لماذا يناهض الإسلاميون حقوق النساء؟



سعيد الكحل
2017 / 3 / 14

ونحن نحتفل باليوم العالمي للمرأة كل بطريقته، يجدر بنا جميعا ، نساء ورجال ، هيئات نسائية وحقوقية ، أن نتساءل عن سبب مناهضة الإسلاميين لحقوق النساء . فمنذ أن طرح اتحاد العمل النسائي عريضة مليون توقيع للمطالبة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 1992 ، ثم إصدار السيد سعيد السعدي لمشروع خطة إدماج المرأة في التنمية سنة 1999 ، ظلت مواقف الإسلاميين هي نفسها من مطالب النساء ، بل ازدادت تشددا عبر المذكرتين اللتين قدمتهما هيئتان إسلاميتان (حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية) إلى اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بمراجعة المدونة . وقد استند الإسلاميون في مناهضتهم لمطالب النساء إلى المرجعية الإسلامية التي جعلوها مناقضة للمرجعية الحقوقية الكونية . ومادام هؤلاء يحصرون فهمهم للدين في التراث الفقهي ، غثه أكثر من سمينه ، الذي تفاعل مع أعراف تلك المجتمعات واستدمجها في المنظومة الفقهية ، فإنهم سيظلون يعلنون رفضهم لسمو المواثيق الدولية على المرجعية الدينية ليس بغاية حماية الشريعة ولكن بهدف تكريس وضعية الاستغلال والتحكم في النساء حتى تسهل السيطرة على المجتمع. ذلك أن الإسلاميين أدركوا أن المرأة هي مفتاح الهيمنة على المجتمع والقناة الرئيسية التي تمرر عبرها إيديولوجيا التأسلم والأخونة . لهذا ناهضوا اتفاقية "سيداو" وطالبوا الحكومة المغربية بسحب مصادقتها عليها ،وخاصة المادتين 16 و 19 اللتين رفعت حكومة عباس الفاسي تحفظات المغرب بشأنهما. وتنص المادة 16 أساسا على ضمان نفس الحقوق للنساء إسوة بالرجال في إبرام عقد الزواج أو فسخه ، واختيار الزوج ، ونفس الحقوق والمسئوليات في الأمور المتعلقة بالأولاد وتحديد عدد الأطفال ، وكذا فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال ، ونفس الحقوق فيما يخص الممتلكات الزوجية والتصرف فيها وإدارتها . وممن ناهض هذه المادة ، السيد مصطفى الرميد الذي وصف المادة 16 بكونها "مادة حساسة ينبغي أن نرفع بخصوصها تحفظا واضحا"؛ معللا ذلك بمخالفتها للمرجعية الإسلامية. وبهذا يكون الإسلاميون قد جعلوا الشريعة الإسلامية :
1ــ تمنع المرأة من إبرام عقد الزواج أو فسخه . وقد خاض الإسلاميون معركة ضد مطلب النساء جعل الطلاق بيد القضاء تتساوى في اللجوء إليه المرأة والرجل ولا يبقى حكرا على الذكور.
2 ــ تحرّم ولاية المرأة على نفسها في الزواج . ومما استدل به الإسلاميون تلك الأحاديث تقول "لا زواج إلا بولي) .
3 ــ تحصر القوامة في الذكورة بحيث تحرم المرأة من المشاركة في اتخاذ القرار الذي يهم مستقبل الأبناء وطريقة تدبير الشأن اليومي للأسرة وللممتلكات المشتركة . وهنا تجدر الإشارة إلى البيان الذي أصدره الدكتور الريسوني كرئيس حينها لحركة التوحيد والإصلاح ،في يناير 2000، يجعل بموجبه حصول المرأة على نصيب مما تراكم من الممتلكات الزوجية في حالة الطلاق "أكل أموال الناس بالباطل".
4 ــ تسمح بتزويج الإناث دون تحديد للسن رغم المشاكل الصحة والاجتماعية التي يتسبب فيها تزويج القاصرات . وسبق للحركة والحزب معا أن اعتبرا رفع سن الزواج إلى 18 سنة تشجيع الفتيات على الفساد .
واضح ، إذن، أن الإسلاميين جعلوا من الشريعة أداة لاستغلال النساء وقهرهن والتحكم فيهن ورهْنهن بقرار الذكور . إذ أن تجريد المرأة من حقها في إبرام عقد الزواج أو فسخه ، أو الولاية على نفسها ليس له من معنى سوى استعبادها وتكريس وضعية الاستغلال المادي والجسدي والجنسي للمرأة وتحويلها إلى أمة/جارية محرومة من كل حقوقها . فجسد المرأة هو ملك لزوجها ، وفق عقيد الإسلاميين ؛ لهذا رفضوا الوثيقة الأممية المتعلقة ب"مكافحة العنف ضد المرأة"والتي تم الاتفاق عليها في الدورة 57 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة التي انعقدت ما بين 4 و 15 مارس 2013 بنيويورك . ومن جملة المبررات التي استندت إليها نساء حركة التوحيد والإصلاح مثلا في رفضها لكثير من بنود هذه الوثيقة الأممية " تدخل الأمم المتحدة بين الزوج وزوجته في علاقتهم الحميمية، واعتبار العلاقة الجنسية بدون رضا الزوجة اغتصابا، ولمسها بدون رضاها تحرشا جنسيا، يمكن أن تقاضي الزوج عليه لأنه عنف في حقها" . وطبيعي أن يكون هذا هو موقف الحركة إياها طالما تصدر في مواقفها عن فهم ذكوري لنصوص القرآن يجعل تعنيف الزوجة وضربها إجراء شرعيا منصوصا عليه في حالة نشوز الزوجة وامتناعها عن تلبية الرغبات الجنسية للزوج . فكل الفتاوى المعتمدة في تأطير العلاقة الزوجة تبيح للزوج ، ليس فقط ضرب الزوجة الناشز ، ولكن أيضا حرمانها من النفقة ، ما يعني شرعنة ممارسة العنف الجسدي والعنف الاقتصادي عليها . من هنا لا يمكن أن ننتظر من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ويتولى أحد أعضائها حقيبة وزارة العدل أن تستجيب لمطالب الهيئات النسائية بتجريم الاغتصاب الزوجي وتحرش الأزواج بزوجاتهم . فالإسلاميون يعتبرون المرأة "متاعا" والزوجة "مِلْكا" لزوجها يتصرف فيها كما يشاء ولا يحق لها "شرعا" مقاضاته في حالة الإكراه على ممارسة الجنس عليها أو تعنيفها عند النشوز أو فسخها عقد الزواج . إذ لا فرق بين الأمة/الجارية وبين الزوجة في عقيدة الإسلاميين وتشريعاتهم .
فلا أمل إذن ، في النهوض بأوضاع النساء وتجريم كل أشكال العنف ضدهن وضمان المساواة والمناصفة في ظل حكومة يرأسها حزب تتنافى عقائده مع المرجعية الكونية لحقوق الإنسان .