حَكَم القاضي



راقية عباس حسون العاني
2017 / 4 / 24

(د) فتاة تسكن في بغداد، قبل (17) عام كانت طالبة في الخامس الادبي ، خيرت بالزواج من احد اقاربها الذي يسكن في القرية ، فاختارت الزواج به مضحية بترف المدينة وذهبت لتعيش في القرية مع قريبها ، وتحملت شظف العيش , ونقلت الماء على ظهرها من السواقي والحطب من البساتين ، و بعد معيشة (18) عام ، انجبت له ( 4) اولاد اكبرهم بعمر (17) عام والاخرين في الابتدائية ، بينهم فتاة بعمر (14) عام.
وبعد عام 2003 انتقلت مع زوجها الى المدينة بعد عبث داعش بأمن القرى خارج مراكز بعض المدن ، وفي احد الايام من عام 2017، كانت مع زوجها يقومان بنصب ستائر البيت الذي استأجروه قبل اسبوع ، منتقلين من بيت سابق لكونه (يخر) ماء اثناء المطر , وكانا يتبادلان الحديث، عندما قام بسب (عمام زوجته) واجابته بان عمامها افضل من عمامه ، لان اخوه اصيب بلوثة في عقله بسبب عمامه فلماذا يسب عمامها (مشكلة تافهة )،عندها جن جنونه ، كيف تجرؤين على ذكر اسم اخي ، وحاول ان يضرب زوجته بعد ان حصرها في احد زوايا البيت ، لولا تدخل ابناؤهما ، وقالت له زوجته كيف تريد ضربي وعمري (34) عام .عندها اتخذ الزوج قرارا بعدم مشاركة عائلته الطعام وعدم الانفاق عليهم ، وبقى قرابة اسبوعين يشتري طعاما لنفسه ويقوم بقلي البيض بنفسه وشراء حاجته من الصمون ويأكل واولاده ينضرون اليه ، وعندما جاءه اصغر اولاده طالبا (صمونة) قال له (روح اشتري من السوق) . ومع ذلك كانت الزوجة تعتاش على ما يمدها والدها من مصاريف بين الحين والاخر ، وقدمت له الطعام اكثر من مرة الا انه يتركه دون ان يأكل منه شيئا. وكانت تقوم رغم ذلك بغسل ملابسه وكيها ، وبعد الاسبوعين اخذت الاولاد مثل كل عام في عطلة نصف السنة لزيارة جدهم والدها في بغداد حيث استأجرت سيارة من دار سكنهم الى دار جدها في بغداد ، ودفع والدها اجور السيارة ، لان الزوج عندما قال له اولاده سنذهب لجدنا اعطينا اجرة التاكسي ، رفض ان يكلمهم.
وفي اليوم السابع من وجودهم في دار جدهم ،طرق الباب فإذا بمبلّغ يمسك بورقة (انذار عزل وكيل)، ليعزل الزوجة عن وكالة ارض ، عملها لها عندما ترك وظيفته قبل عام، تلك الوظيفة التي حصل عليها بواسطة والدها وبراتب يزيد على المليون دينار الا انه تركها وهاجر خارج البلد مستصحبا معه اثنين من اطفاله ، ولكنه فشل وعاد ،ولم تتصرّف الزوجة بالأرض رغم تقدم اكثر من طالب للشراء ورغم حاجتها الماسة للمال حيث كان والدها وذويها يمدوها شهريا بالمال(قدر المستطاع) ويسدون حاجتها .
في اليوم التالي لاستلام التبليغ ، لملمت حاجياتها ، وعادت مع اطفالها الى دارها ، ووصلت مساءا لتجد الدار مقفلة والزوج غير موجود ، كلموه بالهاتف(الموبايل ) لكنه لم يجيبهم . وكان الوقت ليلا اتصل الأبناء بأحد معارف العائلة ليذهب الى الزوج ويحضر المفاتيح ، وعندما حاول ان يقنع الزوج بدخول الدار اجابه ( انه حالف يمين ما يدخل الدار ).
