حلقات حول النوع الاجتماعي- الجندر - الحلقة 3 مقاربة النوع و فلسفة التربية للجميع -1-



رشيد اوبجا
2017 / 3 / 9

حلقات حول النوع الاجتماعي- الجندر - الحلقة 3
مقاربة النوع و فلسفة التربية للجميع -1-

وضعت مجموعة من المنظمات الدولية في جدول أعمالها قضية المساواة بين الجنسين في مختلف المجالات . في هذا الصدد يعمل صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة الذي بات يسمى هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين و تمكين المرأة ، على تعزيز الموازنة الراعية لقضايا الجنسين في أكثر من 60 بلد في شتى أرجاء العالم .
ووافق منهاج عمل (بيجينغ) للعمل في مؤتمر المرأة العالمي الذي انعقد سنة 1995 ، على اعتبار ( مراعاة قضايا الجنسين أداة مهمة لتحقيق الالتزام بالمساواة بين الجنسين ) Unesco and UN Women .2014)) .
و قد رصدت إحصائيات بعض المنظمات الدولية كاليونيسكو و اليونيسيف و البنك الدولي وجود فجوات بين الذكور و الإناث في معرفة القراءة و الكتابة خاصة في البلدان التي تتدنى فيها مستويات التعليم و تكافؤ الفرص بين الذكور و الإناث . و لكثير من الأسباب ( و لاسيما العديد منها الذي يرتدي بعدا جنسيا ، لا زال ملايين الفتيان و الفتيات حول العالم يعانون صعوبة شديدة في الوصول إلى التعليم الجيد ..) 2
إن هدف اعتماد فلسفة (التربية للجميع ) على المستوى العالمي هو السعي نحو اقرار توزيع عادل للثقافة و التعليم بين الجنسين ، و بين الفئات و البلدان و الثقافات على اختلافها .
هكذا ، أصبح التوزيع العادل للتربية و التعليم مدخلا أساسيا إلى الإنصاف، إذ( يشكل تحقيق المساواة بين الجنسين في حقل التعليم موضوعا مهما من مواضيع العدالة الاجتماعية) 3
وتهدف عملية تعميم مراعاة المساواة بين الجنسين ، إلى جعل هذه القضية غاية مثلى تتجلى في نظم المؤسسات و المجتمع و ممارساتها ككل ، بدلا من التعامل معها كقضية منفصلة ، أو حصرها في قطاع محدد . و يدعو إطار عمل ،في المنتدى العالمي للتربية سنة 2000 ، الحكومات إلى الالتزام بتعميم سياسات النوع الاجتماعي في نظم التعليم .
وخلال العقدين الذين تليا مؤتمر بيجينغ ، جرى اعتماد واسع لسياسات ترمي إلى مراعاة قضية المساواة بين الجنسين في قطاع التعليم .
و استند التقدم المحرز في سبيل تعزيز الإنصاف في التعليم ، إلى التزامات قانونية و سياسية . حيث أشارت 40 دولة من أصل 59 قدمت تقاريرها إلى منظمة اليونيسكو ، إلى أنها تكفل حق الفتيات و النساء في التعليم و تحضر التمييز على أساس الجنس في الدساتير الوطنية و التشريعات . (UNESCO and Women , 2014 ).
أما التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع 2015 ، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة ، فيعرف مفهوم المساواة بين الجنسين بكونه لا يقتصر على ( احتساب الفتيان و الفتيات في المدرسة ، بل يتجاوزه إلى استكشاف نوعية و تجارب الذكور و الإناث في قاعات الدرس و في المجتمع المدرسي ، ثم الإنجازات التي حققوها في المؤسسات التربوية و تطلعهم للمستقبل .
و توصل التقرير إلى أن هناك تقدم متباين في اتجاه تحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين في التعليم الابتدائي منذ انعقاد المنتدى العالمي للتربية في داكار سنة 2000 . كما سجل تقلص نسبة التفاوت بين الجنسين في معدلات التسجيل بالتعليم الابتدائي .

