هل تتكرّر أسطورة الأمازونيات



نادية خلوف
2017 / 6 / 17

لا أرغبُ أن أكون أمازونية .
إن كانتِ النساءُ المحارباتُ هنّ من الحقيقةِ أومن الخيالِ لا أريدُ أن أكونَ منهنّ ،إن كانت الأمازونية قد تركت صورتها على شكلِ آلهةِ إغريقية ، وصنعَ لهاّ الذكورُ روايةً على شكلِ أسطورة . تكرّسُ نصراً عليها فقد كانت خسرة .لا أرعبُ في الحربِ حتى لو سميت عادلة .
ليس هاماً إن كان هرقل قد انتصر عليهنّ أم لا -أعني الأمازونيات-
قصةُ هرقل الذي تعرّضَ للسحر على يدِ زوجةِ أبيه كما يقال، التي استطاعت من خلالِ هذا السحر أن تجعلَه يقتلُ زوجته وأبناءَه ، وعندما عرفَ أنّه قتلهم . نفى نفسَه إلى مكانٍ آخر، وذهب إلى " العرّافة " كي يتطهّرَ من الذّنب. نعم هناك رجال كهرقل يتقاوون على زوجاتهم وأولادهم ويقتلونهم لسنا بصددهم الآن.
أشارتْ العرّافةُ على هرق: أن يعملَ أثني عشرَ عملاً أوكلتها إليه ، ومن ضمنِ هذه الأعمال : الاستيلاءُ على حزام "ملكة الأمازونيات " وهو عبارة عن حزام ذهبي ثمين أهداها إيّاه إله الحرب. تمكّن هرقل من أخذه ، ومن النيل من الأمازونيات والقضاء عليهن .
وُصفتِ الأمازونياتُ بالشّراسةِ في الحربِ ، وامتهان الصيدِ وركوب الخيل واستخدام النبال ، وبغضّ النظرِ عمّا تحدّثَ عنه المؤرخون حول تزاوجهم من مناطق أخرى غير مناطقهنّ، واحتفاظهن بالبنات فقط . ربما تكونُ صورةُ الأمازونيات التي وصلتنا بشكلها السلبيّ قد تمّ تشكيلُها بعدَ أن تحوّل المجتمعُ من المجتمع الأموميّ إلى طوره الأبويّ ، أو الذكوري . حيثُ مثّلنَ أسلوبَ حياةٍ يكادُ يكون مناقضاً لنظام الحضارة اليونانية ، وفي هذه الحالة كان لابدّ أ من إقصاءِ الظاهرة بطريقة ما .
هل كانت الأمازونيات –إن وجدن – محارباتٌ ؟
أم أنّه تمّ تشويه الصورة، ولهنّ صورة أخرى أكثر إيجابية ؟
كلُّ هذا نتركه لمؤرّخٍ محايدٍ يتّخذُ من العلم وسيلةً لإظهارِ حقيقتهن أكثرَ" إن وجدت" . لكنَّ السؤالَ الذي من حقّ نساءِ اليوم أن تسأل : إذا كان هرقل البطلُ الأسطوري قد قتلَ أبناءه سواءَ تحت تأثير السحرِ أو غيره ، وفعلَ كلّ شيءٍ أرادته العرّافة بعد ذلك، فما هي بطولته ؟ طبعاً سيكونُ الجوابُ : هو بطلٌ يهزم الأعداء ، ومن بين هؤلاء الأعداء " الأمازونيات "
ترى لماذا حملتْ تلك المرأة المحاربة – على حد تعبير الأسطورة – السهم والنبال ؟
ألا يمكنُ أن نكتشفَ أسطورةً جديدة تقول : أنّه كان صراعاً على السلطة فقط ؟
هل يمكنُ أن تظهرَ الأمازونيات في عصرنا هذا بعد أن انتصرَ هرقل عليهن ؟
لم لا ؟ الظّلمُ الذي تتعرض له النساء ، والتهميش قد يقود بعضهنّ في إلى التّفكير في استعادةِ ذلك الحزام الذهبي من هرقل ، فيما لو زادت أخطاؤه ، وربما ستنصحُه العرّافة في هذه المرة . بفعل أعمالٍ أكبرَ من القتل .
سواءَ كانتِ النساءُ المحارباتُ نساءً لهنَّ مملكتهنّ النّسائية ، أو شاركن الجنود ، أو كنّ جنوداً من الفرس لبسوا لباس المرأة ، وحلقوا ذقونهم . فإنّ الأسطورةّ تتحدّثُ عن النساء المحاربات على أنّهنَ شرٌّ يجبُ تصفيته ،هذا ما قرّره المجتمع الذكوري الأبوي الذي يقرر دائماً العقوبة بحق المرأة عندما تشهرُ سلاحها بوجهه،حتى لو كان هذا السلاح هو العلم والمعرفة ، لا ننتقدُ الأساطير . هي غذاءُ الروح ، تطلُّ علينا من الماضي . تنقل لنا المشاعر الجمعية . تؤنسنا . نسقطُها بشكل ما على واقعٍ قد يكون فيه هرقل البطل أباً ، أو أخاً ، أو ابناً يحكم على امرأة ما بالموت كونها تحملُ الخطيئةَ والشرَّ ، وهذا ما يحدث حالياً تحت عباءة الشرف ، أو الأخلاقِ، أو تطبيق قوانين وأعراف .
لا أرغبُ أن أكون أمازونيةٍ . لأنّ الرجلَ يمثّلُ لي الحبّ ، كما يمثّلُ لي جزءاً هاماً من حياتي التي يسكنها، حبيبٌ وزوج ، وأخٌ ، وابن .
ولأنني أسعى إلى مجتمعٍ يسوده المحبّة والسلام
ولأنني أحبّ أن يهمسَ حبيبي في أذني بكلماتٍ تجعلني أتألّق في عالم الجمال .
أريدُ أن أكونَ أنثى تلهمُ رجلاً يختارها من بين آلافٍ النساء .
عندما يقرّر هرقلُ العصر في وطننا أن ينتصرَ على الضعفاء
ويقتلُ من يصادفه في طريقه من الأطفال والرجال
وتغتصبُ النساء على قارعةِ الطريق في مشهدٍ مهين للإنسان
ستظهرُ أمازونية تستعيدُ الحزام الذهبي .
تنسى موضوع الهوى والحب والاشتياق
فليس في ساحةِ القتلِ مكاناً إلا للانتقام
مهلاً . ستظهرُ أمازونيةٌ تدافعُ عن الرجال الذين طُعنوا من الخلف
تغيّرت أسطورةُ الأمازونية التي تحاربُ الرجال . أصبح هدفها الانتصار لزوجها وابنها وأخيها في معركة الذبح التي يصفّ فيها البشر كالقطيع في الساحات . أصبحت أمازونيةٌ تحاربُ الظلم جنباً إلى جنبٍ مع الرجالِ
ستظهرُ الأمازونيات في سورية قريباً . ضدّ السلطان الجائر الذي قتل رجال عائلتها ، ستنسى أنّها كانت في يومٍ من الأيامٍ أنثى لها حبيبٌ
ستنتقمُ من السلطان
نساء بلادي : سيطلعُ النهار
وسنحتفلُ بالأعياد