بيت هيدرا2



مارينا سوريال
2017 / 2 / 6

رحل الغريب الاكبر ليترك من خلفه غلاما فى الرابعة عشر من عمره لا يجيد التحدث بالعربية لا يعرف سوى لغة امه ،ترك الغريب وصية بان يظل حفيده هنا ،كان هذا غريبا لما لم يحضر سوى حفيد من اولاده ليبقيه بالمحروسة؟!
كانت تقرأ جريدتى المقطم والجريدة فى الخفاء بعد ان انتهى منهما زوجها وقامت خادمتها باحضارهم بخفه الى غرفتها فتزداد غضبا فقد كانتا تدعوان الشعب الى القبول ببريطانيا كافضل الدول التى تحكم المحروسة مادام الاستقلال غير ميسور !! لذا كانت تأمر خادمتها ان تحضر لها جريدة المستقبل الاسبوعية لسلامة موسى صاحبها فهى لم تكن تنشر كمثل بقية الجرائد ما تفرضه عليها السلطات البريطانية والاخبار التى يريدون لاهل المحروسة ان يعرفونها فحسب وتخفى البقية عن امور بلادهم .كانت تشعر بالحماسة تاره ثم تعود لتراقب نفور زوجها فتصاب بالحزن والاحباط ،كانت تهمس لوالدتها عندما تتذكرها هل كنت مخطئة يا امى عندما تركت عملى ؟عمل لنساء قلائل فى بر المحروسة كله لاتحظى به امراة اخرى وهى معلمة فى مدرسة ابتدائية وكان يمكنها ان تثبت جدراتها باستكمال الدراسة لعامين اخريين والحصول على دبلوم المعلمات ولكنها قررت ان تترك كل هذا لانها شعرت بالتعب فحسب..اعرفت هدية ذلك ام انها صمتت لمشيئة ابنتها ام خافت كى لا تحصل على النهاية التى حصلت عليها امها .هى لم تحظ بالحب قط اما مقار فقد كان حب ايزيس هى تعرف هذا لانها لم تشعر بمثل هذا الشعور لاحد اخر .حتى وسط المدرسة الداخلية للمعلمات لم تتاثر بحديث الفتيات او سخريتهن من بعض معلماتهن المتأنقات فى لباسهن وهن يعلمن جيدا بقرار حرمان المعلمة من الزواج .وهو ما اثار سخط امها وخالها فى البداية ولا تعرف كيف اقنعت خالها وابيها بان يتركوها لتتعلم حتى الان؟!
اشتاقت لجدران مدرستها السنية فى شارع خيرت الذى انتقلت اليه ،لمس مير التى كانت تفضلها لانها من افضل طالبتها فى المدرسة.تمنت لو تعود الى غرفتها الواسعة التى تركتها هناك. تلعن تلك الليلة التى وافقت فيها على ان تترك الحلم الذى راودها صغيرة وهى ان تصير معلمة عندما تغدوا امراة وان تكون مثل مس مير ناظرة مدرستها ،تخيلت ان تكون هى ايضا ناظرة لمدرستها السنية وان يوضع اسمها جوار اسم مس رزوالينا ومس مير.كانت امها تشعر بالسرور عندما تخبرها بذلك وتقص عليها انها ارادت ان تفعل نفس الشىء ولكن جدها لم يقبل ابدا ومن بعده اخيها الاكبر وتزوجت من ابيها الذى لم تكن تعرفه فقط لانه الانسب لها كما قال لها الاخ الاكبر .تنهدت وهى تقول ولكن الابن مثل ابيه هو ايضا يحبسنى داخل البيت الواسع الذى كان لجدنا فى السابق فلا ارى سوى جدرانه حتى سئمت من مجرد رؤيتها لم يعد يشغلنى سوى دفاترك القديمة يا امى هى من حمستنى لاكملها انا ايضا سارسم رسوما اخرى لطيور لم تريها ولحشرات اردت ان تريها ولم تعرفيها سوى من كتب جدى التى كنت تسرقين رؤيتها فى الظلام لانه لم يكن يسمح سوى لاولاده الصبيه من الدخول الى هناك وكانت الجدة تعاقبك لانك تقرأين.
