المشاركة السياسية للنساء الفلسطينيات في الأحزاب السياسية.



منال شلبي
2017 / 2 / 19

مشاركة المرأة الفلسطينية في الاحزاب السياسية:
يبدو جليّا ويُلحظ تراجعاً في العمل السياسي النسائي في العقد والنصف الاخيرين: تراجعاً في العمل الميداني للنساء ونوعية العمل وقدرة تأثيره على مجريات الامور في الاحزاب، وافتقاره لأجندة نسوية واضحة، بالرغم من انه عملاً ودوراً كانت قد اضطلعت به النساء، وخاصة النساء في الحزب الشيوعي من حيث المشاركة السياسية في الفعاليات والنشاطات والتأثير على الجمهور ومن حيث الصوت والفكر النسوي البارز والواضح، وبالرغم من وجود عايدة توما وحنين زعبي في البرلمان نيابةً عن الحزب الشيوعي وحزب التجمع.
واذا كان ما يميّز العمل السياسي بالمعنى التقليدي المقصود، هو قدرته كمنظومة أيديولوجية وفكرية على تغيير مفاهيم وتربية اجيال واعدة وحشد قطاعات من القوى والشرائح المجتمعية، وتعزيزها ودفعها لأخذ دور في تغيير واقعها السياسي والاجتماعي والمدني، فان الهدف المرجو من هذا العمل هو تغيير نوعي وعميق على كافة المستويات تربط تعبئته للمجتمع المعني بنقلة نوعية من واقع صعب الى مستقبل وعمل مستقبلي شامل وجامع وصاحب القدرة على التغيير في كافة المجالات وخاصةُ العلاقات الجندرية ( العلاقات بين النساء والرجال) وايضاً العمل على خلق رؤيا سياسية واضحة تخص مجتمعنا الفلسطيني بشكل عام.
لكن في الواقع فان الأحزاب، وهنا المكان لانتقد طيف الأحزاب التي تعمل بطريقة ديمقراطية، ما زالت متأثرة بالمنظومة الابوية ولا زالت تعمل بأدوات ابوية ورثتها من اطر سياسية سابقة ، وهي تعمل بفكر الاب الاكبر والملهم، فثقافة (مع التشديد على الثقافة العامة) " ابو فلان" و"ابو علان" ما زالت سيدة الموقف والمقال والمقام للأسف في جميع الاحزاب. هذه الثقافة لا تهمّش النساء من برنامج عملها ومن ممارساتها فحسب، بل تهمش قطاع واسع من مجموعات اخرى لا تتبع ولا ترتبط ارتباطاً مباشرا مع" ابو فلان"، بدءا بالرعيل الشاب الذي لم يأخذ حقه في الوصول الى مواقع اتخاذ قرارات في الاحزاب مرورا بممثلي المناطق غير المركزية و"المهمة" لاعتبارات انتخابية وانتهاءا باعتبارات اخرى قد تصل حد الطائفة التي ينتمي اليها الشخص، وبذلك تكون الاحزاب، التي تدّعي الديمقراطية، عملت وتعمل بشكل منافي للديمقراطية. ولا يُخفى على احد ان هذه الممارسات غير الديمقراطية تًقصي النساء لا سيمّا نساء قمن بتبوء مناصب وترشيحات وقد احيلت الى اماكن متأخرة رغما عنها بسبب الحاجات الملّحة لإرضاء الاعتبارات المختلفة التي تكرّس الثقافة الابوية السائدة.
وعلى حين ان الديمقراطية المدعّاة يجب ان تستوفي حقها وتعطي لنفسها استعمالا شرعيا، فقد قامت الاحزاب بضمان مواقع لنساء في في الفروع والعمل البلدي والعمل البرلماني، دون اي قناعة حقيقية بضرورة وأهمية دور المرأة والايمان بقدرتها على التأثير ودون تحضير قاعدة واسعة من النساء داخلها وتعزيزها. هكذا تكون الاحزاب قد ساهمت في خلق حالة مبتذلة من القيادات النسائية وتكون قد أفرزت قيادات غير مناسبة معظمها تفتقر لأدنى مقومّات الوعي و الخطاب النسوي، لتقيم بذلك حاجزاً امام امكانية تحضير ارض خصبة لنمو طبيعي لقيادات نسويّة مستقبلية مؤدلجة بعمق فكري التي تعمل على فحص جدي للمنظومة القائمة لتغييرها للأفضل وليس فقط التماشي معها والخنوع لقوانينها، بالاضافة الى انعدام وجود رئيسة او سكرتيرة عامة في اي حزب، وهنا ايضاً يكمن التراجع الحاصل في العمل والمشاركة السياسية للنساء بالرغم من النوايا المعلنة بضمان حقهن بالترشحّ ودمجهن في مواقع اتخاذ القرار.
