تحرر المرأة (رؤية ماركسية)



روزا قنديل
2020 / 3 / 9

«يختلف الماركسيون عن بقية من ينادون بتحرر المرأة من ناحية هامة ‹نحن لا نؤمن ان اضطهاد المرأة وجد على الدوام سواء بسبب الأختلافات البيولوجية بين الجنسين او بسبب شيء متأصل في نفسية الرجل› ونرى أن اضطهاد المرأة قد ظهر في مرحلة محددة في التاريخ هي مرحلة بداية ظهور الطبقية في المجتمع»
كانت المرأة مضطهدة في جميع المجتمعات الطبقية وتشير معظم الدلائل إلى ذلك في حين انه في مجتمعات ماقبل الطبقية لم يكن هناك هذا النوع من الأضطهاد أن سبب اقتران اضطهاد المرأة بانقسام المجتمع إلى طبقات بسيط إلى حد كبير فقد ظهرت الأنقسامات الطبقية بمجرد تمكن الإنسان من أنتاج فائض فوق الحاجة للبقاء بالنسبة للمجتمع ككل نتيجة للتقدم في قوى الإنتاج لكن لم يكن هذا الفائض يكفي الجميع للعيش فوق مستوى الكفاف على الرغم من ضخامته بالنسبة لبعض الناس حيث تمكنوا من العيش فوق هذا المستوى لقد افسح ذلك مجالاً للمزيد من التطور لقوى الإنتاج ومن ثم تطور الحضارة والفن والثقافة ولهذا السبب صاحب نمو الفائض تباعد مستمر بين طبقتين مُستغِلة و مُستَغلة فقد ادى نمو الفائض إلى النمو في تقسيم العمل وتطور الذين احتلوا مواقع معينة إلى متحكمين بالفائض.
منذ هذه النقطة اكتسبت الفوارق البيولوجية بين الرجل والمرأة اهمية لم تكن عليها من قبل وجهت المرأة ـ التي اثقلها حمل تربية الأطفال ـ إلى ادوار إنتاجية معينة وتم أبعادها عن الأدوار الأخرى وخاصة تلك التي تمكنها من الوصول إلى الفائض فعلى سبيل المثال ‹ عندما تتحول المجتمعات من الحرث بالمجراف ـ الذي يمكن للنساء العمل فيه على الرغم من عبء الحمل ـ إلى استخدام المحاريث الثقيلة او الماشية تتم ازاحة النساء من الأدوار الرئيسية في الإنتاج وينتقل الفائض إلى سيطرة الرجل›
لقد كان اضطهاد المرأة في جميع الحالات نتيجة لمتطلبات تطور قوى الإنتاج لعلاقات إنتاجية معينة وبذلك يكون اضطهاد المرأة مبني على أساس التاريخ المادي للمجتمع وقد تلى ذلك العثور على صيغة ايديولوجية له اعتبرت دونية المرأة وتبعيتها للرجل كجزء من النظام الطبيعي للأشياء ودعم ذلك بأنظمة مفصلة من المعتقدات والشعائر الدينية والتشريعات القانونية ولا يمكن فهم أي من هذه الأشياء بمعزل عن جذورها في قوى وعلاقات الإنتاج
يمكننا ان نلاحظ في المجتمعات التي ظهرت فيها طبقات حاكمة متطورة فقد لعبت نساء هذه الطبقة دورا ثاناوياً جعلهن يعاملن فعليا كممتلكات للرجال الحاكمين وقد ساد هذا الوضع بشكل كبير في أسر الحرفيين والفلاحين إذ يتحكم الرجل ‹ البطريرك › في تفاعل الأسرة مع العالم الخارجي وتكون زوجته تابعاً له كاطفاله وخدمه وفي الحالات التي يثمر فيها الدور الإنتاجي للمرأة عن فائض قابل للتسويق تميل المرأة إلى تحدي بعض مظاهر الأسرة البطريريكية لقد كانت جميع نساء المجتمعات الطبقية ماقبل الرأسمالية تحت سيطرة الرجل
