المرأة في فكر الطباطبائي/2



داود السلمان
2017 / 3 / 17

2-حياة المرأة في الاُمم المتمدنة
أولاً -قبل الإسلام
يقول الطباطبائي: نعني بهم الاُمم الّتي كانت تعيش تحت الرسوم الملّيّة المحفوظة بالعادات الموروثة من غير استناد إلى كتاب أو قانون كالصين والهند ومصر القديم وإيران ونحوها.
تشترك جميع هؤلاء الاُمم: في أنّ المرأة عندهم ما كانت ذات استقلال وحريّة، لافي إرادتها ولافي أعمالها، بل كانت تحت الولاية والقيمومة، لا تنجز شيئاً من قبل نفسها ولا كان لها حقّ المداخلة في الشؤون الإجتماعيّة من حكومة أو قضاء أو غيرهما.
وكان عليها: أن تشارك الرجل في جميع أعمال الحياة من كسب وغير ذلك.
وكان عليها: أن تختصّ بأمور البيت والأولاد، وكان عليها أن تطيع الرجل في جميع ما يأمرها ويريد منها.
وكانت المرأة عند هؤلاء أرفه حالاً بالنسبة إليها في الاُمم غير المتمدّنة، فلم تكن تقتل وتؤكل لحمها، ولم تحرم من تملّك المال بالكلّيّة بل كانت تتملّك في الجملة من إرث أو ازدواج أو غير ذلك وإن لم تكن لها أن تتصرّف فيها بالاستقلال، وكان للرجل أن يتّخذ زوجات متعدّدة من غير تحديد وكان لها تطليق من شاء منهنّ، وكان للزوج أن يتزوّج بعد موت الزوجة والعكس غالباً، وكانت ممنوعة عن معاشرة خارج البيت غالباً.
ولكلّ اُمّة من هذه الاُمم مختصّات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع: كما أنّ تمايز الطبقات في إيران ربّما أوجب تميّزاً لنساء الطبقات العالية من المداخلة في الملك والحكومة أو نيل السلطنة ونحو ذلك أو الازدواج بالمحارم من اُمّ أو بنت أو اُخت أو غيرها.
وكما أنّه كان بالصين الازدواج بالمرأة نوعاً من اشتراء نفسها ومملوكيّتها، وكانت هي ممنوعة من الإرث ومن أن تشارك الرجال حتّى أبنائها في التغذّي، وكان للرجال أن يتشارك أكثر من واحد منهم في الازدواج بمرأة واحدة يشتركون في التمتّع بها، والانتفاع من أعمالها، ويلحق الأولاد بأقوى الازواج غالباً.
وكما أنّ النساء كانت بالهند من تبعات أزواجهنّ لا يحلّ لهنّ الازدواج بعد توفّي أزواجهنّ أبداً، بل إمّا أن يحرقن بالنار مع جسد أزواجهنّ أو يعشن مذلّلات، وهن في أيّام الحيض أنجاس خبيثات لازمة الاجتناب وكذا ثيابها وكلّ ما لامستها بالبشرة.
ويمكن أن يلخّصّ شأنها في هذه الاُمم: أنّها كالبرزخ بين الحيوان والإنسان يستفاد منها استفادة الإنسان المتوسّط الضعيف الّذي لا يحقّ له إلّا أن يمدّ الإنسان المتوسّط في أمور حياته كالولد الصغير بالنسبة إلى وليّه غير أنّها تحت الولاية والقيمومة دائماً.
ثانياً: وهيهنا اُمم اُخرى
كانت الاُمم المذكورة آنفاُ أمماً تجري معظم آدابهم ورسومهم الخاصّة على أساس اقتضاء المناطق والعادات الموروثة ونحوها من غير أن تعتمد على كتاب أو قانون ظاهراً لكن هناك أمم اُخرى كانت تعيش تحت سيطرة القانون أو الكتاب، مثل الكلدة والروم واليونان.
أمّا الكلدة والآشور فقد حكم فيهم شرع (حامورابيّ) بتبعيّة المرأة لزوجها وسقوط استقلالها في الإرادة والعمل، حتّى أنّ الزوجة لو لم تطع زوجها في شيء من أمور المعاشرة أو استقلّ بشيء فيها كان له أن يخرجها من بيته، أو يتزوّج عليها ويعامل معها بعد ذلك معاملة ملك اليمين محضاً، ولو خطأت في تدبير البيت بإسراف أو تبذير كان له أن يرفع أمرها إلى القاضي ثمّ يغرقها في الماء بعد إثبات الجرم.
وأمّا الروم فهي أيضاً من أقدم الاُمم وضعاُ للقوانين المدنيّة، وضع القانون فيها أوّل ما وضع في حدود سنة أربعمائة قبل الميلاد ثمّ اُخذوا في تكميله تدريجاً، وهو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصّة به، ولربّ البيت وهو زوج المرأة وأبو أولادها نوع ربوبيّة كان يعبده لذلك أهل البيت، كما كان يعبد هو من تقدّمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت، وكان له الاختيار التامّ والمشيّة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به على أهل البيت من زوجة وأولاد حتّى القتل لو رأى أنّ الصلاح فيه، ولا يعارضه في ذلك معارض. وكانت النساء نساء البيت كالزوجة والبنت والاُخت أردء حالاً من الرجال حتّى الأبناء التابعين محضاً لربّ البيت، فإنّهنّ لم يكن أجزاء للاجتماع المدنيّ فلا تسمع لهنّ شكاية، ولا ينفذ منهنّ معاملة، ولا تصحّ منهن في الاُمور الإجتماعيّة مداخلة لكنّ الرجال أعني الإخوة والذكور من الأولاد حتّى الأدعياء (فإنّ التبنّي وإلحاق الولد بغير أبيه كان معمولاً شائعاً عندهم وكذا في يونان وايران والعرب) كان من الجائز أن يأذن لهم ربّ البيت في الاستقلال بأمور الحياة مطلقاً لأنفسهم.
