأكثر شيوعًا، والتي تحضر تمثُّلاتها بانتظام في الوعي العربي عمومًا واللبناني خصوصًا، وما يعنينا هو ارتدادات هذه «الرجولات» على سيران الحياة اليومية والخاصّة، بالركون إلى إملاءات الضمير الإنساني العالمي، والمنطق السويّ، والجدوى العملانيّة.
1- الرجولة النفسية والأخلاقية:
كي يستحقّ الذكر صفة الرجولة الحقّة، عليه أن يتحلّى بهذه الصّفات أو أكثرها: أن يكون رابط الجأش، متماسكًا، صلبًا، قويَّ الإرادة، شجاعًا، جسورًا، مقدامًا، مبادرًا، عارفًا، حكيمًا، حصيفًا، نافذَ البصيرة، متفهِّمًا، عاقلاً، رصينًا، واثقًا، ثابتًا، وفيًّا، ملتزمًا، شهمًا، نزيهًا، أبيًّا، مسؤولاً، صادقًا، عادلاً، صبورًا، متريّثًا، طموحًا، سخيًّا، فصيحًا، مستقلاًّ، ناجحًا مهنيًّا، مستعدًّا للمساعدة والنّجدة والتعاطف...
هي كلّ الصفات الحسنى المتوقّعة من الإنسان – الأمثل، وهي خصال إيجابية ضرورية لحسن سير الحياة، ولكّنها لم تعد، بعد التطوّر الذي لحق بأدوار النساء وأسس تأهيلهنّ، مقصورةً على الذكور، فالعديد من النساء يتمتّعنَ بقدر كبير من هذه الخصال، غير أنّ اللغة لم تلحق الواقع، وعلّ هذا الأمر يعود إلى تأخّر البنى الثقافية والتخطيطات الذهنية عن اللحاق بالحراك الواقعي، ويستدرك البعض الفراغ اللغوي الذهني الحاصل بنعت المرأة القادرة بـ «أخت الرجال»، وفي هذا التعبير، الذي يبدو إيجابيًّا، روح ذكورية مبطّنة، باعتبار الرجل هو المركز، وباعتبار المرأة غير قادرة، جوهريًّا، على ابتداع خصالها، بصفتها كائنًا إنسانًا، سوى بالمحاكاة والتقليد. ولا يفوتنا أنّ بعض خصال الرجولة الإيجابية، كالجسارة والصلابة والطموح، يُمكن أن تتورّم وتتعملق وتفسد، فتتحوّل «الجسارة» إلى تهوّر و«الصلابة» إلى عناد وتعنّت و«الطموح» إلى تسلُّط وجشع وساديّة وأنانيّة، و«التماسك» إلى تمرينٍ قاسٍ على كبت المشاعر والأحاسيس الإنسانية المشروعة، كالحزن والأسى والرأفة والتعاطف.
2- الرجولة التسلُّطيّة العدوانيّة:
في المقابل، وفي مجتمعات القوّة والمغالبة والغلبة، واللامساواة والاستئثار، والصراعات المستفحلة، والمتفلّتة من القوانين والروادع الأخلاقية، على الذكر أن يكون مؤهّلاً للمواجهة والمجابهة والاقتحام والتصدّي، والعراك العلائقي والجسدي، من أجل انتزاع مكانة وسلطة ونفوذ وسطوة، ولو استعمل في معركته الآخرين وسخّرهم لمراميه.
وباسم الرجولة و«كرامتها» و«عنفوانها» و«شرفها»، قد يُدفَع الذّكور إلى القتال والاستبسال، والمغامرة بحياتهم وحياة الآخرين، دون مهابة الموت والخسارة، واستفظاع الدمار والخراب، وتحت عناوين مضلّلة، واستصغارًا للحلول السلمية والتسووية.
وكذا في مجتمعات التراتب والتفاوت الطبقيّين، تقترن الرجولة باستطاعة الأفراد انتزاع مكانة لهم وسط التزاحم والتنافس والفوضى القانونية والأخلاقية، ويحوز المنتصر فيها، بحيله وخدعه، الإعجاب والاحترام، ويُمسي «رجلاً ولا كلّ الرجال»، «بطلاً» و «زلمي عنجد» أو «قبضاي».
لذا ينهمك الرجل في هذه المجتمعات بالسيطرة على الآخرين والتحكُّم بهم واستغلالهم، وكلّما اتّسعت رقعة سلطانه، واشتدّ نفوذه، وتعزّزت ثروته، ازداد سطوةً وتبجيلاً. فـ «الرجل – الأعلى» في هذه المجتمعات يُمثّل القوّة والسيطرة والسلطة والمال والموارد.
ولمّا كانت «القوّة» هي الناظم لهذه المجتمعات، تغيب عن النافذين فيها روح التسوية والاستعداد للحوار، والتراجع.
ونحن نختار، هنا والآن، الإطلالة على دور شبكة مفاهيم الرجولة ومقولاتها في الأداء السياسي في بلد يجيش بالفوضى القانونية والقضائية والمعيارية وبالصراع من أجل مزيد من النفوذ.
3- الرجولة السياسية:
السياسة هي مسرح الرجولة الأمثل، فهي عالم يحتدم فيه الصراع على النفوذ والموارد والغنائم، ويشتدّ فيه التزاحم والتنافس والمغالبة والغلبة، وتفيض فيه مشاعر الانتصار أو الهزيمة. هو عالم تتبدّى فيه، خصوصًا في البلاد غير المتحضّرة سياسيًّا، الرجولة الهمجيّة، الماثلة في أداء الحكّام والمحكومين، على حدٍّ سواء، في علاقة جدليّة، تجعل المحكومين، وبصورة مفارقة، مبهورين برجولة حكّامهم.
