شارع القبط14



مارينا سوريال
2017 / 1 / 17

لا تعلم ما الذى دعاها للنهوض فى ذلك الوقت من فراشها ولا تزال اثار الحمى تغزو جسدها الضئيل ،والذى اصابها منذ ثلاث ليالى مما جعل الام ترتعب فهى بعد كل التحذيرات التى وضعتها فى البيت حتى لا تصل الحمى لاحد افراد الدار ،خاصا صغيرا اخيها البنين ،ولكن هاقد زارت الحمى هدية ،كانت تصرخ فى الخدم من منكن تركتها تخرج الى الحديقة ساعرف كيف تعاقب جيدا على فعلتها تلك .كانت تركض فى انحاء الدار تشعل بخورها فى كل ركن وهى ترشم الصليب ،اوقدت قنديل امام صورة البتول فى غرفتها ،كما امرت خادمتها دميانة من ان تطوف الدار وهى ترش من المياه المصلى عليها ،حضر لاجلها ابونا تافيلوس كى يصلى لها مسحة المرضى وهى تهذى ،كان جسدها باكمله ينتفض من السخونية لم تكن حرارتها لتنخفض ،باتت الام تبكى ذهلت خادمتها دميانة فلم ترى سيدتها تبكى من قبل رغم ما اصاب السيد وسفر ابنائها ،كانت تريزا تراقب من بعيد ،كان ترتجف كلما ذكرت الام عقاب الخادمة التى سمحت لها بالخروج ،كانت تفكر جيدا فى ان لا احد قد رأها وهى تفتح لها باب الغرفة الموصودة لها كعقاب ..لم تعلم هدية من منهن رأها واخبرها امها انها تتسلل فى الليل ..ليلتها شعرت بقدمه وهى تقترب ،لذا عندما وجدت وجه امها من امامها اصابها الذهول والصمت وهى تصرخ بوجهها ،لم تعرف ما عليها ان تفعله سوى انها بدات فى فرك عيناها وهى تتطلع فى الردهة التى وجدتها فيها وتتلفت من حولها ثم تبكى ،نهرتها الام ان تعود لغرفتها وتوصدها عليها جيدا لن تسمح لها بالخروج كما تريد هى فى المساء مثل اللصوص ..خافت الام من ان تخبر احدا بان ابنتها الصغيرة تتجول على غير هدى فى الليل احتارت ان كانت تسير وهى نائمة لقد رات النوم فى عيناها ولم تجبها ليست ابنتها التى تراها فى الصباح .
كانت تريزا من نشرت بين بقية الخادمات ان هدية تسير وهى نائمة ليلا فى ردهات البيت وان السيدة الام تعلم بمرضها هذا وتخفيه عن الجميع حتى لا يصل الى خارج الدار ولا تجد شابا من عائلة يقبل ان يزوج بها على مرضها هذا .لكن ما كانت تخشاه الام قد حدث عندما سمعت همس الخدم فيما بينهن فأمرت دميانة ان اى خادمة ستتحدث عن مرض سيدتها ستطرد الى خارج الدار من دون راجعة فى ذلك لانها افشت اسرار البيت الذى تربت وعملت فيه .كانت دار غبريال باشا تحوى تسعة خادمات بخلاف دميانة كبيرة الخدم وتريزا الخادمة الخاصة بهدية لذا عندما اكتشفت الام خروج ابنتها واصابتها بالحمى كان على تريزا ان تركض ايضا فى سريرها مريضة وان توضع الخادمات فى غرفهن ولا يخرجن حتى تاتى الممرضة والحكيم الفرنساوى لمباشرتهن .