أما في المجتمعات الرأسمالية ـ اكثر انماط المجتمع الطبقي ثورية ـ فهي تحكم قبضتها على جميع مؤسسات المجتمعات الطبقية السابقة وتعيد تشكيلها بما يتناسب مع مفهومها ولهذا نجد أنها وضعت بديلا لجميع المؤسسات التي اصطدمت بها في بداياتها اما بتحويلها لمصلحة تراكم رأس المال او بتحطيمها ويشمل ذلك الأديان والطوائف والأنظمة الزراعية وكذلك ينطبق نفس الوضع على الأسرة فالرأسمالية تبقي على جوانب معينة في اسرة ماقبل الرأسمالية لكي تعيد صقلها بما يتماشى مع مصالحها كانت الرأسمالية الصناعية في مراحلها المبكرة لا تكتفي بالقضاء على البطريريكية في اسرة ماقبل الرأسمالية للفلاح والحرفي وتجاوزت ذلك بميلها لتدمير الروابط العائلية بالكامل بين صفوف الطبقة العاملة الجديدة ولم تعر ذلك الكثير من الأهتمام لتعارض ذلك مع المعتقدات القديمة لكن سرعان ما ادركت الرأسمالية ككل اهمية انتاج طبقة عاملة لتعزيز التراكم فكان لابد من ايجاد وسيلة تضمن انعاش العمال للقيام بالمزيد من العمل والأتيان بجيل اخر من العمال للقيام بالعمل المأجور وفق المتطلبات البدنية والذهنية ولأن الرأسمالية لم تمتلك حينها الموارد او التكنولوجيا التي تؤهلها لإنتاج الطبقة العاملة بشكل جماعي ‹ الحضانات والمطاعم الجماعية.. إلخ › فقد رأى المحنكون من ممثلي الطبقة الرأسمالية ضرورة خلق شكل جديد لأسرة الطبقة العاملة يوفر المتطلبات المادية للعمل في الحاضر ويتحمل تنشئة الجيل القادم وبذلك تكون الرأسمالية قد اخذت بعض عناصر الأسرة البطريريكية القديمة وقامت بمزجها داخل اسرة الطبقة العاملة الجديدة مستعينة بالكثير من الايديولوجيات المرتبطة بالأسرة القديمة ‹ كانصوص والشعائر الدينية › لإقناع العمال بتقبل الأسرة الهجينة لقد كان لأسرة الطبقة العاملة الجديدة مميزات ايديولوجية فعلى الرغم من اختلاف العامل الذكر عن البطريرك القديم ـ في مجتمعات ماقبل الرأسمالية ـ في عدم تحكمه في اي فائض إلا انه يستطيع أن يتخيل نفسه كالبطريرك القديم فهو يتحكم في المورد الذي يعول العائلة ويستطيع أن يتخيل أن مرتبه ملك له ويستطيع التصرف به كيفما يشاء كما يستطيع أن يصدق أنه سيد على بيته برغم من انه من وجهة نظر النظام ‹سيد على الوسائل التي تجعله واطفاله عبيداً للأجور ›
لقد خلقت العائلة الجديدة انشقاقاً في الطبقة العاملة بتشجيعها للعمال الذكور على تبني قيم مستغليها وفي نفس الوقت أدت عزلة المرأة في البيت إلى أبعادها عن الحركات الإجتماعية الأمر الذي اضعف قدرتها على النضال لقد طرح ماركس وانجلز ‹ أن اندماج المرأة في الإنتاج الجماعي شرط اساسي لتحررها › في الحقيقة لم تكن العائلة الجديدة نتيجة مؤامرة بين رجال الطبقة العاملة ورجال الرأسمالية كما كما يدعي بعض النسويين لقد كان تعديلا لصالح النظام اعترف به رجال ونساء الطبقة العاملة بسبب عدم رؤيتهم لفرصة للتخلص من النظام.
في الحقيقة أن الأصل المادي لاضطهاد النساء في ظل الرأسمالية اليوم يكمن في الطريقة التي تتبعها الأسرة لاعادة إنتاج القوى العاملة فأن عبء تربية الأطفال وشغل البيت يشكلان عائقا امام اتصال النساء بالعالم خارج البيت ويجعلهن معتمدات على الرجل ولهذا فإنه لا يمكن انهاء اضطهاد النساء مالم يكون هناك تغيير اجتماعي جذري يشمل المشاركة في اعمال المنزل وتربية الأطفال والسماح للمرأة بالأندماج في الإنتاج الجماعي وهذا لن يحصل من دون ثورة تقلب النظام الرأسمالي رأساً على عقب...