متى ستنال المرأة العراقية حقها في المساواة؟



محيي هادي
2006 / 1 / 7

إن الكتابة عن المرأة هي ليست فقط كتابة بشكل عام و كأن المرأة بعيدة عنا، بل أنها هي الأم و الأخت و البنت، و هي الزوجة التي تشارك زوجها و تستمر معه في الحياة لسنوات طويلة، تصل إلى يوم الممات، إلا في حالات الطلاق إذ تنقطع المشاركة. و تعيش الزوجة مع زوجها مدة أكثر بكثير مما تعيشها داخل بيت أبويها.
و في مجتمعاتنا تكون الأنثى مضطهدة منذ اليوم الأول من ميلادها، و مجيئها يولد كآبة و اسودادا في وجوه العديد من الآباء، و ليس بعيدا عن مجتمعنا واقع الأنثى المر التي تفضحه بشكل صارخ الآية القرآنية: "و إذا بُشر أحدكم بالأنثى ظلّ وجهه مسودّا و هو كظيم".
و على الرغم من أن البعض يقول أن وأد البنات كان موجودا قبل استقرار الأمر للإسلام و انتهى به، إلا أن الواقع الحالي يؤكد استمراره بشكله الأول أو بشكل آخر، فالوأد أيضا هو تزويج، أو بيع، البنت و هي صغيرة لم تطمث بعد، فهكذا "ينصح" بعض رجال الدين الأباء بتزويج بناتهم قبل أن يحيضن في بيوتهم. و عند وصولهن إلى بيت الزوج لا يخرجن منه أبدا إلا في داخل تابوت يُنقل مباشرة إلى القبر، إنه الموت في الحياة.
و يستمر مجتمعنا في قتل النساء! . و يبقى مستمرا في رؤوسنا طنين الآية: "و إذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت".
في عددها الصادر يوم السبت 31/12/2005، و تحت عنوان – نساء في العراق: معركة خاسرة- نشرت صحيفة (ABC) الأسبانية تقريرا لمراسلها الخاص (Jesus Bastante )، يتحدث فيه عن الوضع الذي تعاني منه المرأة في العراق. و قد رأيت ترجمته ليطلع عليه من تهمُّه مشاعر المرأة العراقية، و ينظر أيضا إلى رأي أسباني، و إن كان غير كامل، يتحدث عن أوضاع نسائنا في وطننا. و المقال هو:
--------------------------------------------------------------
مغتصبات، مختفيات، مضطهدات و بدون حقوق. و لم يستطع لا نظام صدام و لا الإحتلال الذي جاء بعده أن يُسقطا حجاب الإذلال الذي تعاني منه النساء العراقيات.
أربيل- العراق
ترتدي كه ژال ملابس غربية و لا تلبس حجابا أو أية قطعة من ملابس أخرى لتخفي جسمها عن أنظار الآخرين، و تؤكد كه ژال في "أن الدين ليس هو في استعمال المنديل، بل هو ما موجود في القلب". و صحيح أنه لا يوجد أي قانون في العراق يجبر المرأة على ارتداء أي لباس محدد، لا في أيام صدام و لا بعده، إلا أن وضع النساء في هذه البقعة من الأرض، اليوم و مثله في الأمس أيضا، يبتعد كثيرا عن الوصول إلى أدنى حقوق المساوات و الكرامة مع الرجل.
و تحاول كه ژال أن تعلل و تبرر ما يحدث للنساء بـ"أن النساء يستطعن عمل أشياء كثيرة، إلا أن هذا لا يمكن أن يحدث بدون مساعدة الرجل".
و تدير كه ژال مركز يتيمات في أربيل عاصمة كردستان. و يمثل هذا المركز صورة صادقة للمجتمع العراقي، حيث أن الأولاد يبقون بمعزل عن البنات منذ الصغر، و يربُّون على عدم المساوات و على فكرة تفوق الرجل على المرأة. و يدعم صمت الجهات الحكومية، العميق و المطلق، فكرة التمييز هذه، على الرغم من ادعاءات هذه السلطات، و بدون خجل، بوصول الديمقراطية بعد سقوط صدام حسين. و ليس هذا فقط، بل أن المسئولين في الحكومة الكردية يُقدمون لنا، كمثل للإنفتاح، صورة أم شابة تُغطي راسها بمنديل برتقالي اللون، تبحث في الإنترنيت.
