المرأة: أبجدية التقدم والتخلف والتنمية والنهضة!.



خلف الناصر
2017 / 3 / 9

المرأة تصلح أن تكون مرآة للمجتمع وصورة صادقة لمدى تقدمه أو تخلفه.. وكذلك يمكن أن يقاس تقدم أو تخلف أي مجتمع أو دولة، بموقع المرأة ودورها في الحياة الخاصة والعامة داخل ذلك المجتمع!.
ولو نظرنا إلى المجتمعات الإنسانية القائمة في عالم اليوم مثلاً: سنجد أن هذا العالم ينقسم إلى عالمين أو ثلاث عوالم، يصنف كل واحد منها وفق درجة تطوره العام، ويتدرج التقدم والتخلف داخل هذه العوالم الثلاث بصور أفقية وعمودية..فتوضع بناء عليها دول ومجتمعات هذه العوالم الثلاث، في خانة الدول والمجتمعات المتقدمة أو الدول المتخلفة..والمرأة وموقعها ودورها والنظرة إليها داخل هذه العوالم، تصلح أن تكون هي المقياس الصادق، الذي يقاس بواسطته مدى تقدم أو تخلف كل دولة ومجتمع من هذه المجتمعات الإنسانية!.

وما هو قائم فعلياً في عالم اليوم: أن للمرأة دور كبير ويكاد يساوي دور الرجل في الدول والمجتمعات المتقدمة والمتطورة علمياً وتكنولوجياً واقتصادياً، والتي تنتمي إلى ما يعرف بالعالم الأول: والذي يمثله الغرب واليابان تحديداً!.
في حين يكون للمرأة دور مقاربٍ لهذا الدور في المجتمعات الأقل تطوراً، والذي يعرف بالعالم الثاني: والذي تمثله كل من روسيا ودول أوربا الشرقية والصين والنمور الآسيوية الصاعدة حديثاً، كتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة........إلخ .
أما العالم المتخلف والذي يسمى ـ تلطيفاً ـ بالعالم الثالث: فهو صورة تامة لتخلف المجتمع والدولة معاً..وهذا التخلف يتمثل ليس بهضمه لحقوق المرأة فقط، إنما بهضمه لجميع حقوق المواطنين: الرجل والمرأة والمجتمع ككل، وعلى حد سواء!.

فلو نظرنا مثلا إلى المجتمعات المتقدمة المتمثلة بالعالم الأول، نجد أن للمرأة مكانة تكاد تكون مساوية لمكانة الرجل ودوره في الدولة والمجتمع، ولا (فيتو) اجتماعي أو سياسي أو أخلاقي على تبوء المرأة لأية وظيفة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، بدءاً من أبسط الوظائف الخدمية وصولاً إلى أهم وظائف الدولة، بما فيها الدوائر العليا المهمة والوزارات وحتى منصب رئيس الدولة نفسه!.. وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة ودورها ومكانتها وموقعها في دول العالم، الذي يعرف بالعالم الثاني!.

أما في العالم المتخلف المسمى بــ (العالم الثالث) فالمرأة فيه تفتقد لكل ما تتمتع به المرأة في العالمين الأول والثاني، وتفتقد في بعض الأحيان ليس حقوقها السياسية والاجتماعية فقط، إنما تفتقد حتى لحقوقها الإنسانية الطبيعية والوطنية، وأحياناً لا يعترف بها كمخلوق إنساني كامل الأهلية، أو كمواطن له حقوق وعليه واجبات كَصِنْوهِا الرجل مثلاً!.
***

إن وصول المرأة في مجتمعات العالم الثالث إلى هذه الدرجة من الدونية الاستهانة بها، ليس بسبب التخلف وحده، إنما هناك فروقات بين مجتمع متخلف ومجتمع متخلف آخر، داخل مجتمعات العالم الثالث المختلفة بمجموعها.. فبعضها مجتمعات منفتحة رغم تخلفها، وبعضها الآخر منغلقة، وبعضها الثالث منغلق أشد الانغلاق..فيؤدي بها انغلاقها هذا إلى زيادة عناصر تخلفها، ويجعل منه تخلفاً مركباً ومضاعفاً، عن تخلف المجتمعات الأخرى!.

