بر الوالدين



خالد شياع الرفيعي
2017 / 1 / 12

إن الإحسان إلى الوالدين من أفضل القربات إلى الله سبحانه وتعالى ، فقد أوجب ديننا الإسلامي برّ الوالدين والإحسان إليهما في حياتهما وبعد مماتهما، فالإحسان إلى الوالدين هو وصية الله سبحانه وتعالى لعباده، كما في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ) (سورة العنكبوت/ 8)، كما جعل سبحانه وتعالى الإحسان إليهما بعد الأمر بعبادته وحده لا شريك له، كما في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)(سورة الإسراء/ 23)، كما قرن سبحانه وتعالى شكر الوالدين بشكره، فقال سبحانه وتعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)(سورة لقمان/14) .
ولقد سمعت وقرأت الكثير الكثير من قصص البر بالوالدين التي تكاد أن تكون أقرب إلى المعجزات فيما تحقق منها ونتج عنها ، وكيف أن لطف الله وعنايته قد قرنت برضا الوالدين والإحسان إليهما وهنا لا يسعني إلا وان اروي لكم هذه القصة العجيبة والتي قد استوقفتني كثيرا لما سمعتها وكيف فرج الله سبحانه وتعالى لعبده البار بوالديه .
روي أن هنالك شاباً يافعاً مليئاً بالحيوية والنشاط وسيماً جسيماً وذا دينٍ وخلق وبر بوالديه. تزوج بامرأةٍ ذات خلق وسكنت معه في بيت والد، كعادة معظم البلدان العربية ولقد رأت الزوجة من بره بوالديه ما جعلها تتعجب منه وبعد عام واحد من الزواج رزقه الله بطفلة ، بعد ذلك انتقل عمله إلى منطقة بعيدة عن محل سكناه فكان يذهب لعمله أسبوعاً ويمكث عند أهله أسبوعاً ، واستمر على حاله هذه مدة ثلاث سنين وبلغت ابنته أربع سنين وفي يوم من الأيام وفي طريق العودة تعرض لحادث سير مروري وانقلبت سيارته وأدخل على إثرها المستشفى ودخل في غيبوبة أعلن بعدها الأطباء المختصون المعالجون عن حالة الوفاة دماغيا وتلف ما نسبته 95% من خلايا المخ كانت الواقعة أليمة جداً على عائلته ومحبيه وخاصة على أبويه المسنين ومما يزيد القلب حرقةً هو سؤال ابنته عنه و التي قد شغفت به شغفاً كبيراً وهو الذي وعدها بلعبة تحبها وبعد فترة خمس سنين من الحادث وهو على ما هو عليه دون تغير، أشار بعض الناس على زوجته أن تطلب الطلاق منه بواسطة القانون بحكم وفاته دماغياً وأنه ميئوس منه ، ولكنها رفضت ذلك الأمر رفضاً قاطعاً طالما أنه موجود على ظهر الأرض ، فإما أن يدفن كباقي الموتى أو أن يترك حتى يفعل الله به ما يشاء فجعلت الزوجة جل اهتمامها لابنتها الصغيرة وأدخلتها المدرسة ودأبت على رعايتها وتحفيظها القرآن حتى حفظته كاملاً وهي لا تكاد تتجاوز العاشرة من عمرها ، وقد أخبرتها فيما بعد بخبر والدها فهي لاتفتؤ تذكره ليلاً ونهاراً ، ولقد كانت الفتاة ذات دين فكانت لا تضيع صلاة وتصلي صلاة الليل ، وكانت تذهب مع أمها لرؤية والدها وتقرأ عليه القرآن بين الحين والآخر وتتصدق عنه . وفي يوم من الأيام وبعد عشر سنوات . قالت الفتاة لأمها : يا أماه اتركيني عند أبي سأنام عنده الليلة وبعد تردد وافقت . فتقول الفتاة : جلست بجانب أبي أقرأ سورة البقرة حتى ختمتها ثم غلبني النعاس فنمت ، فوجدت كأن ابتسامة علت محياي واطمئن قلبي لذلك قمت من نومتي وتوضأت وصليت ما شاء الله أن أصلي ثم غلبني النعاس مرة أخرى وأنا في مصلاي وكأن واحداً يقول لي : انهضي كيف تنامين والرحمن يقظان ؟ كيف وهذه ساعة الإجابة التي لا يرد الله عبداً فيها ؟.فنهضت كأنما تذكرت شيئا غائب عني ، فرفعت يدي ونظرت إلي أبي وعيناي تغرورقان من الدموع وقلت : يارب ياحي ياقيوم ياعظيم ياجبار ياكبير يامتعال يارحمن يارحيم هذا والدي عبد من عبادك أصابته الضراء فصبرنا وحمدناك وآمنا بما قضيته له اللهم إنه تحت مشيئتك ورحمتك اللهم يا من شفيت أيوب من بلواه وردت موسى لأمه وأنجيت يونس في بطن الحوت وجعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم إشف أبي مما حل به اللهم إنهم زعموا أنه ميئوس منه اللهم فلك القدرة والعظمة فالطف به وارفع البأس عنه ثم غلبتني عيناي ونمت قبيل الفجر فإذ بصوت خافت ينادي : من أنت وماذا تفعلين هنا ؟ فنهضت على الصوت التفت يميناً وشمالاً فلا أرى أحداً ثم كررها الثانية فإذا بصاحب الصوت أبي فما تمالكت نفسي إلا أن قمت واحتضنته فرحة مسرورة وهو يبعدني عنه مستغرباً ويقول : من انت ؟ من أنت ؟ فقلت له : أنا ابنتك يا أبي فسكت وخرجت إلى الأطباء أخبرهم فأتوا ولما رأوه تعجبوا !!! وكان من بينهم دكتور أمريكي فقال بلغةٍ عربيةٍ متكسرة : سبحان الله ، وقال آخر مصري سبحان من يحيي العظام وهي رميم ؛ وأبي لايعلم ما الخبر حتى أخبرناه بذلك فبكى وقال : فالله خيراً حافظاً وهو يتولى الصالحين والله ماأذكر إلا أنني قبيل الحادث نويت أن أتوقف للصلاة فلا أدري أصليتها أم لا ؟!! فتقول عائلته : لقد رجع إلينا كما عهدناه وقد قارب الـ46 عاماً وقد رزقه الله بولد ، فسبحان الله الذي رده لأهله بعد 10 أعوام وحفظ له ابنته ووفق زوجته للوفاء له حتى وهو مغيب عند الدنيا .. فلا تتركوا الدعاء فالدعاء يرد القضاء ومن حفظ الله حفظه الله ولاننسى البر بوالدينا ولنعلم أن الله عز وجل بيده تصريف الأمور وتقديرها وليس لأحد سواه فعل ذلك.
هذه القصة للعبرة لعل الله أن ينفع بها من ضاقت به السبل وعظمت عليه الكرب وأقفلت من دونه الأبواب وتقطعت به أسباب النجاة فاقرع باب السماء بالدعاء واستيقن بالإجابة ، فقط أرسل الدعوات وغلفها بحسن الظن به سبحانه وتيقن بقرب الفرج والإجابة ومن يجد الله فماذا يفقد ، وكما قال الشاعر :
أخلقْ بذي الصبر أنْ يحظى بحاجته ومدمنِ القرع للأبواب أنْ يلجا
وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (بروا أبائكم تبركم أبنائكم) .