"و لكن لا يوجد أي فرق بين نظام و آخر بالنسبة للنساء، إذ أن جميعهن مدانات في العيش في ظل الرجل، هذا الرجل الذي يعتمدن عليه في كل شي في حياتهن" ، يؤكد وليد، المترجم الذي رافق (Angel Garcia ) رئيس منظمة رسل السلام، في الزيارة التي قام بها للعراق أثاء أعياد الميلاد.
ثقل الحجاب
إن التجول في شوارع أربيل، و في كل شوارع العراق، يبين لك الحالة المؤسفة لمعركة خاسرة، معركة المساوات، ففي كل زاوية تجد النساء مختفيات تحت ثقل الحجاب، مُجبرات على إفساح الطريق إلى الرجل، بدون حق لتعلم لائق و سياقة سياراتهن، أو الإقتراب إلى الساحات و الأسواق أثناء قيام الرجال بالصلاة، كما حدث في يوم الجمعة الأخير من العام (2005).
إن آثار الحرب لا تُشاهد فقط في البنايات و في نقاط السيطرة العسكرية، بل و أيضا في وجوه النساء المقهورات. و في كثير من الأحيان تتعرض النساء للإهانات منذ الطفولة، و كثير ما ترى جيران و أقارب النساء المهانات ينظرون بهدوء إلى إهانتهن و كأن شيئا لم يحصل، أو أن ما يحدث لهن هو شيء عادي و مقبول. و مثال على ذلك هو ما حصل لبنتين أدخلتا في مركز الأيتام الذي تديره كه ژال، بنتان تضيع نظراتهما الغريبة و تاريخهما الأسود خلف منديل. فبعد أن ماتت أمهما تزوج الأب بامرأة أخرى التي لم تتحمل رؤية البنتين فقررت أن ترشهما بنفط أمام أعين الأب.
و اليوم، و بعد ستة أشهر من تمكن البنتين من الهروب، لايزال جلديهما ممتلآن بالحرائق، و لا يتحملان لمس ماء التحمم. و بعد أن سمع قصة هاتين الفتاتين اللتين تسكان في مركز أيتام أربيل ، ذكر الأبAngel بأسف: "إن هناك جروحا لا يمكن أن تُشفى".
سجينات في بئر
و هناك قصة أخرى: فبعد وفاة زوجها، تزوجت الأم بأخيه، عم الصغيرات الثلاث، الذي تبناهن و اعتبرهن كما لو كن بناته. و لكن لم يطل الوقت كثيرا حتى قرر بأن الأبوة لا تعود له، فسجن الصغيرات الثلاث في بئر. و خلال ثلاث أشهر كان طعام الثلاث خبزا و شرابهن ماءا فقط، و لم تكن الصغيرات على اتصال مع الأب أو الأم. و أخيرا: تمكن بعض الأقرباء من إطلاق سراحهن و تم إيداعهن في مركز الأيتام. و اليوم تذهب الثلاث بشكل إعتيادي إلى المدرسة، إلا أنه و لحد هذا الوقت لا يتمكن من التكلم و المشي بسهولة.
"و الأسوء من هذا أن هناك حوادث أخرى تنتهي بشكل أعنف"، يقول المترجم وليد. بل و أن هناك تعذيبا أقسى من الموت.
------------------------------------------------------------
قراءة المقال الأسباني أعادت لذاكرتي الفلم التركي (يول- الطريق) حيث يعرض واقع المرأة الكردية في قرية في تركيا، و قد عرض قصة امرأة قتل زوجها بسلاح جنود أتراك. فبعد قتل الزوج جاء أخوه ليقول للأرملة: " أصبحت الآن زوجتي".
قد يكون هذا الزواج من أخ القتيل من عادات ذلك المجتمع أو عرف قديم فيه، يفسره و يبرره البعض بأنه محاولة لعدم ضياع المال و البنين في أيدي غرباء، و محافظة عليهم داخل العائلة و العشيرة، إلاّ ان هذا العرف يحدد مسبقا حياة الأرملة، بموافقتها أو بعدمه.

محيي هادي-أسبانيا
05/01/2006