ففي شبه القارة الهندية وجنوب شرقي آسيا مثلاً: تجد مجتمعات ـ رغم تخلفها ـ لكنها مجتمعات منفتحة، وتتمتع فيها المرأة بقسط من حرية واسعة، ولها دور اجتماعي كبير وتتقلد وظائف كثيرة ومهمة، بما فيها وظائف الدولة العليا كالوزارات ورئاسة الدولة!.
ففي الهند تقلدت السيدة (أنديرا غاندي) رئاسة الوزراء عدة مرات، وكذلك الأمر في باكستان وبنغلادش المسلمتان.. في باكستان تقلدت السيدة (بناظير بوتو) رئاسة الوزارة في باكستان عدة مرات أيضاً..وكذلك تقلدت السيدة (حَسِينَة واجد) رئاسة وزراء بنغلادش، وكذلك تقلدت السيدة (بندرا نايكة) منصب رئاسة وزراء سيريلانكا.. وحتى في بعض الدول الأفريقية حدثت أمور مشابهة، وتولت نساء أفريقيات مناصب مهمة في دولها ومراكز اجتماعية متقدمة في مجتمعاتها!.

وعلى العكس من هذا المجتمعات المنفتحة، تجد مجتمعات بين دول العالم الثالث منغلقة اجتماعياً إلى أقصى حدود الانغلاق اتجاه المرأة، وحتى اتجاه الرجل!.
ففي السعودية مثلاً: المرأة ليست محرومة من حقوقها السياسية والاجتماعية فقط، إنما هي محرومة حتى من أبسط حقوقها الطبيعية والإنسانية ومتطلبات حياتها العادية.. فهي مثلاً: لا تستطيع أن تقود السيارة أو تذهب إلى السوق أو القيام بأعمال شخصية خاصة بها، ناهيك عن الذهاب إلى دور السينما أو المسرح أو النوادي الاجتماعية، بل أن الرجل نقسه لا يستطيع الذهاب إلى مثل هذه الأماكن.. لأن ببساطة لا توجد مثل هذه الأماكن في السعودية!.
وقد لا يصدق أحد بأن السعودية، هذا البلد الكبير والغني جداً لا توجد فيه دور للسينما أو مسارح أو نوادي ليلية أو أماكن ترفيهية..ومن يريد من السعوديين أن يدخل مثل هذه الأماكن، فعليه أن يذهب إلى البحرين المجاورة، والتي يربطها جسر كوكريتي حديث بالسعودية!.
فالسعودية متخلفة اجتماعياً وسياسياً، ليس عن العالم المتقدم والعالم المتخلف مثلها فقط، إنما هي متخلفة حتى عن أقرانها في الخليج والجزيرة العربية، كالكويتيين والقطريين والإماراتيين والعمانيين، وحتى عن اليمنيين!.
***
إن مسألة التقدم والتخلف مسألة معقدة جداً، وتدخل في ثناياها كثير من العناصر المرئية واللامرئية، كالقيم والمفاهيم الدينية والاجتماعية، والآليات العقلية والطبائع النفسية والتصورات الكلية عن الوجود، بالإضافة إلى طبيعة المرحلة التاريخية التي يمر المجتمع المعني.. وهذه مسائل لا يمكن قياسها بمسطرة من أي نوع، لكن موقع المرأة في هذا الكل الشامل والمتشابك، هو الذي يمكنه أن يعطيها موقعاً معروفاً داخل المجتمع.. وهذا هو بالتالي الذي يمكن قياسه والبناء عليه!.
وبالتالي تصبح المرأة وموقعها ودورها وحريتها داخل المجتمع، هي المقياس الذي يقاس به مدى تقدم أو تخلف أي مجتمع إنساني، وكذلك مدى انغلاق أو انفتاح المجتمعات المختلفة، ومدى استعدادها وقدرتها على كسر القيود التي تكبلها، وتمكنها بالنتيجة من والنهوض مجدداً واللحاق بالمجتمعات المتقدمة!.
 ((لأن المرأة من الناحية الموضوعية والواقعية والعملية تشكل نصف المجتمع، فلا يمكن لمجتمع أن ينهض ويتطور ويتقدم، بدون تطور المرأة وتقدمها.. ولا يمكن أيضاً لمجتمع أن يتطور نصفه (الذكوري) بينما يبقى نصفه الآخر (الأنثوي) على حاله من التخلف، ويرفل بقيود ثقيلة فرضتها عليه عصور الانحطاط!.
فالمجتمع ـ أي مجتمع إنساني ـ إما أن يتقدم كله أو يتخلف كله، وبشقيه: الرجل والمرأة.. ولا مجال للتقدم في أي مجتمع إنساني للرجل وحده أو للمرأة وحدها!!))(1)
والتجربة الإنسانية برمتها تؤكد بما لا يقبل الشك هذه الحقيقة الجوهرية.. فعمل المرأة وتحريرها اجتماعياً وتحررها اقتصادياً، هو إضافة نوعية للمجتمع نفسه ومساهمة فعلية، في نهضته وتقدمه وتطوره سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وتنموياً.. ومن ثمَ علمياً وتكنولوجياً وحضارياً!
وهذه حالة موضوعية نابعة من طبيعة التقدم نفسه، ومن آلياته العملية.. ولو أننا قمنا بعملية حسابية، وبتقسيم ثلاثي عشوائي لأي شعب أو دولة أو مجتمع، في أية بقعة من بقاع الأرض سنجد:
أن ثلث ذلك المجتمع فقط هم الذين في سن العمل وضمن دورة الإنتاج، أما الثلثان الآخران فهما خارجهما تماماً، ولا يمثلان فيها إلا حالة سلبية (استهلاكية) فقط!.
فهذا التقسيم الثلاثي العشوائي يفترض تقسيم المجتمع إلى ثلاث فئات عمرية متساوية..وعلى الشكل التالي:
فئة عمرية كبيرة السن: تشكل نسبة ثلث عدد السكان، وهي فئة غير منتجة خارج سن العمل ودورة الإنتاج، وتعتمد على غيرها في معيشتها وإدامة حياتها..ولا تمثل إلا حالة سلبية (استهلاكية) داخل الدورة الانتاجية!.!.
وفئة عمرية من صغار السن: تشكل نسبة ثلث عدد السكان أيضاً، وهي الأخرى خارج سن العمل ودورة الإنتاج، وغير منتجة وتعتمد على غيرها في إدامة حياتها ومعيشتها..وهي أيضاً لا تمثل إلا حالة سلبية (استهلاكية) داخل الدورة الانتاجية!.
أما الفئة الثالثة، فهي فئة عمرية متوسطة تقع بين تلك الفئتين العمريتين، وهي التي تشكل الثالث من عدد السكان، وهي وحدها الفئة العمرية المنتجة، والتي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة العملية الانتاجية والدورة الاقتصادية برمتها، بالإضافة إلى إعاشة الفئتين العمريتين أعلاه،:

ولنأخذ العراق مثلاً وأنموذجاً لهذه الحالة:
فعدد سكان العراق يقارب 36 مليون نسمة.. ولو أننا قمنا بتقسيم ثلاثي عشوائي لهئولاء العرقيين فسنجد: أن 12 مليون منهم فقط، هم الذين في سن العمل وداخل دورة الإنتاج..أما الــ24 مليون الآخرون، فهم خارج سن العمل وخارج الدورة الإنتاجية!.
فــ12 مليون من هئولاء العراقيين، هم من كبار السن والغير قادرين على العمل..وبالتالي هم خارج سن العمل وخارج دورة الإنتاج، ولا يمثلون في العملية الإنتاجية إلا قوة سلبية (استهلاكية) تفرض على من هم في سن العمل إعالتهم!
أما الــ12 مليون الآخر من العراقيين فهم من صغار السن، وهم أيضاً غير قادرين على العمل، وهم أيضاً خارج سن العمل ودورة الإنتاج.. وبالتالي هم أيضاً يمثلون قوة سلبية (استهلاكية) في العملية الإنتاجية، وتفرض على من هم في سن العمل إعالتهم!.
وبالنتيجة لم يتبقى من الــ36 مليون عراقي إلا 12 مليون عراقي، عليهم إعالة أنفسهم وإعالة الــ24 مليون المتبقي من العراقيين!.
لكن هئولاء الــ12 مليون من العراقيين الذين هم في سن العمل وداخل دورة الإنتاج، والذين يعيلون باقي العراقيين هم من الرجال والنساء معاً!.
لكن أغلبية النساء العراقيات، وكما هو معروف لا يعملن، نتيجة لمفاهيم وقيم دينية واجتماعية..وبالتالي يصبح على الرجال العراقيين ممن هم في سن العمل وحدهم، حمل عبء وإعالة ما يزيد على الثلاثين مليون من العراقيين، بالإضافة إلى أنفسهم!.
ولما كانت بعض الإحصائيات تقول أن عدد الإناث في العراق يقارب الــ %60بالمائة من العراقيين، وعدد الذكور يقارب الــ%40 بالمائة المتبقية منهم!.
فهذا معناه: أن عبء إعالة جميع العراقيين يقع على %40 بالمائة من [12 مليون عراقي] وحدهم..وهي نسبة الرجال الذين هم في سن العمل وضمن الدورة الإنتاجية والاقتصادية!.
وبالأرقام: يصبح على 4,800,000 أربعة ملاين وثمانمائة ألف رجل عراقي فقط، واجب إعالة 31,200,000 واحد وثلاثين مليون ومائتي ألف عراقي، بالإضافة لأنفسهم .. أي، على كل رجل من هئولاء العراقيين، الذين هم في سن العمل من العراقيين، واجب إعالة نفسه وسبعة أو ثمانية أفراد آخرين معه!.

