هرات تهوي في خريف المؤودات



حميد كشكولي
2006 / 1 / 19

إلى الشاعرة الأفغانية الذبيحة ناديا أنجمن

يوم 4 نوفمبر 2005 وقعت فاجعة كبيرة في أفغانستان . إذ أقدم زوج الشاعرة الشابة المبدعة ناديا انجمن على قتلها لأنها شاعرة لها رؤيتها الخاصة للحياة ، وتشعر بمآسي المرأة، و الظلم الذي يلحق بها في المجتمعات الأبوية التي تسود فيها علاقات أبوية متخلفة وظالمة. وأفغانستان بلد الأنين إذ كلمة فغان أو أفغان تعني الأنين ، إذ تقول ناديا في إحدى قصائدها إنها ابنة الأنين ، ومن قصائدها يشعر المرء أنها كانت في انتظار مصيرها المأساوي .

وإن ّ نساء ، بل نساء شاعرات يُقتلن يوميا رجما و ذبحا و وأدا، أو يُلقى بهن في نيران الانتحار ، و إنّ الشعراء يُلعنون في كل أرجاء هذا الكون ، و يتعرضون إلى الإهانات و الذل ، و يُرمون في أتون جحيم الاستبداد والابتذال . في عصر الانحطاط الثقافي و الحضاري للرأسمالية ، تصعد من هذه الجثة العفنة روح مجنونة و مضطربة ، تنهض من غياهب مقابر التاريخ لكي تشعل النار في الدنيا والبشر والجمال . هذه الروح الخبيثة لسانها سيف مصقول بدم الأبرياء من البشر ، في يدها هراوة الرعب والإرهاب، و في راحتها أحجار القذف والتجريح. هذه الروح الشريرة أزمعت على إقامة سلطانها فوق أسس الجهل و الرعب والإرهاب. صممت على أن تذبح العقل و العشق والمعرفة و الرحمة فوق عتبة كهفها المظلم المقام على الجماجم والعظام .
فلينهض أنصار الجمال و الحق في مواجهة هذا التنين الأرعن ، و يبذروا بذور العقل و الحكمة و الحياة في تربة العشق.
هذا التنين الأحمق خنجر مسموم صدئ يبست عليه بقع دماء المذبوحين على مذبح الحرية .
لقد حزّ هذا الخنجر الصدئ عنق ناديا" المنشدة للأشجار والطيور والماء . فنحيب قلبي لناديا نهر يجري دما .
و بكاء عيوني " لرابعة" القرن الحادي والعشرين مطر نيسان.
مرة أخرى رابعة تذبح .
" رابعة" الخريف المضطربة مّرت من صحراء الوأد ، إلى مذابح الصخور .
و إنّي أبحث عن شجرة من أشجار النور ، أعلّق عليها هذا الثوب البليل لهذا الكناري الجريح.
فأنا مثقّل بالآلام ،لأني كلما فتحت نافذة روحي ، امتلأ حضني بنحيب اليمام.



استغاثةٌ مخنوقة ٌ
ناديا أنجمن
وقع خطى المطر الخضراء يصل الأسماع
ها قد يصلن من الطريق
روح عطشى تحمل أحضانا من اليباب ، يوشحها الغبار
أنفاس ممزوجة بالسراب
ملتهبة تلتهمها حبات الرمال
أفواه يبست ، يخضبها الغبار ..
ها ، يصلن من الدرب
فتيات تربين الآلام بأجساد الجرح الرعاف
وجوه هجرتها بهجة الحياة
قلوب يحفر فيها الموت أخاديد الشيخوخة
..! لا تبحثوا في شفاههن عن بسمات
لقد يبس نهر عيونهن ، فلا تسيل فيه قطرات الدموع
الهي!
لا أدري إن تصل استغاثاتهن المخنوقة الغيوم ؟
إنه وقع خطى المطر الخضراء

خواطر مائية منيرة
يا منفيي الجبل المجهول!
يا جواهر ، أسماؤكم هاجعة في مستنقع الانطفاء!
يا من خواطركم انمحت في ذهن الموج المتلوث بالطمي في بحر النسيان!
أين رونق هواجسكم الجارية؟
أية يد غازية نهبت التمثال الذهبي النقي لرؤاكم ؟
يا منفيي الجبل المجهول!

مالمو
في 18 يناير 2006
هرات المدينة الأفغانية التاريخية ومسقط رأس ناديا أنجمن و مقتلها*