ما هي أسباب كراهية العرب للمرأة؟



إقبال الغربي
2006 / 1 / 8

لا تزل المرأة في معظم البلدان العربية مواطنة من درجة ثانية: ففي الأردن تعصف جرائم "الشرف"، بتواطؤ بعض القضاة، بأرواح عشرات الفتيات المحبات للحياة. ونحن لم ننسى كيف رفض البرلمان الكويتي مشروع قانون يعطي حق الانتخاب للمرأة، رغم أن هذا المشروع لم يصدر عن جمعية نسائية متطرفة أو مهمّشة بل صدر من طرف أمير الكويت نفسه! أما في الجزائر فقد دفعت المرأة ثمن الحرب الأهلية غاليا. وشكلت الهدف الرئيسي لساديّة الجماعات الإسلامية المسلحة الباحثة عن كبش فداء بتحميله جريرة التوتّر الاجتماعي. وعندما ننظر إلى مصر – مسقط رأس الحركة النسائية العربية- نجد أن المرأة لا تزال تناضل من أجل حق الإنفصال عن زوجها، هذا الحق الّذي كانت تملكه منذ عهد الجاهلية والّذي كرسته الشريعة الإسلامية. فالمرأة المصرية لا تتحصل على الطلاق إلا إذا تنازلت عن جميع حقوقها المادية والمعنوية. ولا تزال المحاكم المصرية تعجّ بقضايا الطلاق التي تستمرّ سنوات لمجرّد رغبة الزوج في إيذاء زوجته نفسيا وعصبيا.



كما تؤكّد الحياة المُعاشة في العالم العربي بدائية العلاقات الاجتماعية على مستوى الأسرة، وهي العلاقات التي يتحدّد دور الزوجة فيها في تقديم التنازلات اليومية وفي استرضاء الرّجل بكل الوسائل وذلك خشية الانفصال في ظل مجتمعات لم تستطع حتى الآن أن تمنح المرأة حق الحياة منفردة دون زواج، أي مستقلّة عن حماية السلطة الأبوية سواء تمثّلت في أسرتها الأصلية أو في مؤسسة الزّواج. ويجسّد هدا العجز عن استيعاب المرأة ككائن راشد أزمة التداخل بين الخاص والعام في المجتمعات العربية حيث لا تزال المفاهيم التقليدية تتحكم في قطاعات هامة من المجتمع الذي يرى في النماذج "الجندرية" (= التمييز بين الجنسين) التقليدية ليس فقط عناصر ضابطة وإنما أيضا ضمانات ضرورية لأصالة هويته و صون تماسكه.



وفي هذا الإطار، من الطبيعي أن نتساءل عن سر هدا العداء للمرأة الذي أصبح ظاهرة سياسية- اجتماعية (نجد انعكاساتها في الأدب والأمثال الشعبية. فالمحور الّذي تقوم عليه ألف ليلة وليلة مثلاً هو غدر المرأة المتأصّل: "وفي شيمتها الغدر". وكذلك في خطب شيوخ الإفتاء الدين ما انفكوا ينبهوننا بان أكثر أهل النار من النساء) لا بدّ أن نستخرج منها ما تستحقّه من استنتاجات. خاصةً وأن التمسّك بالمعاصرة، وتوظيف مكتسبات الحداثة على مستوى الحياة العامة، والإصرار في نفس الوقت على التفكير والسلوك مثل الأسلاف على مستوى الحياة الأسرية، يمثّل ازدواجية تذكّرنا بحالات الفِصام المرضي. نستطيع أن نفسّر عداء المرأة بعوامل اقتصادية (انتقال البشرية من المشاعية البدائية إلى الحضارة الزراعية القائمة على الملكية الخاصّة للأرض و ضرورة امتلاك المرأة لضمانة نقاء السلالة التي سوف تتمتع بالميراث)، أو بعوامل سياسية (اعتماد الهيكلة الأبوية كنموذج للسلطة الاجتماعية ). وكذلك بعوامل نفسية – ثقافية وهي أن أعماق اللاشعور الجمعي لا تزال مسكونة بصور أو نماذج بدائية تشوّه صورة الأنثى في الثقافة العربية الإسلامية. هذه الصور البدائية هي :

-1صورة حوّاء الفاتنة

2-صورة زليخة زوجة العزيز

3-صورة هند بنت عتبة

4-صورة عائشة زوجة الرسول (ص).