وهذا معناه أن كل واحد من هئولاء العراقيين الذين هم في سن العمل، لا يستطيع أن يوفر لنفسه ولعائلته حياة كريمة وتعليم جيد وخدمات صحية مناسبة، كما أته لا يستطيع التوفير والادخار من راتبه، لعوادي الزمن ومتطلبات الحياة المختلفة!.
وإذا أضفنا إلى كل هذا العبء، انعدام وجود (رجال دولة) حقيقيين لإدارة البلاد، بالإضافة الطائفية والمحاصصة والفساد المستشري على كل المستويات، وفي جميع مفاصل الدولة والمؤسسات العراقية المختلفة، بالإضافة أيضاً إلى توقف أغلب المشاريع الصناعية والزراعية والتنموية، واغلاق أكثر المصانع والمعامل والورش الصغيرة أبوابها، وانتشار البطالة على نطاق واسع.. فإن العدد الحقيقي المتبقي من هئولاء الرجال العراقيين، الذين هم في سن العمل يعملون فعلاً سيكون قليل وقليل جداً..وبالتالي وفي هذه الحالة، يصبح على كل واحد من هئولاء الرجال العراقيين الذين هم في سن العمل، واجب إعالة أكثر من هذا العدد النظري بكثير، وقد يصبح على كل واحد منهم إعالة عشرة أو اثني عشر شخصاً أو أكثر!.
ووضع بائس مثل هذا، لابد أن يؤدي إلى انتشار الفقر والجهل والمرض والجريمة المركبة والإرهاب بكل أنواعه وأشكاله وصوره ودرجاته المختلفة!.

وبالتالي سيصبح البلد كله في حالة فقر وعوز وانحلال تدريجي..وهو في حالة عجز شامل، ولا يستطيع توفير الحد الأدنى من الحياة الحرة والكريمة لمواطنيه، ولا يتمكن من التوفير والادخار والتراكم الرأسمالي، الذي يشكل العصب المركزي لأي تطور مادي أو ثقافي أو علمي، أو أي رفاه اقتصادي أو معيشي..وسيبقى العراق كله يراوح مكانه ويتخبط في مشاكله، ولا يتمكن من تطوير نفسه أو إحداث نهضة حقيقية تنقله من العالم المتخلف إلى عالم أكثر تطوراً وتقدماً وانفتاحاً!.

والحل لمشاكل أي بلد يعاني ما يعانيه العراق، ولمشاكل العراق الوطنية والفردية والاجتماعية بصورة خاصة..يكمن في:
 أولاً: بلورة حالة وطنية عنوانها المرأة، تلغي الطائفية والمحاصصة، وتلغي معها كل أشكال التدخل الديني والمذهبي والعرقي في إدارة الدولة والموارد والثروات الوطنية!.
 ثانياً: أن تكون هذه الحالة الوطنية قادرة على كف يد:
(1 جميع القوى والأشخاص الذين يتكسبون وينتفعون ويتزعمون، الحالة الطائفية والمحاصصات السياسية والمذهبية والعرقية التي أشاعوها!.
(2 تحريم وتجريم كل أشكال الطائفية الدينية والمذهبية والسياسية، واعتبارها جريمة مخلة بالشرف.. وكذلك اعتبار
استغلال الدين والمذهب والمعتقد الديني لأغراض سياسية، جريمة مماثلة!.
(3 ويجب أن تكون هذه الحلة الوطنية قادرة على تحرير الدولة ـ نعني بها: الأرض والإنسان والسلطة السياسية ـ نفسها من كل أشكال الاستغلال السياسي، وإشاعة التخصص في جميع شؤونها وإداراتها..على أن يتولى إدارتها المهنيون وذوي الاختصاص من التكنوقراط!.
 ثالثاً:.وهو الأهم وقبل كل شيء: أن تكون هذه الحالة الوطنية قادرة على تحرير المرأة وإشاعة قيم العدالة والمساواة بين الجنسين، ومساواتهم إنسانياً واجتماعياً وقانونياً!.
فتحرير المرأة تحرير للمجتمع نفسه من عقده المتنوعة، ومن تخلفه الحضاري والسياسي والعلمي والاقتصادي!.

