جرائم ترتكب بالخفية بحق الغالبية وأخص منهم النساء



فؤاده العراقيه
2016 / 12 / 6

تقضي اغلب النساء حياتهنّ في ظل مجتمع ساهم على اضمحلال العقل لديهنّ ومن ثم قتل الجزء الاكبر منه , فبات العقل عاجزا عن التفكير والدهشة إزاء الكثير من الممارسات المهينة لإنسانيتهنّ والتي تحدث بشكل يومي دون القدرة على ان يشعرنّ بالمهانة منها , قتل العقل لهوَ اكبر جريمة تُرتكب بحق الإنسان لكون القتل يحدث لذات الإنسان نفسه وبصورة غير مباشرة او ربما غير مرئية لكن النتائج ستكون وخيمة على المدى البعيد.
يُقتل العقل بالتلقين ومن ثم منع السؤال والشك في مدى صحة تلك الثوابت التي يُبرمج عليها منذ الطفولة ,بل وتجريم السؤال ومن ثم تحريم للتفكير ليكون الأنموذج المثالي هو كل من يتلقى التعاليم الجاهزة ويرضخ لها بعد أن يتوهم بأن اعتناقه لها كانت عن قناعة منه ليتشكل إنسان داخله عبدا لا يعرف حرية الاختيار وأن صادف أن يختار يعجز عنه لانعدام البديل أو لضعف الإدراك لديه سوى من شعوره براحة السكون والركود وابتهاجه بكونه من ضمن الطبيعي حيث الانضمام للقطيع هو السائد في مجتمعنا ولا بدائل للعبد سوى هذا الطريق ،أما من يتمرد على هذه الثوابت فسيكون مصيره العداء وربما الفناء .

رضخت المرأة لهذه القوى بعد ان نال عقلها من التشويه الشيء الكثير, وفقدت قدرتها على التأمل والدهشة من افعال كثيرة تمس انسانيتها وكرامتها وشيئا فشيئا فقدت قدرتها على الإبداع وتطوير ذاتها وخلق الجديد ,وكذلك هو حال ألرجل , لكن الفارق بينهما هو ان القوانين التعسفية وضعت من قبل السلطات المتعاقبة ,قد اعطت للرجل السلطة المطلقة على المرأة ليشعر بتوازنه النفسي وليُنفّس عن ضغوطات كثيرة وقعت عليه بفعل تلك السلطات , فشجعت هيمنته على المرأة ليتوهم هو بالسلطة وليسد نقصه وينتفخ غرورا زائفا بعد ان سُلب الكثير من الحقوق وبالتالي وقع هذا السلب على المرأة مضاعف فهي مضطهدة من قبل السلطة والمجتمع ومضطهدة من قبل الرجل المضطهد .
هكذا استمرت عبودية الغالبية لمصلحة فئة قليلة من البشر, واستمرت الشعوب تعيش في ظل عالم يستغل القوي به الضعيف ,وطغت هيمنة القوي واستغلاله في كل مرافئ حياتنا وصار العالم ينظر لنا على اننا شعوب لا تزال تعيش في العصور المظلمة .
الغريب أن تأتي هذه الأفعال والممارسات من نفس العقل الذي آمن بالمفاهيم الجميلة كالصدق والعدل والمساواة لكون صاحب الايمان هذا قد تعلّم مسبقا فن الكذب وتزييف الحقائق إلى ان وصل لحال صار به يكذب ويُصدّق كذبه ,هؤلاء هم انفسهم الذين آمنوا بالصدق وبالعدالة الاجتماعية مارسوا الكذب والظلم لكونهم آمنوا بمفردات أو مبادئ يجب عليهم ان يتحلوا بها فقط ولكن تلك المبادئ قد نالها التشويه على مدار القرون ليصل الحال الى انقلاب في المقاييس لتصوّر لهؤلاء الكذب صدقا والظلم عدلا والتفرقة مساواة وبتبريرات واهية ربطوها بالمقدس وبالمشرع الإلهي, منها الفارق الجنسي الطبيعي واختلاف المذهب .......الخ ولا يحق لأي كان في ان يتطرق الشك الى عقله ويطعن بصحة هذا النهج وبصدقه لكونه مقدّس لغاية ما اصبح نهج حياتي طبيعي .