وكما نعلم للأشياء نمطا آخر في الوجود غير الوجود المحسوس المادي.فالتصورات و الأفكار المسبقة تلعب دورا هاما في إدراك الواقع و التفاعل معه. فهي منظومة معرفية لفهم العالم و التحرك فيه. كما أن التصور هو أيضا نظام تفسير يحكم علاقتنا بالناس و يوجه و ينظم التصرفات و الاتصالات الاجتماعية. و بالتالي تصبح كل علاقة إنسانية علاقة مزدوجة نجد فيها بُعداً حقيقيا وماديا، وتحتوي أيضا على بعد خيالي وهوامي. لهذا السبب يمكن لهذه التصوّرات البدائية أن تشكّل عائقا أمام مجتمع ما بالنسبة للأهداف التي يرسمها له العصر أو تمليها عليه الحقبة. لأن كل فكرة خارجية، مثل الأساطير أو الأفكار المسبقة يقع استبطائها في مستوى اللاوعي على شكل إحساس فردي يلعب دور الحقيقة الداخلية، وتصبح بالتالي محدِّدة مثل الواقع الحقيقي ومؤثرة أكثر منه في بعض الأحيان. فما هو مدى فاعلية هذه الصور البدائية للأنثى في الثقافة العربية؟ و ما هي تأثيراتها على التواصل بين الجنسين أي بين الرجل و المرأة في بيئتنا العربية الإسلامية ? إذ أن كل الدراسات في مجال علم النفس الاجتماعي تؤكد أن سلوكنا إزاء الآخرين مرتبط بالتصور الذي نبنيه إزاءهم و الذي يكيف شبكة التواصل الاجتماعي .



حوّاء الفاتنة

تقول القصّة كما يوردها الإمام الطبري نقلا عن وهب بن منبّه (أحد الأحبار اليهود الّذين اعتنقوا الإسلام): لما أسكن اللّه آدم وزوجته الجنّة نهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعبة ولها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم. ولمّا أراد إبليس أن يستذلّهما دخل في جوف الحيّة إلى الجنّة فأخذ من الشجرة وأعطاها لحوّاء فأكلت منها ثم ذهبت بها على آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها وأحسن لونها فأكل منها آدم، فبدت لهما سوءاتهما....



فقال الإله:"يا حوّاء أنت التي غرّرت عبدي، فأنّك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا...".



فهذا التفسير، الّذي اعتمد على قصّة الزّلة في سفر التكوين التوراتي وتبناها جملة و تفصيلا دون استحضار أي حس نقدي، يحمّل حوّاء مسؤولية خروج البشر من الجنّة.



فحوّاء التي خلقت من أجل آدم لتؤنسه في وحدته الفردوسية أبى عليها طبعا الشرير إلا أن تغرّر به وتتسبب في طرده من الجنّة التي كان خالدا فيها! وهكذا تبقى المرأة في المخيال العربي مصدرا لكل الشرور والمصائب، مسئولة عن جرم لم ترتكبه ومطالبة بتسديد ثمن جريمتها الشنعاء.



أما التفسير الحديث الذي يعتمد على الميثولوجيا، أي تشريح الأساطير، فهو يميّز الأبعاد الرمزية للقصة، ويرى في حنين البشرية إلى الجنّة الضائعة، حنينَ الفرد إلى المرحلة الجنينية عندما كان الطفل في رحم الأم أي امتدادا بيولوجيا لجسد الأم وقطعة منها يأتيه رزقه رغدا. أما الطرد من الجنّة فهو صدمة الانفصال عن الأم المطَمئِنة والدّخول في مخاطر الاستقلال والتفرّد الّذي يعني أيضا في المقابل الارتقاء إلى دائرة الإرادة والرغبة واللّذة و المعرفة ، أي الارتقاء إلى مجال الوجود الفعلي والحرية الإنسانية.



زليخة الخائنة

تمثل قصة زليخة زوجة العزيز وزير فرعون مع النبيّ يوسف تعبيرا عميقا عن مكنون اللاشعور الجمعي للشعوب العربية.



فقد وقع إقصاء الخلفية الرمزية للقصة والوقوف عند "كيدهنّ عظيم" ليجعل اللاوعي الجمعي من الكيد صفة ملازمة للمرأة من حيث هي أنثى.



