اعترافات من تجربة انهيار- من تجارب النساء



عدوية السوالمة
2017 / 6 / 14

الاعترافات المبنية على واقع الخوف من السقوط الدائم في كآبة وانهيارات الاشتباكات الحاصلة بين ما يجب أن يكون في واقعنا النفسي المشروع وبين ما هو موجود فعلا في هذا الواقع هي الخطوة الاولى نحو حالة الانطلاق النفسي بعيدا عن حاجز النفي والتكفير , هي الممارسة الاولى للحرية , هي لحظة الاعتقاد باتخاذ قرار الانتحار النفسي في حين أنها لحظة الانعتاق من البلوغ الدائم للنهاية في تصوراتنا النفسية المتعلقة بمحدودية الاداء وضيق الحيز النفسي بالمجمل .
لا أنكر أنه ذات الحيز الذي يسبح في حدوده المواطن العربي بالعموم , إلا أن معاناة هذا الضيق تتسع بشكل مضاعف لدى النساء في الكثير من الوضعيات الاجتماعية . ما يهم فعلا هو التشجيع على اتخاذ خطوة تحدي مشروعية الألم والمعاناة . يمكن لمشاركة التجربة أن تكسر وضعية الحجرات المظلمة , والنيل من فكرة الحجب عن الوعي وشرعنة فتحها للانعتاق من تأثيرها الحاد في أنماطنا السلوكية .
تجارب الانهيارتسود جزء كبير من حياة العديد من النساء , والقدرة على النجاة تحدث خلفها ندوب يمكنها أن تطبع المنظومة السلوكية فيما بعد بطابع اكتئابي سوداوي يضعف مناعة التصدي للصدمات اللاحقة ويصبح التقدم في الحياة أمر مؤلم , فيكون اتخاذ قرار الانهاء وارد بشكليه النفسي والجسدي .
أشير هنا إلى أهمية البحث في واقع الانهيارات الحادثة بفعل التنشئة القائمة على غرس قيم ذات متدنية لدى الاناث بحيث تدفع بهن نحو الغرق السهل في دروب الحياة بدون أي تحصين نفسي يمكنه أن يعينهن على رأب الصدوع النفسية لتجاوزها , وجعلها خبرة حياتية يتم البناء عليها في تجاوز التجارب التالية .
الارتداد السلوكي للتجربة الصدمية يختلف وفق العديد من العوامل المتدخلة في التجربة كالشخصية والعمر والبيئة , والاعترافات الحادثة بتأثيراتها يصدر مع الرغبة في الانهاء والخلاص النفسي .
التجارب كثيرة ومتنوعة إلا أن بعضها يكون من العنف بحيث يمكن أن يؤدي الى تكوين شخصية باهتة , متلقية , غير آبهة , تسبح أبديا في معاناة تجربتها .
أتحدث في التجربة الاولى عن تجربة سفاح الاقارب , والذي قد يكون في كثير من حالاته الاب هو البطل . لا شك أنها من أعنف التجارب النفسية التي يتحول فيها الحامي الى مدمر للأمان النفسي الابدي . فهي تجربة يمكنها أن تصوغ المفاهيم الحياتية لمختبراتها بصيغة الانكسار , وتمهد للانهيارات المتلاحقة اللاحقة , وتقولب الشخصية نفسها في قالب (عديم القيمة) ويصبح الدفاع عن النفس وحماية الذات من الاعتداءات القادمة أمر لا وجود له في منظومة القيم التي يجب حمايتها . الانزلاقات التالية يمكن وقفها بالعمل على خلق صياغة جديدة لمفاهيم أكثر صحية حول الذات تشمل ممارسة حب واحترام الذات المنكسرة بذات أكثر صلابة قادرة على مواجهة وتجاوز ألم الانهيار الحاصل في العالم الداخلي .
تلاشي احترام الذات من أهم الأمور التي يجب العمل على استعادتها لاحياء منظومة القيم المتهالكة ونمو الاحساس بالحق بحياة كريمة تفتقد وجوده المرأة في حالة هذه التجربة .
للأسف الشديد في كثير من هذه الحالات يكون الصمت وعدم المقاومة هو المنجي الوحيد حتى لا تتعرض فيه المعتدى عليها للقتل أو اللوم والتقريع من الام ذاتها بدل تأمين الحماية .
التجربة الأخرى التي نتحدث عنها تتعلق بالتنشئة القائمة على سلسلة من النواهي والمحرمات والتفنن بالانغلاق فيها , لتجعل من نفسها المرأة ضحية مع مرتبة الشرف والتبرع بتحمل المسؤولية عن آثام العالم أجمع .
تبرز تبعات هذا النوع من التنشئة خاصة عند انجاب طفل يعاني اعاقة ما .
الاعاقة للطفل يمكنها أن تعكس بوضوح شكل الاتجاهات نحو الذات متمثلة باحساس مراكم بالشعور بالذنب تتبناه المرأة الأم الخاضعة لهذا النوع من التربية . في حين يبرز الاحساس بعدم المسؤولية وتوجيه اللوم الى الأم يتبناه الأب والتي في غالب الحالات تتحمل العبء لوحدها مضاف اليها الململة وثورات الغضب والاتهامات في غير محلها من قبل الزوج وفي كثير من الاحيان تنتهي الازمة بالطلاق بدل المساندة . من المهم أن تنتبه المرأة لموضوع الايحاء ( بالفعل ) للزوج بحيث تقدم نفسها بايحاءاتها ككبش فداء له ليجد فيها الموضوع المناسب لاسقاط احساسه بفشل تحقيق الامتداد النرجسي المأمول تحقيقه .
التجربة الثالثة التي يمكنها أيضا أن تحدث انهيارات نفسية لدى المرأة تتعلق بالارتباط الوثيق بين القيمة المتدنية للذات وبين الاكتئاب . كثيرا ما نرى تجليات هذه العلاقة لدى النساء غير المنجزات ذوات الاهداف الحياتية المشوشة بحيث تتحول لشخصية غير مرئية بحكم التشويش الحاصل .
تأكيد الذات بحاجة لوضوح في معالم الشخصية , وأنا قوية لم يهز ثباتها التردد وتأنيب الضمير الدائم . لم تثقلها الكوابت وتضعف دفاعاتها صورة نمطية رديئة تربط بين الانوثة وعدم الفاعلية .
الشكوى المتأخرة تأتي مع الانهيارات المتكررة والاحساس بفقدان السيطرة والهمود بفعل كم المهدئات ومضادات الاكتئاب المتناولة بدون ايجاد مساندة نفسية تدعم قدرة الانا على الوقوف في وجه الصراعات دون أن تمحوه . لايمكن السير بالحياة مع عدم التعرف على الاهداف .
مع تجربة وفاة الزوج وخروج الابناء للحياة تجد بعض النساء ممن يعانين من القيمة المتدنية للذات أنفسهن في مواجهة مع فكرة انتهاء قيمة الوجود الانساني لارتباط هذا الوجود اصلا بالآخر دون اعتبار للقيمة الذاتية .أعتقد كثيرا بفكرة أنه من أحد الاسباب الهامة التي يمكننا أن نوجه اصبع الاتهام اليها لاعزاء ارتفاع نسبة النساء المكتئبات في مجتمعنا العربي التابع للتقدم في العمر والذي يمكن العمل على تحسينه .
لابد من العمل على زرع فكرة لدى النساء تفيد بأهمية الاعتقاد بأن ممارسة الحياة تتطلب الاعتراف بوجودنا الانساني لأنفسنا أولا وليس انكاره أو ربطه بالآخرين .