فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(5).



ماجد الشمري
2017 / 6 / 4

لنتذكر جيدا تلك الصورة المجازية القاتمة،والتي عكستها عبارات بولس(الرسول)الى اهل افسس،والمبطنة بالنظرة الدونية المحقرة والرافضة للمرأة،والتي زرعتها مؤسسة المسيحية الكنسية في حوض المتوسط وشماله.يقول بولس في رسالته:"ايتها النساء اخضعن لرجالكن كما الرب،لان الرجل هو رأس المرأة كما هو المسيح رأس الكنيسة،وهو مخلص الجسد.ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء"..وأكثر من ذلك،فثمة مقطعان في المدونة البولسية لعبا دورا اساسيا وحاسما في تكريس ابعاد المرأة عن ممارسة الطقوس والواجبات الكهنوتية،واقتصارها على الرجال فقط،كمهام خاصة بالذكورة المتفوقة والسيدة على النساء!.ورد المقطع الاول في الرسالة الاولى الى اهل كورنثوس،وهي:"لتصمت نسائكم في الكنائس لانه ليس مأذونا لهن ان يتكلمن بل يخضعن كما يقول الناموس ايضا"!_يقابله عورة صوت المرأة في الاسلام!_..اما المقطع الثاني الذي ورد في الرسالة الاولى الى تيموثاوس،فيقول:"لست آذن للمرأة ان تعلم او تتسلط على الرجل بل تكون في سكوت"!.اللجم والخضوع والتبعية،هذا مانجده في كلا المقطعين اللذان لايقلان صرامة وتزمت احدهماعن الآخر في التأكيد على الانصياع والصمت والتهميش للمرأة التابعة للرجل.هذا الخط الايديولوجي-الكهنوتي الثابت ارتكز عليه توما الاكويني،وجعل منه اساس موقفه السلبي من المرأة.ولكن يجمع معظم شارحي ودارسي بولس على تبرئته من موقفه العدائي تجاه المرأة،زاعمين ان المقطعين اعلاه:مدسوسان او محرفان.لان القديس بولس قد عبر في عدة مناسبات عن امتنانه وشكره للنساء اللواتي دعمنه في عمله التبشيري،وبالتالي لم يكن بولس عدوا بالمطلق للمرأة!.وسواء أكان مناهضا او مقدرا للمرأة فأنه تأثر حتما بالثقافة المركزية الذكورية التقليدية التي سادت عصره،وتجذرت في لاوعيه،وتجلت في مدونته،وكتابات من جاء بعده من قديسين واباء.
نعتقد ان هناك ثلاثة عوامل محددة لعبت دورا مركزيا في ترسيخ وضع المرأة الدوني وهامشيتها في الثقافة-الديانة المسيحية في طور نشأتها وتكونها-دون الجزم طبعا بوحدانية تلك العوامل ونفي وجود اسباب اخرى غيرها-.وهي:1-الترقب والتوقع القريب لنهاية العالم الوشيكة،ومجيء يوم الحساب- الدينونة-القيامة!.2-تمجيد العذرية والعفة والتحصن ونبذ او تحريم الجنس!.3-التفسير والتأويل الذكوري النزعة لرواية الخطيئة والسقوط في سفر التكوين-الوارد في الاديان الفضائية(السماوية)الثلاث دون اختلاف،في الادانة للمرأة كعلة للطرد من الفردوس!-.فهل من الغرابة بعد ذلك ان نرى تبني آباء الكنيسة والكتاب المسيحيين الدينيين الاوائل،والفقهاء المحمديين وحاخامات اليهود في جل ماكتبوه او قالوه بشأن تبشيع صورة المرأة والخوف منها كجذام غير قابل للشفاء؟!.تلك المواقف المعادية بشدة للمرأة،والتي تقطر رهابا وكراهية صريحة وسافرة..فها هو مثلا الروماني الوثني الذي تحول للمسيحية:القديس ترتوليان يقول موجها خطابه البغيض للمرأة:"لايجوز لك ان تخلعي عن جسمك ثياب الحداد،بل عليك ان ترتدي الاسمال،وان تغرقي في الحزن والندم-ولماذا ايها المبجل؟!