في الوقت ذاته تعترف هذه الغالبية بأننا شعوب متأخرة ومتخلفة لكنها لا تدري شيء عن اسباب تخلفها وأن درت فهي عاجزة عن الحلول حيث توقف العقل عن تأمل الأسباب في الكثير من الأحداث التي تُعتبر غريبة عن العقل الحر الذي تعوّد التفكير والبحث عن الحقائق .

جزء من غرابة عالمنا يكمن في انعدام قدرة الغالبية على رؤية تلك التناقضات والشعور بها وهذا الانعدام يتكوّن تدريجيا دون ان يشعر به صاحبه, لكونه يحدث بشكل روتيني ومتكررا كل يوم بل وفي كل لحظة.
انعدام الشعور بالظلم الواقع على الإنسان وضع غريب لكون الإنسان الطبيعي لا يرضى بالظلم وينتفض على كل من يحاول استعباده , ولكن مجتمعاتنا شوهت تلك الطبيعة وصار الإنسان الطبيعي اليوم بنظرهم هو ذلك الذي يرضخ لواقعه ويداري خبزته,عليه أن يسير باتجاه التيار دوما لا عكسه ليتجنب المشاكل ,يسير وشعاره القناعة كنزٌ لا يفنى ,لا يعرف التمرد على كل ما هو مألوف
مع القطيع هو يسير ,منقاداً ومستسلماً ,راضياً ومستكين لا شغل له ولا شاغل سوى غرائزه وشعاره( ألله كريم )يسير وأنفاسه تعلو وتهبط خالية من الحياة , هكذا صارت أغلب شعوبنا وأصبح من الطبيعي لديها بأنها تعبر كل انواع الظلم الواقع عليها ,سوى من عدد قليل هو من يقف ويتأمل في الأسباب التي ساهمت في تردي اوضاع مجتمعه .
بعض من هذه الامور الغريبة والتي يتصور الغالبية بأنها تجري وفق الطبيعة هو التمييز بين الناس على اساس المذهب والعرق والقومية ومن ثم توسع هذا التقسيم ليشمل الطائفة التي صارت حديث الساعة وشملت اضرارها الجميع دون أي استثناء.

غريبة ان تُقسّم الحقوق والواجبات والأدوار على اساس الجنس وغيرها من الفروق الشكلية دون أي اعتبار للعقل, اغلب افكارنا والمعتقدات التي نشأنا عليها هي خاطئة لتكون النتيجة هي انقلاب في مقاييسنا فتكون للقوة الجسدية حقوق لا يحظى بها الضعيف , انعكست المفاهيم مع هيمنة الجهل وأصحاب المصالح ليُفسر الظلم شيئا فشيئا على انه حدث طبيعي علينا ان نتعايش معه ونرضخ لقدرنا والمكتوب علينا , تعايشنا مع القهر والظلم وتعوّدنا على نهج هو بالحقيقة غريب لكننا توهمنا بأنه طبيعي بعد ان تم تشويه الطبيعة لدينا.
هناك فئة كبيرة من النساء المسلوبة حقوقهنّ والمستعبدات لا يشعرنّ بهذا الظلم بل يتصورنه شيء طبيعي وتشريع الهي أو هكذا خلقهن الله وينبغي عليهنّ قبول هذا الواقع رغم ازدرائه بعقلهنّ اللاواعي الذي بدأ بتصديق الواقع شيئا فشيء , وكذلك الفقراء الذين اقتنعوا بأن فقرهم هو قدر ومكتوب على جبينهم قبل الولادة, فانعدم التفكير لديهم وفقدوا الشعور والدهشة امام المظالم التي تعرضوا لها ورضخوا للكثير من الامور الخاطئة والغير طبيعية واعتبروها من الطبيعة او من الله ,فأغمضوا عيونهم عن الظلم الواقع عليهم واقتنعوا به .

عندما تكون حياتنا عبارة عن تكرار لعادات الفتها أجسادنا وعقولنا يفقد الزمن مسيرته ويتوقف عند نقطة معينة , وهي التكرار لأفعالنا , وليس فقط الأفعال بل يصل التكرار لدينا حتى لكلماتنا, فنمضي ايامنا دون جديد ولا إضافة تذكر , أي روتين يحمل من الدقة ما لا تحمله أي محاولة لنا للتنقيب والبحث عن الجديد والمفقود لدينا , حيث أن هذه العادات وهذا التكرار يجعل من حياتنا ساكنة سكون الأموات.
لا حلول لدينا سوى بالعمل على تحريك الساكن من المفاهيم النمطية وتغيير في ثقافتنا السائدة .

دمتم بوعيكم سالمين