-هدير مكاوي- والمستقرات الاجتماعية؟!!



علي عبدالحفيظ مرسي
2017 / 1 / 14

المستقرات الاجتماعية؟ وأسئلتي الوجوديّة والاجتماعيّة:
كنت سأبتدئ مقالي هذا بكتابة تبرير أو ربما دفاع عن تورطي في السير فيما تسير فيه الجماعات (التزيييط – الهيصة) لكنني تذكرت قول أحد أعدائي: "تاريخك أسود" وعليه فسوف أعوّل على تاريخي البحثي والأكاديمي والسياسي، يتولون مهمة الإجابة: إن كنت ممن يسيرون في الزحام أو يطرقون أبواب الزيطة أو يسعون لإرضاء أحد؟!
وعلى ذكر التاريخ البحثي والأكاديمي والسياسي معاً، فما زلت أتفكّر في نقطتي البحثية والأكاديمية والسياسية التي لازمتني طيلة عمري، والتي ما تزال تتضح وتبين فإذا بي اكتشف أنني بذلت عمري كله (ليس بالقليل ولا بالكثير فأنا تماما أتجاوز الآن مرحلة منتصف العمر الكاشفة والفاضحة) تحت عنوان واحد يمكن أن أطلق عليه اسم: "المستقرات الاجتماعية،،، ونقاشها"..
إذن عشت ويبدو أنني سأكمل سني حياتي باحثاً عن "المستقرات الاجتماعية: كيف تتكون، ومن كونها، أو بالأحرى من صاحب المصلحة في تكوينها؟ ولماذا ........الخ
اصطرعت في الإجابة على أسئلتي الاجتماعية والوجودية ومن ثم البحثية والأكاديمية جماعتين من الأيديولوجيات الكبيرة، لا يملك باحث محترم أن لا يعوّل على واحدة منهما وأن يمنحها ثقة تستحقها في الإجابة على أسئلة على هذا القدر من الأهمية والخطورة، وحيث في بعض الأحيان تقف البشريّة أمام بعض أسئلتها الوجودية والمصيرية لكي تعلن عن أنّ مثل هذا السؤال أو ذاك "لم يصبه الدور" بالتعبير التجنيدي المصري المشهور، أو بالتعبير الأكاديمي البحثي: "لم تستطع البشرية وضع إجابة واضحة له؟!"

أيديولوجيات متصارعة:
(أ‌) الإسلام: ولكي أكون منصفاً ولا أحمّل ديانة واحدة مسئولية هذه الأيديولوجية الكبيرة والمؤثرة والخطيرة والتي حملت وتحملت بتبعات تاريخية وفكريّة جد كبيرة وخطيرة ومؤثرة في التاريخ الأكثر حداثة للبشرية والممتد إلى نحو ثلاثة آلاف عام أو قد تزيد، منذ أن سقطت آخر قلاع الحضارات القديمة والمسماة دينياً بالحضارات الوثنية من قبل الأديان التوحيدية، التي سيطرت سيطرة شبه كاملة على مجريات الأمور الحضارية للكائن البشري خلال الثلاثة آلاف عام الأخيرة من العمر البشري، وهذه الأديان ولئن وجدت جميعاً في منطقة وسط العالم فإنّه لم يند عن سيطرتها وعلى الأقل منازعتها منطقة لا في شرق العالم ولا في غربة فسيطرت على مجمل العالم البشري تقريباً اللهمّ إلا النذر اليسير من مناطق العالم الأكثر بعدا هنالك في الشرق البعيد (الصين والهند) وإن كانت هذه المناطق لم تسلم تماما من تسربات خطيرة ومؤثرة من الديانات السماوية الناجحة والرابحة خلال تلك الفترة التاريخية المشار إليها... وعليه فسوف أسمّي هذه الأيديولوجية باسم عام يطال الديانات التوحيدية جميعاً، وهو اسم: الأيديولوجيا الدينية
(ب‌) الغرب الكافر/الحر:
لم تستطع أيديوبوجيا خلال سني الآدميين الأخيرة على كوكبهم الشهير أن تناقش وتصارع وتصطدم بقسوة مع الأيديولوجيّة الدينية سالفة الذكر بقدر ما اصطدمت وتصارعات وثبتت أيديولوجيا الليبرالية العقلية والمالية والسوقية بما تشتمل عليها من وجهات الخير والشر، وكأنّها، وهي تدافع عن نفسها تقول بلسان حالها: وهل لم تقدم الأديان شرّاً؟
دون أن ألج إلى خبايا وتفاصيل الأيديولوجيات المتصارعة والتي تعبر عن نفسها في اصطراع حقيقي بين جماعات بشريّة لا يشاح عنها النظر ولا يستطيع عاقل على أن يقدم على خطوة التقليل من أهميتها تقف أيديولوجيا الحرية البدائية المنطلقة من كل قيد وكأنّها الهو الفرويدي تصارع (العقل) والأنا العليا (المبادئ الاجتماعية) من أجل أن تنطلق في فراغ الحياة والمتعة برغبات الحياة ومفاتنها لا يعنيها كثيراً ما وراء الحياة ولا ما قال الإله أو توعد به المخالفين في الدنيا مما هو شعار أهل الأديان التوحيدية جميعاً.. فكأنّ الليبرالية تقف وجهاً سافراً أمام الأديان التوحيدية..