-كيما تكفري عن خطيئتك في دفع الجنس البشري الى الهلاك..انك يا امرأة باب الشيطان،فأنت من لمس شجرة الشيطان،ومن انتهك في الاول الناموس الالهي"!.-ياللهول!!!..المرأة مسؤولة عن هلاك الجنس البشري!.ومن لمس شجرة الشيطان الفردوسية!.وهكذا نجد المرأة لاغيرها هي الخاطئة الاولى حتى في اسطورة الخلق!.فهي المدانة..وباب الشيطان المفتوح ومدخل الشرور!.كان خوف ترتوليان ،وزهده المتطرف في تقشفه،يحجبان نفورا وكرها ونبذا حقيقيا لكل خفايا واسرار الطبيعة الانثوية والامومة وعالم المرأة بشكل عام.فبكثير من الاشمئزاز والتقزز تطفح مدوناته وكل ماكتب عن المرأة منطلقا من عقيدته المسيحية الجديدة.فقد ذكر العديد من مظاهر وطبيعة الانثى:الام،والزوجة،بايولوجيا وفسيولوجيا،ك:الغثيان الذي تعاني منه الحوامل،والاثداء المتهدلة للمرضعات،والحيض بالغ النجاسة،والسوائل والدماء والروائح الكريهة المصاحبة للدورة،والاطفال الصغار الذين لايكفون عن الصراخ والبكاء المزعج!..الخ.هذه الحساسية الدينية المترفعة عن سفالة الصورة البشعة والمشوهة لادوار حياة المرأة،وهذه الذهنية العدمية لكل ماهو طبيعي وحيوي ودنيوي،وعيونها شاخصة نحو سماء الروح البعيدة،نجده لدى قامة لاهوتية قداسية كبيرة اخرى هو القديس امبروسيوس،والذي هاجم هو الآخر:الزواج وقبحه وشناعته!.ونادى بتمجيد وتبجيل البتولية والعفة المطلقة بنموذج مثالي قداسي نسوي ساد لفترة تاريخية طويلة.فاذا كان الزواج مرفوضا ومنفرا وطريقا غير صالح ومحفوفا بالضلال والنجاسة،واذا كانت الامومة كريهة لاتجلب سوى العذاب والمتاعب والمنغصات،فخير للمرأة ان تضرب صفحا عن هذا السبيل مبتعدة،لتبقى عذراء دائمة،وتقفل بابها-باب الشيطان!-حتى تتوسد لحدها!.فما يحبذه امبروسيوس هو خيار العذرية الابدية،فهي حالة الكمال والفضيلة السامية،وهو ماينصح به قديسنا الاعظم كأسلوب افضل لعيش النساء،بل هي توصية شبه الهية-النموذج المريمي!-كما يرى ويعتقد الكهنوت(اللاجنسي)الخنثوي!!.
اما القديس بيرونيموس فهو الاكثر صراحة في اعلانه المتطرف عن رأيه.فالزواج-الزواج الشرعي لاالزنى!-هو هدية الخطيئة!.وقد عبر بيرونيموس بوضوح في رسالة بعث بها الى شابة ينصحها فيها:انت تبقى عذراء ولاتتزوج!.كاشفا عن مدى ازدرائه ورفضه للوصية التوراتية الشهيرة:"اثمروا واكثروا واملأوا الارض".فلنتأمل قليلا في نص تلك الرسالة المذكورة والتي لاتظهر العداء للمرأة فقط وبل للحياة ايضا كدعوة للعدمية والفناء،يقول فيها:"قد تقولين لي:انك تتجرأ على الطعن في الزواج الذي باركه الله؟.ولكن هل اكون من الطاعنين في الزواج ان فضلت العذرية...فمامن احد يقارن الخير بالشر..."اثمروا واكثروا واملأوا الارض"فليثمر ويتكاثر من يريد ان يملأ الارض..اما انت فلتكن كتائبك في السماوات،"اثمروا واكثروا":لقد تحققت هذه الوصية بعد الخروج من الجنة..بعد العري واوراق التين المنذرة بعناق الزواج الفاجر"!.فهل هناك بيانا على منطق وعقلية وايمان اللاهوت العدمي المسيحي اكثر من ذلك؟!.فالبتولية الجرداء كمنهج للحياة-ضد الحياة!-هو الخير والصلاح!.اما الزواج وممارسة حق الحياة،والاستجابة لنداء الطبيعة فهو الشر