وإذا تأمّلنا سلوك السياسيين في أي بلد عربي استبدادي أو مدّعٍ للديمقراطية (لبنان)، نجد أنّ النزاع على السلطة وعلى الموارد، هو المبتغى وبيت القصيد، وأنّ التصلّب والعناد والتحدّي والقسر، ورفض التسوية والحوار والمصالحة، خواص ثابتة، ولو كلّف الأمر تداعي الدولة ومؤسساتها وانهيار اقتصادها، وتعطيل مرافق الحياة العامّة فيها.
لا ينظر الذكرُ المحقونُ بقيم الرجولة السلبية إلى الأمور بعقل حياديّ، وعلمي، وأخلاقي، حتّى لو بلغت الأمور مبلغ الانغلاق والعنف الضّاري، فالتسوية غريبة على منطق الرجولة التسلّطية، وتُعاش كتنازل واستسلام وانكسار وهزيمة، والتي لا تعدو أن تكون «هزيمة الرّجولة المدوّية» واهتزاز «الأنا» المتورّمة تحت تأثير أمصال القوّة، وينعكس هذا المُناخ النفسي الأخلاقي على تشكّل صورة الزعيم الأسطورة.
الزعيم:
يتضاعف في مجتمع القوّة والغلبة الإعجاب بالزعيم العدواني، الهجومي، الفتّاك، أو على الأفلّ المتأهّب لردع الخصوم والأعداء، والتصدّي لخياراتهم وتأديبهم.
ففي قامة الزعيم صورة الرجل الأوحد، الغالب، المتفوّق، الحامي، ووجه الرجولة المثلى المكتملة، المظّفرة، الرجولة البطلة التي توزّع أوهام القوّة والغلبة ومشاعر التحدّي. في خضمّ هذا، كُتب ذات يوم على الفايسبوك عن أحد الزعماء اللبنانيين: «هو الزلمي الوحيد في هذه الأمّة»، «يا هيك الرجال يا بلا». كما أنّ مداخل القرى والشوارع العريضة لا تخلو من يافطات تقول: «رجل ولا كل الرجال» و «رجل الكلمة والفعل»، أي حريّ في أقواله وأفعاله.
وذات لقاء جماهيري قريب وعد وزير لبناني أنصاره بالذود عن حقوقهم قائلاً: «ما بْكون رجّال، إذا ما دافعت عن حقوقكم».
واللبنانيون والعرب عمومًا مبهورون بالزعماء الأشدّاء، المغامرين، المتهوّرين، البطّاشين، ويستصغرون في المقابل الشخصيات المتّزنة، المتروّية، الحكيمة، ويصمونها بالتراخي والجبن، ما لم يصمونها بالتأنّث، وخصّصوا لهم عبارة أشباه الرجال.
أمام هوس الرجال بالسلطة والتسلّط، والثروة كرديف لها، وكدليل على تحقّقها، تندثر شروط الرجولة الإيجابية الأخلاقية، التي أحصينا، وتحلّ محلّها السّمات السلبية، عاكسةً بأمان سلّم القيم السائدة، ومنظومة المجتمع الأخلاقية.


 خاتمة:
استعرضنا لأبرز سمات الرجولة المتعارَف عليها، دون أن يغرب عن بالنا أنّ ثمّة رجولات أخرى، فيزيقية، ترتبط بهيئة الرجل الخارجية، بتكوينه الفيزيولوجي، طول قامته، اتّساع منكبيه، كثافة شاربيه ولحيته، خشونة صوته، وأخرى جنسية تُقاس بفحولته وقدرته الجنسية الفائقة والمتفوّقة، وثالثة ذكورية، تعتمد على درجة تحكُّمه بالنساء، واحتقارهنَّ، والحيلولة دون تسرّبهنَّ من الضوابط والأوامر والإكراهات، ورابعة مهنية اقتصادية بحت، تستند إلى النجاحات التي يحقّقها في هذين الحقلين، غير أنّنا اخترنا التركيز على وجوهها الأشدّ تأثيرًا عمومًا.
وأخيرًا، هي لعنة «الرجولة»، حين يقتضي انتظامها في بيئة تؤمن بالقوّة والغلبة والتراتب والعنف ومراكمة الثروات والمغانم، أن يتخطّى بعض الذكور شروط التوازن والتبادل بين البشر، مستثمرين، في نوازع سلبية مكتسبة، العنف بصوره الضارية والماحقة، هو على سبيل المثال مكتسب، والنّهم في سبيل التملّك هو الآخر مكتسب، وذلك في علاقة جدليّة مع تمثّلات المجتمع للرجولة الحقّة، وإلاّ اتُّهموا بالنقصان والتأنُّث، أي بالاقتراب من النموذج الأنثوي، التسووي، التعاطفي، التواصلي.
ربّما استوجب هذا الواقع ثورةً رجاليّةً على الأدوار المرسومة للرجل تلك التي تؤذي المجتمع وتؤذيه هو ذاته في آن، تمامًا كما بدّلت النساء أدوارهنَّ ولم يعدنَ ما كنَّ عليه من عقودٍ قليلة، متخلّصات من لعنة الأنوثة الاجتماعية، لا البديهية، وكما بدّل العديد من الرجال في العالم صور الرجولة السلبية بمشيئتهم وإرادتهم، من أجل أخرى عابرة للبشر، وإيجابية.