والليبراليّة الغربية تستعين في هذا الوقوف الصعب والخطير أمام حضارة الأديان التوحيدية بتلك الأصول الحضاريّة للحضارات القديمة مستدعية صراعاً قديماً لا يمكن إغفال إشاراته ودلالاته ما بين الحضارات الوثنية القديمة التي حمل اليونانيون آخر مشاعلها وما بين الديانات التوحيدية التي حمل الإسلام آخر مشاعلها، وعليه فقد أخذ الصراع أبعاداً اجتماعية وتاريخية وعقلية جد مأزومة؛ إذ الغرب الذي يرفع شعار الليبرالية والرأسمالية والحرية البدائية هو في صورته الخارجيّة مسيحي مرتد لعباءة الصليب والمسيح التوحيدي؟! بينما الشرق الذي يحمل آخر مشاعل الديانات التوحيدية جزء كبير منه ما يزال يحمل بين جوانحه وفي مخيلاته الأساسية آثار أعرق الحضارات الوثنية؟! وهو ما لم تستطع أن تتخلص من آثاره أهم المناطق التي انتصرت فيها الديانات التوحيدية، وهي مناطق الشرق الأوسط: فمن الهند إلى تركيا وإيران والعراق إلى الشام واليمن وعمان إلى مصر وهي مناطق النفوذ التقليدي للديانات التوحيدية أنت أمام أصول الحضارات القديمة التي هي أصول اليونانية القديمة ومن ثمّ أصول الرأسمالية والليبرالية الحديثة؟ فإذا أضفت إلى مكتبتك أو إلى حساباتك العقلية المأزومة جدا أنّ الماركسية أو الشيوعية ما هي إلا صورة واضحة من صور النقاش الرأسمالي والليبرالي الداخلية فقد وقعت أمام ناظريك الواقعة :
"الدين إذن في مواجهة الليبرالية الغربية........" هذه هي المعادلة التي أنفقت في محاولة بنائها وفهمها مجمل عمري الماضي ... فما بال الست "هدير" ؟!!
ليس من اليسير عليّ اليوم وبعد تجربة طويلة أن أنزلق للقول الساذج بأنّ أيّاً من الأيديولوجيتين لم تستطع أن تقدم إجابة جدّ معقولة لتلك الأسئلة القاسية ... إذ إنّ كلتاهما قد قدمتا أجوبة جدّ مقنعة ونافعة وإلا لما كتب لهما هذا القدر من النجاح والانتشار والسيطرة الحضارية والفكرية على عقول ومصالح جماعات هائلة من البشر؟! وأقول مصالح؛ لأنّ الحضارة أساساً وأولا هي تحقيق مصلحة فإذا لم تتحقق المصلحة للجماعات البشريّة في توفير الاحتياجات الأولية لها من طعام وأمن ومن ثمّ نظام يأتي ترتيب الملكية الخاصّة وترتيب الجنس في صدارة مهماته، فإنّ هذه الجماعات أثبتت أنه لا حبيب ولا حليف لها من أيديولوجيا أو خلافه،، طعامي وأمني والنظام أو لا حبيب ولا أيديولوجيا؟! وقد أغناني التاريخ عن ضرب الأمثلة لمن يريد أن يعيش تجربة البحث التاريخي وأن يتكرم عليّ ببيان في هذا الشأن..