ولو نظرنا إلى المجتمعات والدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً وحضارياً نجد: أن هذه الدول والمجتمعات لم تستطع أن تصل إلى هذا المستوى من التقدم الشامل، إلا بعد أن تحررت المرأة وتحولت إلى قوة إنتاجية، بدلاً من وضعها السابق كـ [آفة استهلاكية] كما هو وضعها الآن في مجتمعات العالم الثالث المتخلفة!.
فتحرير المرأة إنسانياً وتحررها اجتماعياً واستقلالها اقتصادياً، ليس هو تحرير لإنسان من الظلم والاستغلال والاستعباد فقط، وليس هو حق واضح من حقوق الإنسان الأساسية فقط، إنما هو بالإضافة إلى كل هذه المعاني النبيلة، هو أيضاً ضرورة اقتصادية وتنموية وحضارية لأي مجتمع، يريد أن يتقدم وينهض وينفض عن نفسه غبار قرون التخلف والضياع في دهاليزه!.

وإذا أردنا أن نعرف هذه الضرورة الاقتصادية والتنموية والحضارية، النابعة عن دور المرأة فيها، فعلينا العودة إلى تقسيمنا الثلاثي العشوائي ـ أعلاه ـ ومَثَلنا الذي اتخذنا العراق فيه أنموذجاً لهذا التقسيم الثلاثي سنجد:
أن الأربعة ملاين من الرجال العراقيين الذين هم في سن العمل، هم وحدهم ال1ين يقع على كاهلهم عبء إعالة وإعاشة 36,000000 مليون عراقي!.
لكن في حالة تحرر المرأة ومساهمتها في العملية الانتاجية، فإن عدد العراقيين من الرجال والنساء، والذين هم في سن العمل والمشاركين في العملية الانتاجية، سيرتفع من 4,800,000 إلى 12,000000 مليون يد عراقية عاملة (طبعاً في حالة رجوع العراق إلى وضعه الطبيعي).. ويصبح كل واحد منهم مكلف بإعالة نفسه وشخصين آخرين معه فقط، بدلاً من سبعة أو عشرة أشخاص كما هو وضعه الحالي..وفي هذه الحالة وعندها فقط، سيستطيع كل عراقي منهم أن يبني بيتاً ويقيم عائلة ويعيش حياة كريمة وآمنة، بالإضافة إلى قدرته على التوفير والادخار من عائدات عملة، ليضمن بها مستقبله ومستقبل عائلته وأطفاله!.

وعندها، وأيضاً في هذه الحالة فقط، سيصبح العراق كله عبارة عن ورشة عمل جبارة، وسيتمكن من التوفير والادخار الوطني والتراكم الرأسمالي الضروري، لإعادة بناء البلاد وتحقيق نهضتها وتقدمها العلمي والتكنولوجي والحضاري الشامل، وعلى جميع المستويات!.
ومرة أخرى..وعندها وعندها فقط، سيختفي من البلاد العوز والفقر والمرض والجهل، الذي يعيشه العراق ومواطنوه حالياً!.
وهذا لن يتحقق ـ ولن تتحقق هذه الصورة النظرية ـ إلا بتحرير المرأة إنسانياً وتحررها اجتماعياً واقتصادياً، ومساهمتها الفعلية في العمل والانتاج وبناء الحياة الوطنية بكل تفاصيلها!.
وبدون هذه المساهمة الأساسية من المرأة، سيبقى العراق ويبقى العراقيون جميعهم، يعانون من التخلف والفقر والعوز والجهل والمرض، البدني والعقلي والروحي!.

فتحية للمرأة مانحة الحياة وأس التقدم لكل مجتمع إنساني.. في عيدها المجيد .
[email protected]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من مقال لنا على صفحات "الحوار المتمدن" بتاريخ 2016-11-16 بعنوان: " المرأة مقياس لتقدم وتخلف المجتمعات الإنسانية "