همسة إلى فضيلة الدكتور البوطي



نضال نجار
2006 / 1 / 7

"..... من ضيَّعَ حقوقَ العباد ثم وقفَ متبتلاً خاشعاً، يمارسُ حق الله من حج وصومٍ وصلاة، فقد ناقضَ الحكمةَ التي أقامَ الله شرعته عليها وكذَّبَ على الله والناس.... ] [ ...أما حقوق الناس فتتمثل في سائر السبل والتصرفات والمنح التي من شأنها أن تكون عوناً لهم في تحقيق سعادتم الفردية والاجتماعية ضمن نسق من التعاون والتكافل والعدل....." ص ـ 28 / 29
منهج الحضارة الانسانية في القرآن ....
للدكتور البوطي...

أما بعد...
إن تبادل وجهات النظر ( التحاور وليس التحاول) يوفر قاعدةً أساسيةً لبناءِ مستقبلٍ أفضل وكذلك لالغاءِ الصراعات والنزاعات المتعلقة بالقضايا الأخلاقية والثقافية والاجتماعية والدينية وهلمجراً... والتحاور يجب أن يرتكز على مبادىء التسامح الثقافي والديني في مواجهة التعصب ونفي الآخر إذ ثمة روابط مشتركة تجمع بين الحضارات كافة لذلك يجب عدم اتهام تلك الحضارة بالسلبية وغيرها بالفاسدة والحكم بأحكام مسبقَة كما جرتِ العادة...
والقضية الجوهرية فتتعلقُ بكيفية إحداثِ تفاعلٍ حضاريٍّ ثقافيٍّ بهدف عقلنةِ الذهنية العربية الاسلامية التي برأيي عرقلتْ ومنعتْ مسيرة التقدم والتطور في كافة الميادين..
التحاور هنا لايعني تبادل المعتقدات والمفاهيم وسرد المعطيات المنسوخةِ في أصلاب أو أرحامِ الكتب ، كما لايعني إلغاءَ الآخر وتجاوزه.. وذلك لأن الاسلام لكل العصور ويحملُ قيماً من التسامح والتعايشِ قولاً وعملاً كما يؤكدُ كرامةَ الانسان.. لكني اليومَ أراهُ عاجزاً عن تحقيق ذلك خصوصاً فيما يتعلق بقضايا المرأة المسلمة..
بالطبع لا أنسبُ العجزَ إلى الاسلام بل إلى الفئة أو الطائفة الفاعلة التي تمثِّلُ الاسلامَ كونها الأكثر كفاءةً وأهليةً في تحقيقِ رسالته والعمل بالأحكام الالهية..
أين ذلك الصفاء الروحي الذي يجب أن تمتازَ به تلك الفئة؟..
وأين هي تلك النظرة الشمولية الموضوعية للواقع وقضاياه التي تراكمت بعشوائيةٍ مُفرِطة إلى أن أصبحتْ وبالاً يهدد أمنه واستقراره؟...
هل نتحدثُ عن محافظين يرفضون التجديد والتطور ويدافعون عن معتقدات الجاهلية الموروثة؟ إن كان الأمر كذلك فأعتقد أنهم فقدوا صلتهم بالعصر والحضارة بل لم تعد فتاويهم وذرائعهم قادرة على إقناعِ الأجيال الواعية المثقفة بالعودة إلى الوراء...
تقرُّ العلمانيةُ بأن العلم والعقل مفتاح التقدم والحضارة ولا أعتقدُ أن الاسلام لايقرُّ بذلك..
إذن حين نتهم فساد أو انحرافَ الفكر العلماني نكون نتهم الفكر الاسلامي أيضاً بالفسادِ والانحراف.. وهذا ردٌّ على أحد المعلِّقين على مقالة الأستاذ بسام القاضي..
أعود للقضية التي أثارها فضيلة البوطي حول نساء سوريا والحركات أو الجمعيات التي تبحث في قضايا المجتمع وخاصةً المتعلقة بالمرأة والطفل..