وقصة زليخة التي وقعت في حبّ يوسف المراهق الوسيم الّذي كان يعمل موظّفا في مكتب زوجها أبو طيفار، والتي نجد قصصا متماثلة معها في ملحمة جلجامش البابلية، وكذلك في أسطورة "فادر" الإغريقية التي حاولت إغراء ابن زوجها "أبوليت"، تعبّر شأنها في ذلك شأن كل أسطورة، عن الدّوافع اللامعقولة والمعادية للمجتمع لدى الفرد.



فحادثة الإغواء مثلا يمكن اعتبارها تعبيرا عن رغبة عن هوام وليست حقيقة. فهي ارتداد ونكوص إلى مراحل مبكرة للتطور الإنساني وهي كذلك تعبير عن رغبات مكبوتة لا واعية متعلقة بنكاح المحارم والفضول الجنسي والخوف من الخصاء. وقد شكل المرور من الطبيعة إلى الثقافة مرورا من مجال الغريزة إلى مجال القانون أي مجموعة المحرمات و الممنوعات. بيد أن الطبيعة الحاضرة دائما في الرغبة المحرمة اللاواعية ستطبع الثقافة السائدة وستنعكس وجوبا في إشارات اجتماعية يخضع ترميزها وفك رموزها لنفس القواعد السائدة بالنسبة لانتاجات اللاوعي.



فهذا الإغواء الّذي يتكرّر في قصص المراهقين مثلا والّذي يتّجه دائما نحو بالغٍ من الجنس الآخر، ليس سوى تعبير عن أهواء مكبوتة و تحقيق هوامي للرغبة "الأدويبية" القابعة من أعماق لا وعينا.



هند الأم الخاصية

لعبت هند بنت عتبة دورا مركزيا في هيكلة المعارضة المكّية ضدّ الرّسول (ص) وذلك للمحافظة على مصالح طبقتها.



اشتركت هند في غزوة أحد التي قامت بين قريش والمسلمين. وفي هذه الواقعة مثّل نساء قريش بقتلى المسلمين، وفاقتهنّ هند زوجة أبي سفيان، إذ أنها بقرت بطن حمزة عمّ الرّسول (ص) بعد أن قتله وحشي، وأخذت قطعة من كبده فلاكتها حتى إذا عجزت عن أكلها لفظتها على ذمة المؤرّخين!



والكبد في الميثولوجيا العربية هي رمز الحيوية والشجاعة والحب، أي رمز لغريزة الحياة. بينما شكّل سلوك هند في المخيال الجمعي صورة الأنثى كرمز لغريزة الموت وكاندفاع نحو الفناء.



وفي نفس هذا السياق ترمز هند كصورة بدائية إلى الأم السيئة. فالأم بقدر ما تشبع حاجيات طفلها تكون موضوعا حسنا أي أُمّاً طيبة.ولكن بما أن حب الطفل الطفولي يطلب الإطلاق ولا يمكن إرضاؤه تماما، فهو محكوم دائما بالخيبة وبالإحباطات مما يترك المجال واسعا للغرائز العدوانية التي تنفلت من عقالها. وفي هذه الحالة أي عندما يتعرّض الطفل للإحباط تصبح الأم موضوعا سيئا مشحونا بالعدوانية ومسئولا عن جميع المتاعب والمصائب التي تعترض حياة الفرد.



"عقدة عائشة"

تعرّف العقدة عموما على أنها جملة منظمة من التصوّرات والذكريات ذات القيمة العاطفية القويّة التي تتدخّل في هيكلة سيكولوجيا الإنسان والتي تؤثّر في الانفعالات والمواقف والسلوكيات.



و"عقدة عائشة" على حدّ تعبير المفكّر "العفيف الأخضر" هي وقع الدّور الرئيسي الّذي لعبته عائشة (رضي اللّه عنها) في الفتنة الكبرى على النفسية العربية الإسلامية. فقد تزعّمت عائشة حزب الثائرين على سلطة الخليفة الثالث عثمان تحرّض على اغتياله قائلة "اقتلوا نعثلا فقد كفر". فعلت ذلك لأنها كانت تطمح أن يتولّى أخوها محمد، أحد زعماء المعارضة، الخلافة من بعده. ولكن عندما آلت الخلافة إلى عليّ عدوّها اللّدود، لأنه أشار على زوجها بتطليقها في "حادثة الأفك"، تباكت على عثمان وتزعمت معسكر المطالبين بثأره من عليّ حتّى قيل فيها :