هدير وإخوان هدير: المصالح الحضاريّة تتحدّى الأيديولوجيا:
في نقاشي للفيلم الهوليودي الصادم (5-7) ومن ثمّ لقصة نجيب محفوظ الأكثر صادميّة لخروجها من منطقة الإسلام/المسيحية التقليدية: "ثمن السعادة" -وهو ما شمله عدد من مقالاتي السابقة هنا على صفحات الحوار المتمدن- وفي التفاصيل الكثيرة التي أدرجتها، كان في صدارة هذه التفاصيل أنّ نقاش المسلمات الاجتماعية بات رأس الحربة فيه، ذلك التصادم الواقعي بين حسابات العصر الحديث الذي سيطرت عليه وبشكل عولمي قوى الرأسمالية والحريات الفرديّة الغربية، ومن ثمّ فكرة "اللي معاه جنيه يساوي جنيه" واللي ما معاهوش ما يلزموش" أي: البراجماتية والمصلحة قبل كل شيء.. ولم ولن أنسى تلك الصورة التي وجدتها يوما على الفيسبوك لصديقي الأستاذ بالجامعة الأوربية في بودابست ويظهر فيها مسئولون عرب وأمريكان وغيرهم وقد كتب تحتها ما معناه بالعربية: "إذا وجد الدولار فلا مكان للاختلافات العقائدية"؟! إذن الموضوع اليوم هو صراع محتدم ما بين براجماتية مسيطرة يدافع البشر من خلالها عن مصالحهم الذاتية في الحياة وبين مستقرات اجتماعيّة يبدو أنّها فقدت إقناعها أمام قوى السوق أخلاقياً وماديّاً..
ما أريد قوله هو أنّ الموضوع حديثاً ليس صراع مبادئ وقناعات بقدر ما هو نزاع مصلحي تحكمه آليات السوق المكتسحة لكل قيم العصر.. وقد نجحت حتى اليوم في إثبات وتعلية صوتها وإسماعه للجميع: لو لم تكن "هدير" قادرة على الإنفاق على نفسها وولدها، وعلى المحامي، فإنّ كثيرات من إخوات وإخوان "هدير" كن سيسلمن بانتصار قوى السوق، وكنّ سيقتلن أولادهنّ التزاما بقواعد اللعبة والقوّة التي تميل كفتها بعيداً عنهنّ لصالح الذكور المنتصرة أو الأهل القادرون.. إنّ الذين يلومون "هدير" في أغلب ما قرأته من تعليقات إنّما يلومونها على أنّها فضحت نفسها، وهي كلمات لا تعبر إلا عن نزعات سوقية بالمعنيين المعروفين للكلمة (في الفصحى والعامية) معاً.. وإذن فالمسألة ليست مسألة مبادئ.. والذين نعوا عليها مخالفة الدين والأخلاق لم يتوقفوا عند مناجاتها أنّها متزوجة زواجاً تقره الشريعة والقانون معاً ويثبتون به البنوّة خاصة بعد التعديلات التي أضافتها السيدة "سوزان مبارك" على قانون الأحوال الشخصيّة وأنّ لديها شهوداً كثيرين على وقوع الزواج، وأنّ الإقامة المشتركة بينها وبين زوجها استمرت لفترة ليست بالقليلة على ما أذكر مما قرأت مع أني أثبت عدم اهتمامي بالتفاصيل لأنّها عندي تغطي على المعنى الأصلي وتشغب عليه، وهو معنى معركة الليبرالية وقوى السوق وقيم البراجماتية مع الأيديولوجيات المجرّدة..
لم يكن رفاعة الطهطاوي منذ مائتي سنة بعيداً ولم تكن "هدير" وقصص الخيال العلمي التي نعيشها اليوم ما بين هبل واستهبال الفعل ورد الفعل، الأخذ والرد، لم يكن شيء من ذلك بعيداً عن أزمة واحدة ثابتة لم تتغير: لقد تغيرت المنظمة الاجتماعية العالمية وتغيرت بالتالي قواعد اللعبة الاقتصادية.. فكيف سنعيد بناء هذه المنظمة في بلادنا؟ هل سيكون هناك تفسير جديد للإسلام يجيب على السؤال؟ هل التفسير القديم قادراً؟ هل سنستورد التفسير من الغرب الكافر؟! أم سنرضى بحكاية: "شبه الدولة" و"كُلوا بعض"؟!!
لم ولن أدخل إلى تفاصيل "هدير" وغير هدير، وحيث أؤكد لكم أنّ البقيّة آتية وسوف تأتي ذرافات ووحداناً ... وكل ما قرأته من فعل وقول يتعلق بالقضيّة هو محل الأسئلة سالفة الذكر..