هذه البنية وممارسات الاحزاب القائمة واستراتيجيات عملها التي تّقصي النساء، شكلّت ركيزة اضافية وسبب اخر يحول ما بين الديمقراطية وعمل الاحزاب والعمل النسوي الحقيقي والجذري. وهنا يأتي السؤال: هل الاحزاب العربية بتركيبتها القائمة وثقافتها الابوية المهيمنة هي المكان المناسب للعمل النسوي السياسي الحقيقي؟ هل هي كفؤ لاحتواء نساء تحمل فكر ورؤيا سياسية ونسوية عميقة؟ وهل النساء الموجودة داخل الاحزاب اليوم بمواقع معينة سواء كنّ داخل او خارج الكنيست، تغلّب مصالح النساء على مصالح الحزب؟ وهل يضعن مصالح النساء بشكل عام على رأس سلّم اولوياتهن؟ والجواب، بناءً على تجربة طويلة، كلاّ!. ولهذا تحديدا تأتي الحاجّة الملحّة، وكإسقاط لنهج الاحزاب السائد، للخروج من القوالب التقليدية الحزبية المعهودة و التفكير في اطر بديلة لتعزّز من مشاركة النساء السياسية وتصقل وتبني دورها الطبيعي القيادي العميق والفكري. ومن الطبيعي لا بل من الواجب، اعادة بناء قيادات نسائية عميقة الفكر صاحبة برنامج سياسي واعي لتغيير منظومة العلاقات في الاحزاب والتأثير على الواقع، ليس فقط فيما يتعلّق بقضايا النساء انما في جميع القضايا المجتمعية والسياسية. حالياً في هذه الظروف القائمة ليس لدينا خيار اخر غير خلق أو اعادة بناء اطر جديدة قديمة، وهنا على سبيل المثال لا للحصر، يشكلّ اطار المجلس النسائي القطري الذي بدأ العمل في العام 2000، نموذجا جيدا للعمل النسائي النسوي المشترك والجامع للنساء من مختلف الانتماءات الحزبية والفكرية ، ولبناء اجندة نسوية قادرة على مواجهة التحديات الناتجة من العمل السياسي في الاحزاب. وهنا يُسأل السؤال وفي ظل، تعدد الانتماءات الحزبية والاختلاف في اولويات البرامج النسوية للنساء المسيّسات، هل سيُساهم هذا الاطار في بناء شراكات نسائية ونسوية حقيقية مترفعّة عن جميع الاختلافات السياسية ؟ وهل سيستطيع ان يتجاوزها؟ هل تستطيع ان تتفق مجموعة نساء ناشطات ومؤمنات بالاشتراكية والشيوعية مع نساء من الحركة الاسلامية ونساء مؤمنات بالقومية كرؤيا وحل سياسي؟
هناك العديد من التحديّات والتساؤلات لبناء شراكة كهذه، التي تتضمن وتعمل على تعزيز مشاركة المرأة السياسية. انا اذ اشيد بأهمية اعادة بناء تأسيس المجلس القطري للنساء الفلسطينيات، كما اقترحت زميلتي الدكتورة نهاية داود في مقالتها من الاسبوع الماضي في موقع العرب، http://www.alarab.com/Article/792838 ، اعيد واؤكد على أهمية اعادة تفعيل اطارا قادرا على بناء قيادات سياسية نسائية واعية لحقوقها داعمة لبعضها وواثقة برؤيتها وليس فقط من اجل املاء فراغ ومكان ما في حزب معين، انما لتكنّ صاحبات تأثير وشريكات باتخاذ القرارات المصيرية. علينا تحديد قواسم مشتركة لعمل نسائي سياسي ذي رؤيا واثقة وواعدة الذي يساهم بإضافته النوعية والفكرية للعمل النسوي بشكل خاص وللعمل السياسي بشكل عام. سنحاول، وانا أعتقد بأن بنضوجنا الفكري والنسوي سننجح.