يشكل الفقر، متغيرا حاسما في تعميق التفاوت بين الجنسين ، فالفتيات الأشد فقرا أقل حظا في الالتحاق بالتعليم. 4
و في علاقة الذكور بالإناث في حظوظ التفوق الدراسي ، حسب نفس التقرير، يضمن التحاق الفتيات بالمدرسة تقدمهن في التعليم جنبا إلى جنب مع الفتيان . أما حين يلتحقن بدرجة أقل ، فيبقى احتمال أن يغادر الذكور المدرسة أكبر .
أما بالنسبة للبلدان الأكثر ثراء ، فقد اتسعت أوجه التفاوت في المرحلة الدنيا من التعليم الثانوي على حساب الذكور ، و ذلك نتيجة التسرب المتنامي في صفوفهم.
و في المرحلة العليا من التعليم الثانوي ،و حسب البيانات المتوفرة الخاصة ب 78 بلد ، فإن التسرب يرتفع في صفوف الذكور ، حيث لم يصل صفوف التعليم الثانوي العليا سوى 95 تلميذ لكل 100 تلميذة .
من بين الأسباب الكامنة وراء تعميق نسب تدني تعليم المرأة و انتشار الهدر المدرسي في صفوف التلميذات ، حسب منظمة الونيسكو ، مشكل الزواج المبكر و الحمل اللذان يحدان من وصول المراهقات إلى التعليم و إتمامه ، علاوة على بعد المسافة بين البيت و المدرسة . وقد أفادت نسبة 36,4 مليون امرأة في البلدان النامية اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و 24 سنة عند الولادة قبل سن 18 سنة و مليوني امرأة قبل سن 15 سنة . ( (UNDPA 2013 b .
و لا ينبغي إغفال ، مشكل ضعف مرافق المياه و الصرف الصحي ، فهو عامل حاسم في تدني المساواة بين الجنسين في التعليم عبر العالم ، و هذا ما جعل المنتدى العالمي للتربية بدكار ، المشار إليه آنفا ، يسلط الضوء على توفير مرافق صرف صحي آمنة و منفصلة للفتيات ، باعتبارها استراتيجية أساسية لتحسين حضور الفتيات إلى المدرسة و تعزيز بيئة مدرسية أكثر إنصافا .
و يشكل العنف القائم على نوع الجنس ، أسوأ تجليات التمييز المبني على أساس نوع الجنس ، و هو يقوض بشكل كبير محاولات تحقيق المساواة بين الجنسين .
و تساهم الكتب المدرسية في ترسيخ الصورة النمطية و الدونية للمرأة ، ففي سنة 2000 ، ظلت الكتب المدرسية حول العالم تعكس أنماطا مختلفة من التحيز القائم على نوع الجنس ( فغالبا ما كان تمثيل النساء ناقصا أو غائبا ، و ارتبط وصف الذكور و الإناث في الإطار المهني و المنزلي بالقوالب النمطية التقليدية الخاصة بنوع الجنس ، و لم تصور المرأة سوى في نصف عدد الصور التي تمثل الرجال في بعض الكتب المدرسية ككتب تعلم اللغة و الأدب الإسباني ( Gonzalez and Entond , 2004)5 في هذا الإطار ، قامت منظمة اليونيسكو بتمويل عمليات تدقيق الكتب المدرسية ، بشكل يراعي المساواة بين الجنسين ، في بعض الدول كالأردن سنة 2010 و باكستان سنة 2004 .
في هذا الإطار ، يحق لنا أن نتساءل :
- ما مدى حضور إشكالية النوع الاجتماعي في الخطاب التربوي المغربي.؟
- كيف تقدم الأدوار الاجتماعية ، و الحقوق و المسؤوليات بين الذكور و الإناث في الكتاب المدرسي ؟
- هل هناك إنصاف بين الجنسين من حيث الفعالية الإبداعية في الكتاب المدرسي؟
-هل تحققت أجرأة خطاب الإنصاف بين الجنسين في الفضاء المدرسي بشكل يساهم في الحد من ظاهرة الهدر المدرسي خصوصا في صفوف التلميذات ؟
سنحاول في الحلقات المقبلة أن نجيب عن هذه الإشكالية .



الهوامش :
1- رشيد اوبجا ، مقتطف من بحث جامعي لنيل الإجازة في علم الاجتماع ، النوع الاجتماعي بين الخطاب و الواقع التربويين بالمغرب ، السنة الجامعية 2015-2016
2- منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة ، التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع: التعليم للجميع 2000-2015 : الإنجازات و التحديات ، منشورات اليونيسكو ،2015، ص 167
3- التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع ، 2015 ، ص 167
4- نفس المرجع ، ص 170
5- نفس المرجع ، ص 192