ولم يكن أجزاء أصيلة في البيت بل كان أهل البيت هم الرجال، وأمّا النساء فتبع، فكانت القرابة الاجتماعية الرسميّة المؤثّرة في التوارث ونحوها مختصّه بما بين الرجال، وأمّا النساء فلا قرابة بينهنّ أنفسهنّ كالأم مع البنت أو الاُخت مع الاُخت، ولا بينهنّ وبين الرجال كالزوجين أو الاُمّ مع الإبن أو الاُخت مع الأخ أو البنت مع الأب ولا توارث فيما لا قرابة رسميّة، نعم القرابة الطبيعيّة (وهي الّتي يوجبها الاتّصال في الولادة) كانت موجودة بينهم، وربّما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم، وولاية رئيس البيت وربّه لها.
وبالجملة كانت المرأة عندهم طفيليّة الوجود تابعة الحياة في المجتمع (المجتمع المدنيّ والبيتيّ) زمام حياتها وإرادتها بيد ربّ البيت من أبيها إن كانت في بيت الأب أو زوجها إن كانت في بيت الزوج أو غيرهما، يفعل بها ربّها ما يشاء ويحكم فيها ما يريد، فربّما باعها، وربّما وهبها، وربّما أقرضها للتمتّع، وربّما أعطاها في حقّ يراد استيفاؤه منه كدين وخراج ونحوهما، وربّما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالازدواج أو الكسب مع إذن وليّها لا بالإرث لأنّها كانت محرومة منه، وبيد أبيها أو واحد من سراة قومها تزويجها، وبيد زوجها تطليقها.
وأمّا اليونان فالأمر عندهم في تكوّن البيوت وربوبيّة أربابها فيها كان قريب الوضع من وضع الروم.
فقد كان الاجتماع المدنيّ وكذا الاجتماع البيتيّ عندهم متقوّماً بالرجال، والنساء تبع لهم، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلّا تحت ولاية الرجال، لكنّهم جميعاً ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك، فإنّ قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهنّ بالاستقلال ولا تحكم لهنّ إلّا بالتبع إذا وافق نفع الرجال، فكانت المرأة عندهم تعاقب بجميع جرائمها بالاستقلال، ولا تثاب لحسناتها ولا تراعى جانبها إلّا بالتبع وتحت ولاية الرجل.
وهذا بعينه من الشواهد الدالّة على أنّ جميع هذه القوانين ما كانت تراها جزءً ضعيفاً من المجتمع الإنسانيّ ذات شخصيّة تبعيّة، بل كانت تقدّر أنّها كالجراثيم المضرّة مفسدة لمزاج الاجتماع مضرّة بصحّتها غير أن للمجتمع حاجة ضروريّة إليها من حيث بقاء النسل، فيجب أن يعتني بشأنها، وتذاق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت، ويحتلب الرجال درّها إذا أحسنت أو نفعت، ولا تترك على حيال إرادتها صوناً من شرّها كالعدوّ القويّ الّذي يغلب فيؤخذ أسيراً مسترقّاً يعيش طول حياته تحت القهر، إن جاء بالسيّئة يؤاخذ بها وإن جاء بالحسنة لم يشكر لها.
وهذا الّذي سمعته(والقول للطباطبائي): أنّ الاجتماع كان متقوّماً عندهم بالرجال هو الّذي ألزمهم أن يعتقدوا أنّ الأولاد بالحقيقة هم الذكور، وأنّ بقاء النسل ببقائهم، وهذا هو منشأ ظهور عمل التبنيّ والإلحاق بينهم، فإنّ البيت الّذي ليس لربّه ولد ذكر كان محكوماً بالخراب، والنسل مكتوباً عليه الفناء والانقراض، فاضطرّ هؤلاء إلى اتّخاذ ابناء صوناً عن الانقراض وموت الذكر، فدعوا غير أبناءهم لأصلابهم أبناءً لأنفسهم فكانوا أبناءً رسماً يرثون ويورثون ويرتّب عليهم آثار الأبناء الصلبيّين، وكان الرجل منهم إذا زعم أنّه عاقر لا يولد منه ولد عمد إلى بعض أقاربه كأخيه وابن أخيه فأورده فراش أهله لتعلّق منه فتلد ولداً يدعوه لنفسه، ويقوم بقاء بيته.
وكان الامر في التزويج والتطليق في اليونان قريباً منهما في الروم، وكان من الجائز عندهم تعدّد الزوجات غير أنّ الزوجة إذا زادت على الواحدة كانت واحدة منهنّ زوجة رسميّة والباقية غير رسميّة". (المصدر السابق).