المغتربة ... أنثي حرة مستقلة



فاتن صبحي
2017 / 4 / 24

العنوان الرئيسي
المغتربة ... أنثي حرة مستقلة
فتيات الاقاليم يقررن تحطيم المستحيل وتحقيق النجاح

العناوين الفرعية

الصحفي أرخص مرحلة في المنتج
سكندرية : امشي مسافات طويلة وأجوع لأستقل وأحقق حلمي
مغتربات : معضلة السكن الرخيص والآمن الأصعب في حلها


فاتن صبحي

لا تتوقف مشكلة أرتفاع الاسعار والازمة الإقتصادية عند حد الخضروات والفاكهة أواللحوم التي لم تعد لها مكان بين قائمة خيارات المواطن العادي , بل تصل المشكلة إلي غياب فرص العمل عن الخريجين عموما وتزيد إلي الزروة لدي أبناء الأقاليم وليس غريبا عندما نري شباب الصعيد الذين هجروا بلادهم بحثا عن الرزق . ووسط هذه التحديات نجد المرأة المصرية كعادتها تحطم الأصنام وتنسف المستحيل بإصرارها علي المنافسة في سوق العمل والبحث عن النجاح حتي لو كلفها ان تحيا مغتربة بعيدا عن دفئ أسرتها ليس هذا فحسب بل تكتفي بجنيهات قليلة لتكفي نفسها وتنفق علي اسرتها وتحارب من أجل ان تحقق حلم النجاح

تقول مي صلاح "صحفية" من الأسكندرية كنت منذ طفولتي أميل إلي قراءة الأدب والروايات وأفضل الدراسات الأدبية ومع متابعتي للنهضة الإعلامية آنذاك حلمت بأن أدرس بكلية الإعلام ونظراَ لوجودي بالاسكندرية وهذه الكلية لاتوجد إلا في العاصمة حاولت أن ألتحق بجامعة القاهرة ولكن تعثر هذا الأمر وإلتحقت بكلية أخري أتاحت لي أن أتخصص في نفس المجال وأثناء الدراسة بدأت في التدريب الصحفي مما جعل مسألة ترددي علي القاهرة من حين لآخر أمر ضروري في كثير من الأحيان . فكنت أسافر للحصول علي التدريبات أو ورش العمل وايضا نظرا لإنتمائي لأحد الأحزاب السياسية جعل الأمر متكرر من حين لآخر وحينما أدركت أهمية العمل في القاهرة بدأت أهيئ الجو أسريا حيث لوحت عن رغبتي للسفر خارج مصر ودعمت أطروحتي بالحصول علي كورسات في اللغات والعمل الصحفي أيضاً . بعد التخرج بدأت التردد علي القاهرة للبحث عن عمل ولم أجد الرفض من عائلتي بنفس قوته في الماضي نظرا للتمهيدات السابقة وتوجهت لعمل مقابلة بأحد الصحف القومية وكنت بصحبة والدي وبمجرد قبولي تعرف علي رؤسائي في العمل حتي الموظفين وبحثنا سويا عن بيت للمغتربات وقدمت إليه زميلاتي في السكن وسافر مطمئنا . وهنا بدأت رحلتي مع العمل وإكتشاف الحياة وقيمة النجاح وجدلية الحصول علي الربح , حيث بدأت اكتشف أهمية الجنيه وكيف أحافظ عليه حتي يمنحني قدر من الامان والإستقلال عن أسرتي والآخرين ,وهنا إكتفيت بمبلغ 400 جنيه ليكون دخلي طوال الشهر وإعتمد علي أسرتي فقط في دفع الإيجار وهو 300 جنيه وهنا أطلقت العنان لمبدأ التقشف فلا مانع من الجوع أو الإكتفاء بوجبتين حتي لا أحتاج لأحد فضلا عن التوفير في المواصلات فلا مانع من السير محطة كاملة لأوفر جنيه أو إذا كانت لي زميلة أو زميل يمتلك سيارة فلا مانع من أن أنسق معهم للعودة في نهاية اليوم وهكذا حتي تحول حلم الصحافة إلي رغبة في الحصول علي الاموال . وأستمر الامر علي هذا المنوال أبتعد عن أي تجمعات للزملاء حتي لا أتورط في وجبة طعام بمطعم باهظ الثمن لاسيما وأن الآمر اقتصر علي "ساندوتش" واحد فول أو طعمية طوال اليوم أو الإستغناء عنه إذا تطلب الأمر خصوصا وأن شراء كارت شحن للهاتف مثلا يعد عمل إستراتيجي أهم من الطعام بالنسبة لصحفية مغتربة . وبعد فترة قصيرة تمكنت من الجمع بين صحيفتين وأصبحت أعمل لمدة 12 ساعة في اليوم وقد أكون محظوظة نوعا ما الامور ماديا أصبحت محتملة بعض الشئ ولكن الجهد المبذول اكبر بكثير وبدأت أشعر وكأني أكبر من عمري بنحو 10سنوات .