وأنت أمرت بقتل الإمــــــام وقلت لنا أنه قد كفــــــــــر

فهبنا أطعناك في قتلـــــــه وقاتله عندنا من أمـــــــــر

ولم يسقط السقف من فوقنا ولم تنكشف شمسنا والقمر



ثم قادت عائشة معركة الجمل التي سميت بذلك، لأنها كانت تركب جملا ومن هودجها تحرّض على قتال عليّ، وارتفع عدد القتلى خلال هذه المعركة إلى 15.000 قتيل على أقل تقدير، خمسة آلاف من أهل البصرة قتلوا في المعركة الأولى – يوم الجمل الأصغر – وعشرة آلاف في يوم الجمل، ذلك اليوم المشئوم على حدّ تعبير المؤرّخين الّذي أعملت فيه الأمة سلاحها ضدّ نفسها عوض أن توجهه إلى الآخر أي المشرك الأجنبي. وقد تركت هذه الحرب الأهلية أو "الفتنة الكبرى" في اللاوعي العربي الإسلامي ندوبا لا تنمحي لأن الصدمة كانت عنيفة ومدمّرة: الأم ضدّ الأب، أم المؤمنين و حبيبة رسول الله تحارب أمير المؤمنين أي خليفة رسول الله! هؤلاء يقولون لا إله إلا اللّه وهؤلاء يقولون: لا إله إلا اللّه؟
فمن في الجنّة ومَن في النار؟
و قد روى ابن عبد ربه أن أم أوفى العبدية دخلت على عائشة بعد واقعة الجمل فقالت لها يا أم المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت ابنا لها صغيرا ? قالت وجبت لها النار ! قالت فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا في صعيد واحد. قالت : خذوا بيد عدوة الله !!


إذن لعبت عائشة دورا أساسيا في بروز هذا الجرح النّرجسي، أي هذا الشعور المرير بالهوان وباتهام الذّات وتخريب الثقة بها، لأن هذه الأمة التي يقتل الصحابة فيها بعضهم بعضا من أجل السلطة لا يمكن أن تكون خير أمة أخرجت للناس.


وبما أن الجرح كان عميقا، حاول المخيال الجماعي تبرئة ساحة عائشة وتحميل مسؤولية الحرب الأهلي لتبطل خفي ومخيف "كما سماه الأفغاني متآمرا على الأمة / الأم الطاهرة والبريئة هو: عبد اللّه ابن سبأ يهودي من صنعاء من أمة سوداء. "

وهنا تبرز بوضوح الحيلة الدفاعية التي حاكها اللاوعي الجمعي حيث وقع تحويل المازم الذي أردنا التخلص منه إلى موضوع بديل و وقع لإسقاط ما أردنا إنكاره على مجموعات خارجية و مهمّشة أو منبوذة (اليهود والسود) وذلك لكي نتجنب الاعتراف بأخطائنا واتهام ذواتنا أو نقدها. بيد أن إلغاء الحادثة من دائرة المفكر فيه أو نسيانها لا يعني محو ما حصل. فهي راسخة في أعماق اللاشعور الجمعي كذكرى غير واعية و مقلقة توجه تصرفاتنا بطرق غير مباشرة.



إن كشف أسرار الصور البدائية والهوامات اللاواعية عند فرد ما أو مجموعة ثقافية ما، من أصعب العمليات و أكثرها مأساوية:أولا لأنه لا توجد مجموعة بدون هوامات إذ لا يمكننا طرد هوام إلا إذا عوضناه بآخر. وثانيا لأن أي مجموعة تشعر أنها مهدّدة نرجسيا عندما يخاطر أحد بإظهار نقاط ضعفها التي تفضل إخفاءها وعدم التعرّف والاعتراف بها، وعندما تشعر هده المجموعة أن صورتها المثالية التي تعمل بعناد وإصرار شديدين على الحفاظ عليها قد شوّهت، فهي تقاوم بشدة حتى وإن كانت هذه الصورة المثالية تدحضها الممارسة اليومية في كل مكان.



لهذا السبب نرى مجموعات ثقافية تريد أن تستعيد صحتها وقوّتها دون أن تدفع الثمن المضني مع كونه الوحيد الفعال وهو أن تتعرّف وتعترف بحقيقتها من خلال مثلا، كشف أساطيرها و تفكيكها و تحليل وهواماتها وصورها البدائية و تخصيبها بعلوم الحداثة و ذلك لجعلها مجرّد رموز غير مؤذية، متصالحة مع القيم العقلانية والإنسانية السائدة.