وأقول، إن المجتمع يعيشُ حالةً من التوتر والصراع الدائميْن ، ولم يكن هذا وليد العهد إنما يعودُ لأجيالٍ وأجيال.. هذا الواقع انعكسَ على الفئة الضعيفة أو المستَضعَفَة ( المرأة والطفل) فانحرفت الأمورعن مسارها الطبيعي وغابت مفاهيم الاسلام لتحلَّ محلها التناقضاتُ ، الفساد، العهر بأشكاله وما إلى ذلك مما يعيقُ تقدم المجتمع..
قد يظن الرجل والمقصود ( الذكر) ـ إذ ليس كل ذكر رجل ـ أن من حقه استخدام العنف في التعامل مع المرأة أو الطفل انطلاقاً من أنه ( القوَّام ) لكن ذلك لايبرر مسؤوليته وجريمته بترسيخ ظواهر الارهاب والعنف والاستبداد، وقد أثبتتْ دراسات عديدة أن الطفل الذي يتعرضُ للضرب في الصِغَر يصبحُ في المستقبل نسخةً عن والده، وأن المرأة التي تتعرضُ للضرب أو العنف والتعنيف لن تنجبَ إلاَّ جيلاً خانعاً ، متخاذلاً، جباناً، مستسلماً وخاضعاً وذليلا...
فإن نهضتْ ثمة عقولٍ منفتحة وإن هبَّتْ بضعَ ضمائرَ ماتزالُ حية لتطالبَ المجتمع ببعض الحقوق المشروعة بما يضمن التوازن والاستقرار الروحي والنفسي والفكري ، هل نتهمها بأنها تهدف إلى دمار المجتمع أو تشويه قيمه؟
ثم أين هي تلك القيم التي تتغنونَ بها؟ أين المحبة والمودة، أين التسامح والعدل، أين تعاليم الاسلام؟.. أو أنكم ترون الواقع بعيونٍ لاشرقيةٍ ولاغربية؟...
عمالة الأطفال أصبحت ظاهرة عامة ، في الشوارع يبيعون الدخان ، يمسحون زجاج السيارات، يتعاطون الشذوذ الجنسي طوعاً وكرهاً، ناهيك عن المخدرات... أتحدث عن أطفال العرب المسلمين وليس عن أطفال المريخ..
والنساء المسلمات وبسبب التربية التي بموجبها حُرِمن من العلم والعمل ( لأن ذلك بموجب المفهوم الذكوري عار) خادماتٌ ويتعرَّضنَ للاهانات والاغتصاب والضرب والتعذيب بل ويتعاطين المخدرات بأنواعها كالشذوذ الجنسي وصناعة الجنس والخلاعة والشعوذة والدجل ـ الفضائيات والكتب العربية تشهد بذلك ـ إنهن يقبلن على ذلك طوعاً أو بالاكراه لأن لاوسيلةَ للعيش سوى ذلك.. ولا أجدُ تعبيراً مختصراً يرسمُ واقع المسلمة سوى بأنها تعيشُ
( هولوكوست ذكوري)...
إن احتقارَ المرأة والنظر إليها بدونية هو احتقارٌ للرجل واستصغارٌ له لأنهما يشكلان واحداً، من خلالهما إما ينهض أو يتدهور المجتمع...
المرأةُ ليست ولن تكون ضد الرجل، لن تصادر حقوقه إنما دعوتها أن يقفَ إلى جانبها، تمدُ له يدها ليشاركها الحياة والسعادة لأن ذلك محال إلاَّ بمشاركة الطرفيْن ولن يتم ذلك إلاَّ من خلال المساواة وتكافؤ الفرص...
فأين أنتم مما ذكرتُه في مقدمة المقال وهو استشهادٌ بأفكاركم؟
وبهذه المناسبة، ثمة سؤال مايزالُ عالقاً بذهني منذ زمنٍ بعيد أتوجه به إلى فضيلتكم وإلى كل من يمثل الدين وهو؛
إنسانٌ صالحٌ وفاضلٌ لكنه ملحد، وآخر فاسدٌ وسيِّىءٌ لكنه مؤمن، مامصيرهما..
من سيذهب إلى الجنة ومن سيذهب إلى النار؟