وواصلت صلاح روايتها لتحكي عن شريكتها أيضا في السكن والعمل وإحتفظت بإسمها .إنها الابنة الثانية وشقيقها الاكبر دخل السجن بتهمة سياسية فإضطرت للعمل بالقاهرة كصحفية براتب لايتجاوز 1300 جنيه ترسل 700 منهم لأسرتها التي أصبحت المعيلة لهم ويتبقي لها 400 لنفقاتها الشخصية ومن بينها السفر مرتين للأسكندرية لزيارة الشقيق المعتقل .

فيما روت إنجي إبراهيم "معلمة" من الأسكندرية أن العمل في مجال التدريس بالقاهرة كان الخيار الافضل نظرا لإختلاف طبيعة الحياة هنا وأن فرصة الحصول علي دخل إضافي اكبر بكثير وعلي الرغم من رفض اسرتي إلا أنني إستطعت إقناعهم بتقديم نموذج من السكندريات المعروفات لديهم . المشكلة التي واجهتني حقا كانت في معضلة الحصول علي سكن رخيص إلي حد ما وفي نفس الوقت يكون مناسب ونظيف برفقة زميلات معتدلات في السلوك فعلي سبيل المثال كنت اسكن ببيت للمغتربات في أحد المناطق الشعبية وكانت إحدي الفتيات وللاسف تعمل صحفية تتسم بسلوك غريب فصوتها عال معظم الوقت وتعود للسكن متأخرة مما تسبب في نفور الجيران منا فضلا عن الملابس "السواريه" وكانت الصدمة حينما إكتشفت انها تتعاطي المخدرات قررت وعلي الفور مغادرة السكن وإضطررت لقبول سكن أغلي حتي أحقق معادلة الهدوء والامان .

أما "ر.س" موظفة بمستشفي " من بني سويف . تحكي بمجرد حصولي علي المؤهل المتوسط كان لازما علي البحث عن عمل لأعيل أسرتي نظرا إلي أن والدي مريض وليس له معاش ولم يكون لدي خيار سوي أن أتغرب عن عائلتي وأتجه للقاهرة وعملت كموظفة بأحد المستشفيات التي تديرها راهبات وهي الخيار الافضل علي الإطلاق نظرا لتوافر سكن ووسط راهبات هن الأكثر أمناً علي فتاة في عمري من وجهة نظري والدي وقتها وقررت بعد أن تكفلت بعائلتي وزوجت شقيقاتي الأصغر مني وأنفقت علي تعليم شقيقي الاصغر ان أكمل تعليمي وبالفعل حصلت علي المؤهل الجامعي وأثقلت ذلك بالدورات التدريبية الخاصة بالأعمال المحاسبية ولكن الصدمة بالنسبة لي لم تكون في الغربة ولا السنوات التي دفعتها مني عمري لأعيل اسرتي ولكن كانت في عدم توافر فرص العمل وأشعر الأن أن ما ناضلت لاجله ذهب هباء .

فيما تقول "رحمة" صحفية "من إحدي محافظات الصعيد . فرص عمل الصحفي كمراسل من محافظة أقل بكثير ويعد الصحفي المراسل درجة ثانية أو قل ثالثة بالمقارنة بمثيله من قاطني القاهرة خصوصا وأنني متخصصة في الملف الإقتصادي أقنعت أسرتي وبالفعل شجعوني وعلي الرغم من أننا نمتلك شقة بالجيزة إلا أنني تمسكت بالسكن في بيت المغتربات لأنني لا أستطيع العيش بمفردي من جهة ومن جهة أخري فالشقة بحاجة إلي عفش وأجهزة وهذه التجهيزات ستكون مكلفة علي , قررت البحث عن عمل بصحيفة مناسبة ولكن المعضلة دائما كانت في الرواتب التي عادة ماتكون متدنية بالمقارنة بإرتفاع الاسعار المستمر فكل شئ سعره يرتفع إلا الصحفي ثمنه دائما الأقل في المنتج النهائي للعمل وهنا وضعت أمامي انني سأعمل بمبدأ الإستمرار فقط ولن انتظر توفير أي مبلغ حرصا علي الوصول يوما ما للنقابة والتي ستكون الضمانة بالنسبة لي.
تعددت نماذج النساء المغتربات وظروفهن الاجتماعية ، لكن بقيت لديهن إرادة صلبة بالنجاح رغم البعد عن الأسرة وضعف الدخل ، وينجحن في تحقيق الاستقلال والحرية والنجاح.

مجلة بنت النيل " مجلة نسوية تصدر عن حزب التحالف الشغبي الاشتراكي بمصر