بعدما دخلت العائلة الدار وجدت ان الزوج قام بجمع ملابسه واغراضه الخاصة وحزم حقائبه وغادر الدار اثناء تواجدهم في زيارة جدهم .كما ارسل رسالة بيد ابن اخته ليخبرهم بلزوم ترك الدار قبل يوم 25 من الشهر موعد نهاية عقد الايجار ليسلم الدار لصاحبها .
التجأت العائلة الى والد الزوجة الذي حاول التفاهم مع الزوج لكنه قفل هاتفه ولم يجيب على اي نداء ، عند ذلك قررت العائلة اللجوء للمحاكم ، كيف لا وميزان العدالة منقوش على بناياتها ومطبوع على اوراقها وكتبها الرسمية .
اول شيء تم التفكير به هو اقامة دعوى نفقة، ونفقة مستعجلة لأنه لا يمكن تصور وجود عائلة من 5 افراد بلا معيل ، ولو استثنينا دور الجد وافترضنا عدم وجوده فأين تذهب هذه العائلة والزوج قد القى بها في الشارع .
ومضى اكثر من شهر واثناء المرافعة قام القاضي برد الدعوى لأشياء شكلية ، المحامي الذي مثل الزوجة خرج من القاضي وهو يقول(احمد الله لم اصاب بجلطة لان القاضي حديث العهد وقراراته كيفية وسوف يميز قراره ) وكان زوجها قد وكل اثنين من المحامين للتهرب من النفقة .اما الاسباب وجيهة ام لا فهذا ما لا تعرفه ، على امل ان يميز المحامي قرار القاضي ويقيم دعوى ثانية .
وفي هذه الأثناء رفع الزوج دعوتين الاولى ان الزوجة قد طردته من الدار وهو يعلم ان ذلك افتراء لأنه ترك الدار بإرادته بعد ان اخذ معه ملابسه وحاجياته ، والثانية لأخذ اثاث الدار، لكن الزوجة مطمئنة لان الباحثة الاجتماعية اخبرتها ان اثاث الدار للزوجة وان الزوج له اغراضه الخاصة فقط ولن يستطيع اخذ ابرة ، وفي موعد المرافعة ، لم يطول السيد القاضي المرافعة : قال القاضي للزوجة :اقسمي على المصحف ان الاثاث من مهرك ام لا ، ومن اموالك ام من اموال زوجك ، وحيث ان الثلاجة والقنفات وبعض الافرشة وشاشة التلفزيون ومكيف الهواء ومبردة هواء وماطور الماء وخزان الماء الذي على السطح وبعض الاواني والقدور ،لم يكونوا من المهر ، وان الزوج قد اشتراها من راتبه ، لان الزوجة تقوم بخدمة العائلة كالطبخ وغسيل الملابس وكيها وتنظيف المنزل والاهتمام بالأبناء وتربيتهم وايقاظهم وتهيئة وجبات الطعام وغسل الصحون (ناهيك عن الحمل والولادة والرضاعة ...الخ). ولانها تخاف الله فأقسمت ان تلك الاغراض ليس من مهرها ولم تشتريها من مالها الخاص ، عندئذ حكم القاضي ان كل هذه الاغراض لزوجك وسيرسل من يحملها من الدار ،قالت له لقد خدمته 17 سنة وحتى لو كنت خادمة الا يترتب على خدمتي بعض الحقوق، اليس لي حق في شيء ،وهل هذه الخدمة مجانا ، والاولاد ، كيف سيشربون الماء ، وكيف سيؤدون امتحان البكالوريا للصف السادس والثالث والصيف على الابواب ، وكيف سينامون في هذا الجو الحار بدون مكيف او مبردة ، اليس الاسرة كيان مشترك ، للزوجة دور ربما يعادل او يفوق دور الزوج ،اليس لي وللأولاد حق في اثاث الدار ، القاضي سأل الزوج الا تتنازل عن الثلاجة لأولادك ، اجاب الزوج :لا محتاجهه ،ثم سأله: هذه الفتاة بجانب زوجتك اليست ابنتك ؟ قال الزوج : نعم ، سأله القاضي : كيف تقبل غيرتك تأخذ كل شيء؟ اجاب الزوج : لا اترك شيء لأني محتاجهن . الكاتب الذي يمسك المحضر نزلت دمعه من عينه تعترض على العدالة الظالمة ، الزوجة بكت وانهمرت دموعها تتسابق على وجهها ، لأنها فوجئت بعكس ما اخبرتها الباحثة الاجتماعية ولأنها صدمت بالعدالة ، ولان عمرها ضاع مع انسان تنكّر لها ولأبنائه بعد كل هذا الزمن الطويل ، وقد عرضت على القاضي (بطل زيت) ، حصة الزوج من الحصة التموينية كان قد ارسل احد اقربائه لدارها بان زوجها يريد بطل الزيت حصته من التموينية حيث انه تارك الدار الزوجية منذ اكثر من شهر . وقالت للقاضي اسلمه (بطل الزيت ) امامك كي لا يدعي اني غصبته لأنه ارسل في طلبه . بعدما خرجت سألها المحامي لماذا لم تقسمي بان الاغراض تعود لك ؟ اجابت : والله؟ والمصحف؟ كيف اقابل الله يوم القيامة ؟ ساترك حالي وحال اولادي الى الله وابوهم اسلمه الى الله . والعجيب ان قرار سحب الأثاث صدر قبل قرار النفقة ، من سيطعم الاولاد واجور الطبيب وايجار البيت ، والكهرباء وفوق كل ذلك الاغراض ؟الله كم انت قاس يازمن وكم انت ظالم يا قضاء .
اخيرا اتفقت الزوجة على خلع زوجها بعد ان تنازلت حتى عن مؤخر صداقها ، وهي تعلم ان ما ضاع من عمرها لا يقدر بثمن ، وان القاضي ممكن ان يصدر حكما بإرغامها على بيت الطاعة ، تجاوبا مع الزوج الذي لا يريدها ، ولكنه لا يريد ان يطلق كي لا يدفع مؤخر الصداق . ولا باس ان يعيش معها ويشتري بيض وصمون ويأكل هو فقط وابناءه ينظرون اليه ، لان القانون (تبا للقانون ) لا ينصف. والقاضي لا يسمع وعندما تقول الزوجة للقاضي ان قطعة اثاث اهديت لي من ام زوجي يقول لها (انها تعود لامه وليس جايبتهه من بيت الخلفج ) ؟ ايها القاضي اقول لك كما قال الشاعر ....
الى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تحتكم الخصوم
اما انا فأقول ، اين القضاء المستعجل ؟ اين العدالة ؟ من كتب القانون ؟ الا يخاف الله ؟ مرت ثلاثة اشهر وهم بلا نفقة وفوق هذا سيأخذون منهم كل شيء ؟ كيف يجلس قاض يستلم راتب بالملايين(فيتنعم بمال الشعب) دون ان يفكر انه رد دعوة نفقة لعائلة من خمسة اشخاص ، وقرر ان تؤخذ اثاثهم الم يفكر كيف يعيشون ؟ وماذا سيأكلون ،ومن اين سيشربون، ويلبسون ويتطببون ...الخ . والله ان هذا ظلم ؟ العدالة لا بد ان يكون لها ضمير ؟
اذا خان الامير وكاتباه وقاضي الارض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل لقاضي الارض من قاضي السماء
تبا وتعسا لزمن نعيش فيه لنرى الزوج المتنكر للعشرة والاولاد ، والقاضي الخالي من الضمير ، والذي يطبق قانونا بلا ضمير ، يلقون بالعوائل الى الشوارع ، ويتعاونون مع الظالم، وتبا لمن سن سنة سيئة فحمل وزرها ووزر من عمل بها الى يوم الدين .اللهم اليك المشتكى وفيك الامل ومنك الرجاء ،ويكفينا انك ربنا ، اللهم انا نبرا اليك مما يعمل الظالمون.فلا تنزل علينا البلاء بسببهم .يا ارحم الراحمين .