كان الخوف هو من ضرب الاخ الاكبر سيداروس حينها مخافة من ان يصاب بالحمى القاتلة ففى الايام الاخيرة قبل ان يصيب هدية المرض كان لديها فى غرفتها بعد ان علم انها تتسلل ليلا فى دهاليز البيت الواسع ،هو فقط من كان يدخل الى تلك الغرفة ويجلس مع ابيه فيها لا يمكن لاخرى وان كانت شقيقته ان تتدخل حاول ان يطمئن نفسه فهى صغيرة ومهما اجادت فى التعليم والفهم تظل جاهلةمحدودة العقل فلن تفكر فى تفحض اوراق العمل ودفتر ابيها الضخم الذى وضع فى منصف صف الكتب الخاصة بتفسيرات قام ابيه بشرائها من احدى الرحالة عن التوراة القديمة واخرى تخص السامرية فكان دفترة فى المنتصف بينها ..ولكن ما لفت نظره هدية فى اخر ليلة لها بالغرفة قبل مرضها هو ذلك الكتاب الضخم الذى كتب بالانجليزية اصل الانواع تشارلز داروين لمحت العنوان من بعيد .امسكته بحرص وجلست على كرسى ابيها الضخم من خلف مكتبه الواسع وهى تتفحص صور اليرقات والطيور والحشرات ..تذكرت فراشاتها التى كانت ترسمها مطولا فى دفترها الذى عثر عليه اخيها وهو يصرخ فى وجهها لانها تتجول وهى نائمة ،وقذفه بعيدا عنها صرخت وحاولت ان تركض لاحضاره لكن الصفعة الثانية كانت اقوى من السابقة .كانت الام تلك المره من اوقفته كانت تردد انها مريضة تسير وهى نائمة .كانت تريزا تغمز لها من بعيدا فقد خدمت سيدتها الجديدة افضل خدمة ولكن كل هذا لم يمنع الحمى من ان تصيبها وان تسهر معها الممرضة الايرلندية جوارها طول الليل قبل ان تبدأ حرارتها فى الانخفاض فى اليوم الثالث لتتنفس الام التى اخرجت ملابس الحداد فى التنفس والكف عن البكاء ،عندما فتحت هدية قليلا عيناها كانت المرة الاولى التى تلاحظ فيها ان امها ازدادت وزنا وكانها لم ترها منذ اشهر طويلة وليست ثلاث ايام فحسب قبل ان تستفيق وتنظر الى من حولها من جديد ،وجدت تريزا قد عادت الى غرفتها لخدمتها ،والخادمات قد خرجن من غرفهن وامرتهن الام بتطهير البيت الكبير من الاتربة ورش المياه المصلى عليها من جديد قبل ان يحضر ابونا تاوفيلوس ليناول هدية المريضة وجميع اهل البيت ،حتى هدات الام واستكانت ،ولكنها عادت لتغضب من جديد فى اليوم السادس لمرض هدية يوم ان عاد ذلك الفرنسى للظهور فى البيت الكبير من جديد ،بمفرده سألوه عن مدام روزالينا فاكتفى بانها لن تعود ثانيا الى المحروسة وفضلت البقاء فى فرنسا .من نافذتها كانت تقف لتراه لم تعد رؤيته متاحة كالسابق لها .انتظرت ان تاتى الام لتخبرها بان مسيو هانت قد عاد لتعليمها من جديد لكن راى الاخ الاكبر لم يتغير برغم الحاحها على الام فى ان تعاود دراستها خاصا بعد ان اصبح للفتيات مدرسة خاصاة بهن ترسل اليها بنات العائلات ليتعلمن وقد فتحت لهن مدرسة للمعلمات ولكن الام قد رفضت لن تترك ابنتها دون زواج،وكلما مر الوقت كانت هدية تكبر عاما جديدا كان غضب الام يتصاعد لانها الى الان لم تحظى بشاب يليق بها وهى ابنة اصل ،عدة مرات حاولت ان تلمح فيها لابنها الاكبر عن طريق زوجة الاخ ولكن كل تلك المساعى لم تفلح،كانت دميانة من اخبرتها ان ما يحدث غير طبيعى فلا يعقل لفاتة صغيرة مثلها وابنة باشا الا يتقدم لها سوى المسيو العجوز الافرنجى كما انه متزوج من مدام رزوالينا زواجا كاثولكيا فكيف له ان ياتى الى هنا فى طلب ابنتهم الصغرى ولكنه اجابهم بان طلب الطلاق قد وضع امام الكنيسة حتى تفضى فيه عن امرا.. اما روزالينا فقد مرضت مرضا خطيرا .اصابتها حمى لعينة ضربت اوروبا .قد رحلت قالتها الام بجزع صحيح انها كانت بالنسبه لها من الافرنجة الى انهاالمراة الافرنجية الوحيدة التى احبتها برغم انها من الكاثوليك ولكنها اثبتت لها انها تحب الرب كثيرا وليست مثل بقية النساء الاخريات التى كانت الام تخشى منهن ..ولكن كيف ستتزوج هدية ابنتها من غريب ليس من بنى اليعاقبه ..راقبت وهو ينصرف وهو راحل تطلع الى حيث نافذتها فوجدها هناك ،كانت تعلك كيف تكون عيناه عندما يقول وداعا.