متى تحملين الكتاب بدل المرآة في حقيبتك؟



حسن الزهراوي
2017 / 4 / 20

لا أحد يختلفُ في أنّ المرأة ستظل ذاتا فاعلة ومسؤولة في المجتمع، ومحورا مِفْصَلِيّا في نسقية تطوره وارتقائه التاريخي وتحضّره، بل أصبح من نافلة القولِ قول ذلك، ولا يكفي مقال أو كتاب واحد لِتَعْدَادِ أفضال المرأة وأدوارها ومزاياها لأنها الكتاب المفتوح الذي يحتاج أن يقرأ كل حين، كما لا يكفي يوم واحد في السّنة رغم كونه مناسبة رمزية واعترافاً أممياً جميلاً في حقِّ المرأة لأنها كلّ الأيام وكلّ الأعوام التي ينبغي أن يُحتفى بها فيها ومن أجلها..
إن ما لا يؤنّث لا يُعوّلُ عليه، هكذا يقول شيخ الصوفيين ابن عربي في احدى قصائده الصوفية، إن المرأة هويّة، ذاكرة وكينونة كانت عبر التاريخ البشري الممتد، ومنذ أن عرف التاريخ نفسه بعبارة ابن خلدون ولا تزال رمزا للخصوبة والعطاء والنماء والتضحية.. إن الأرض أمّنا الأولى التي انجبتنا أنثى والشمس التي نستمدّ منها النور البهيج الذي يضيء عَتَمات العالم بشعاعه أنثى.. إنّها الأصل في هذا العالم والمجتمع الأميسي كما يذكر مؤرخو تحقيب التطور البشري كان سبّاقا عن المجتمع الأبيسي.. إن المرأة حياة وكذلك أريد لها أن تكون !
المرأة هي الأم التي جعلت من ثديها لنا سِقاءَ، ومن بطنها وعاءً، هي الأخت التي تمدّ لنا اليد الرحيمة حين تقسو الحياة وتغضب، هي الزوجة ؛ تلك القطعة الفردوسية الرائعة التي تكابد معنا الأقراح والأفراح، هي الزميلة في العمل، هي الأستاذة التي تعلمنا الفضيلة والنبل والقيم، هي الطبيبة التي تكافح وتدرس لتعالج أسقامنا وما اعتلّ من اجسادنا، هي البنت الودودة التي تشد أملنا في هذه الحياة فتقدم لنا الدواء حين نهرم ونجلس هناك على عتبة الحياة نعدّ ما تلاشى من الذاكرة..
يكفي المرأة مفخرة انها امرأة، رغم كل التحديات والمتاريس التي لا تزال عالقة وهي تشقّ طريقها نحو تحررها من تقاليدنا الرّثة البالية، ونظرة المجتمع الدونية القورو-سطوية اليها واختزال دورها في اعداد الكسكس، ورتق الجوارب القديمة، إننا لا زلنا للأسف الشديد في مجتمعاتنا البرزخية الثالثية ننظر الى المرأة كما لو أنّها قطة ولود، وبقرة حلوب، والحال أن دورها الحضاري أشمل وأعمق من اختصاره في الرضاعة والولادة والطهي.. وقد كان من شروط انتاج هذه الوضعية البئيسة التي لا تزال المرأة تعيش وتكدح تحت نيرها أسباب سوسيوثقافية مركبة كثيرة مرتبط بعضها بنسقنا الثقافي السائد المعطوب، وما توارثناه من تمثلات وأحكام قيمية سلبية متحجرة ومرتبط بعضها بقراءة النصوص الدينية قراءة مغلقة سمجة، وبعضها تتحمل فيه المرأة نفسها المسؤولية بعدما سيّجت نفسها في قوقعة الجسد لا تبرح منه الى غيره، فقزمت دورها الحضاري وزكت نظرة المجتمع الجائع اليها كجسد وككتلة لحم فارغة..
إن السبيل الوحيد أمامك لكي تتحرري أيتها الانثى هو التعلم، ثوري وتعلمي، تعلمي لتكوني، كسّري حُجُب الخوف من أمامك لتفرضي نفسك كموقف واعٍ، كذات منتجة لها كينونة، افتحي الكتب وادخلي المكتبات والجامعات لكي تفتحي عيونك، وانظري الى العالم نظرة تفوق جسدك وتتجاوز نياط خصرك وتتعدى خصلات شعرك وقارورات "الماكياج" وان كان ذلك من حقك ومن خصوصيتك كأنثى، ومن الواجب علينا احترام خصوصيتك، تذكري أنكِ ذات فاعلة تستطيعين أن تدكي قلاع التخلف وحصون الحصار إن أنت نوّرت عقلك فكرًا وأدبًا وفلسفةً وعلومًا وتوفرت لديك الإرادة والشجاعة الكافية، تأكدي حدّ اليقين أن لا أحد يريد لك أن تفتحي الكتاب، إن الرجل يريدك كما أنت قابعة في أسوار قيدك، مسجونة في أسْرك وزنزانتك، لأنه يريد ببساطة ان يحافظ على "إقطاعه التاريخي" وجبروته وتسلّطه، ان الرجل الشرقي يخاف من المرأة التي تحمل قلما وكتابا؛ خوفه من الفكرة ومن قلق السؤال.. تذكري دائما أن المجتمع يربي الذكور بطريقة تختلف عن طريقة تربيتك، إنه يميز حتى في تربيته بين أبنائه، ان مجتمعنا البطريقي الذكوري الأبيسي البئيس يجهد نفسه لكي يخرج الرجل من ذنبه إن هو ارتكب خطيئة ما، ويحاصرك أنت إن أجرمت، ويوقع العقوبة عليك لأنك أنثى حلقة ضعيفة..
إن قوانيننا رجعية لا تنصفك، لا زالت تعتريها فراغات تشريعية قاتلة وما حالات الانتحار التي سجلناها في العقود الأخيرة عنك ببعيد بعدما وجدت نساء كثيرات أنفسهن أمام سندان القانون ومطرقة المجتمع الحارقة التي لا ترحم فلم يجدنا أمامهن غير حبل المشنقة لينهين ألمهن..
آن الأوان لتتحركي أيتها المرأة باستقلالية وتتحرري من كل القوالب النمطية، انتِ لست بخير ما دام الرجل هو الذي يتحدث عنك ويدافع عن حقوقك المهدورة، آن لك لتكوني أنت الناطقة الرسمية باسمك وباسم أوجاعك.. إن الرجل في أحسن الأحوال -هذا النقيض- لن يفّكر في نهاية المطاف إلا في توسيع نفوذه الرمزي، وامبراطوريته الجاثمة على صدرك ..