والفجور،وضد كتائب السماء العفيفة!.ان ممارسة الجنس في عرف وايمان اللاهوت هو الخطيئة الكبرى،وأم الرذائل بالتعريف والدلالة.ويجب على العذارى ان يغلقن فروجهن بحزام العفة الابدي،ويعشن موتهن قبل اوانه!..وهذا التصور او الاعتقاد الظلامي لجدلية الدين والحياة كان له وقعا بالغا بعيد الاثر والمدى في تاريخ الدين-الثقافة المسيحية في عصر الايمان كهذا؟!...فالزواج والجنس من خلاله والذي يتحكم في غرائز الانسان،ويضغط عليه ويدفعه بأستمرار ذلك الفحيح الشبقي لاشباع حاجاته من الملذات الجنسية،واعادة انتاج النسل ككائن بايولوجي يسعى من اجل البقاء والحياة.كل هذا هو دنس واغواء شيطاني!.فهو انشغال وعبث دنيوي وعهر وفسق يحولان ويمنعان المرأة من التسامي،وتنمية الجانب العلوي الروحي في التأمل والتسبيح في الذات الالهية ويعيقان الانضمام لكتائب وفيالق السماء المجنحة!.
وهكذا نجد ان البتولية والطهارة العذرية هي على العكس من ذلك:"صيانة للجسد وتطهير للروح ونذر الذات للرب..وهي عودة الى الاصل والى الخلود الذي يعطي الدليل على واقعيته"كما تقول ماري-اوديل ميترال..فجرى التسليم في اوساط الكنيسة وحرسها الكهنوتي،ان:"للعذرية والعفة مكان الصدارة في الجنة"!.حسب التعبير الشائع والمتداول في القرن السادس عشر والسابع عشر.ولكن اللاهوت ورغم تقريضه ومدحه ومنحه السمو والرفعة الروحية للعذرية الانثوية،لم يكف عن تنظير قداسة الموقف العدائي المعلن من المرأة،والذي ورثه من الثقافات التي سبقته وتبناها لاشعوريا وصارت جزءا من تركيبته البنيوية اجتماعيا وايديولوجيا وسايكولوجيا..فكيف يمكن التوفيق بين تناقض النزعة المناهضة و المعادية تجاه المرأة،وبين تعاليم الانجيل التي نادت وحثت على المساواة بين الجنسين في الكرامة والمكانة والانسانية؟!.نجح القديس اوغسطين جزئيا في التقريب التوفيقي بين هذين الموقفين المتعارضين،فقد وضع تمييزا غريبا مدهشا في فنتازيته او سفسطته،فهو يقول بحذلقة فلسفية:"كل كائن بشري يملك نفسا لاجنس لها وجسدا محدد الجنس،وعند الرجل يعكس الروح والجسد،اماعند المرأة فلا.لان الرجل على صورة الله خلق تماما،في حين ان المرأة هي على صورة الله من حيث روحها فحسب.اما جسدها فيشكل عائقا دائمي في وجه العقل.وبما ان المرأة دون الرجل،فلزام عليها ان تخضع له"!!!.فتأملوا معي اعزائي القراء الى اين يقودنا التفلسف الديني عندما يكون في خدمة غرضه،ويصادر على المطلوب،ويجد الحلول المتعسفة والغامضة لاشكالياته!!. فجسد الرجل وروحه من الله وعلى صورته!زاما المرأة فروحها فقط تنتمي لله اما جسدها فلا نعرف مصدره؟!.فهو خلق شيطاني على الارجح!.وتستمر الدائرة الدينية-الثقافية المغلقة في الضغط على خناق المرأة ولعن جسدها وسحقه تحت ركام التجريم والتحريم والابلسة!!!..
.................................................................................................................................
يتبع.

وعلى الاخاء نلتقي...