كانت فى المساء تري من بعيد خليطا من الضيوف لدى مضيفة زوجها مقار ارساليات الانجليكانية والبروتستانت كما كان صديقا لاسرة واصف الكاثوليكية وكان هذا غريبا على بيت هيدرا فى السابق لم يكن سوى القبط هم من يدخلون دارهم ولم يحبوا قط من خارج الارثوذكس .لم تعرف ان كان حراما لو صادقت من الارسالية فكان الهمس ياتى لصدرها بالطبع انهم يسرقون الفقراء ليكونوا معهم يستغلونهم .سألت فقد كان محرما الاختلاط بهم او الزواج او التناول فى كنائسهم فاذا كان كل هذا لما يستقبلهم مقار فى بيته ولكن عندما تنجح فى سرقة المزيد من كتب جدها تغار لانها لا تجلس فى مجالس الرجال .لكنها ابدا لم تعترض عندما يطلبها زوجها لان ليس لها حق الاعتراض ،كانت تسمع العظة وتواظب عليها ليس للمراة حق تعليم الرجل وليس لرجل ان يتعلم من امراة ،المراة تطيع زوجها لان ما لجسد المراة على نفسها بل لزوجها هو راسها وقائدها ولا تريد ان تغضب البتول منها اذا رفضت زوجها .كانت تمر عليها ايام النساء فى الشهر لتكون نجسة ليس عليها الاقتراب من الكنيسة او التناول او الاقتراب من احد الاجساد المكفنة للشهداء عصر الاضطهاد بالكنيسة لانها امراة نجسة حتى تتطهر فتنتظر ذلك اليوم بصبر حتى تستحم وتتطهر وتعود صالحة لفعل كل هذا من جديد .
كانت تشعر بالغضب كون جسدها هى يصبح منجسا لقوة خارجة عن ارادتها ولكنها لم تستطع ان تسأل او تعترض ،كانت ايزيس تعلم ان هناك حد للاسئلة عليها ان لا تتخطاه،ليست مثل هدية ،فى الليل عندما تكون وحيدة تتمكن من سؤال نفسها هل هى جبانة ولا تستحق امها؟لم تعد ايزيس كما هى منذ ان رحلت عنها هدية وكانها رحلت واخذت معها الشجاعة والطمأنينة التى امتلكتهما فى الماضى ولم تعد الان تقلق اكثر سوى من همسات الخدم وما ينقلونه عنها لزوجها.لم تكن تتحدث مع ذلك الغلام جون الذى اتى من بلادا بعيدة لاتعرف عنها سوى فى الكتب .
كادت ان تصرخ عندما وجدته امام باب غرفتها ذات صباحا تعلثمت كيف جئت الى هنا ؟هنا ليس المكان المخصص لك .
ضحك:اريد ان احدثك لااحد هنا يحدثنى اعادنى جدى الى هنا لانى اخبرته اننى اريد ان اعرف عن اصلى الذى اسمع عنه من بعيد فحسب .لقد قرأت كثير من الكتب عن الشرق ولم ارها من قبل والمحروسة هى اول من اردت ان اتعرف اليه لانها كانت لاجدادى انا ايضا مثلك .اريد ان اعرف محروسة قبل ان اغادر.لم تملك سوى الضحك على كلماته التى بالكاد تعلمها من العربية .قالت :حسنا سوف اعلمك اللغة العربية اولا ثم نتحدث عن المحروسة التى تريد ان تعرفها شرط ان تخبرنى عن فرنسا التى اريد انا ان اعرف عنها ايضا. تصافحا ورغم انه كان صبيع صغيرا شعرت بالارتباك والخوف وازالت يدها سريعا من كفيه الرقيقين فمسح بيده على شعره فى ارتباك .اخبرته ان ينتظرها فى الحديقة ليبدا اول درس عن بيت هيدرا الواسع ولن تخبره كيف كان جده الاول حتى جده الذى انشأ تلك الدار وانجب جده الذى يعرفه.