امرأة رقيقة قاتلة



نوال السعداوي
2017 / 7 / 5


أشيل الصاروخ وماكينة اللحام والديسك أسهل من إنى أعمل كوب شاي، هذه كلمات امرأة مصرية اسمها أحلام طارق إبراهيم بمدينة الغردقة، محافظة البحر الأحمر.

تبدو الكلمات شاذة، لأن تقطيع الحديد بصاروخ النار عمل الرجال وإعداد الشاى عمل النساء. هذا التقسيم للعمل على أساس نوع الجنس، ليس قانون السماء أو الطبيعة الأزلية الثابتة، بدليل أنه يتغير على الدوام، لكن علم الطب النفسى الحديث يعجز عن مواكبة التغيرات السريعة للنفس البشرية، ويعتبر هذه المرأة فاقدة للأنوثة أو مسترجلة، يسلبها من إبداعها وشخصيتها الإنسانية الأصلية، لكن هل يمكن لطبيب أن يفهم امرأة ذكية مبدعة، بعد أن حفظ نظريات سيجموند فرويد والتعاليم الذكورية المقدسة؟

أغلب الأطباء والأدباء والمفكرين فى مصر والعالم يقولون إن المرأة لغز غير مفهوم، كأنما هى من فصيلة غير فصيلتهم، ليس لها طموحهم الفكرى أو كرامتهم الإنسانية، أقصى ما يسعدها هو الزواج من أحدهم وتقديم الشاى له وهو مضطجع بالسرير يقرأ، أو جالس وراء مكتبه يفكر ويكتب.

عرفنا زوجات مفكرين كبار فى مصر وخارجها، لم يكن للزوجة منهن أى طموح خارج البيت، ليس لها ذات مستقلة عن زوجها، تستمد سعادتها من سعادته فى تحقيق ذاته، وتكبت فى أعماقها الحزن على ذاتها المفقودة ، فتمرض بالاكتئاب أو السرطان. وقد تقدم على الانتحار، لولا الخوف من عقاب الله. وعرفنا فنانات مبدعات وأديبات مفكرات، مصريات وغير مصريات، عاشت أغلبهن وحيدات دون زوج، من أجل الاستمرار فى عملهن المبدع. لا يفهم أغلب أطباء النفس أن للمرأة ذاتاً مستقلة عن زوجها وأسرتها، وأن أكبر حزن فى حياة المرأة يرجع إلى فشلها فى تحقيق ذاتها، وليس فشلها فى الحب أو الزواج أو الأمومة. لماذا تفضل امرأة تقطيع الحديد بصاروخ النار عن إعداد كوب شاى؟

ربما ورثت جينات القوة من الإلهة المصرية ازيس أو من الجدة الفلاحة التى كانت تشق الأرض بالفأس، أو من الأم «العتالة» التى كانت تصعد السقالات حاملة فوق رأسها الطوب والحجر، لكن الأهم هو التدريب منذ الطفولة، اشتغلت أحلام إبراهيم وهى طفلة بورشة الحدادة مع أبيها، امتلك الأب الوعى والشجاعة ليكسر الموروث، درب ابنته على تقطيع الحديد بالنار، والتعامل مع الصعوبات بقوة تفوق الرجال، ربما لم يكن له ابن، أو فشل الأب فى تدريب ابنه.

من حسن حظ البنت أن يكون لها أخ فاشل ليعتمد الأب عليها بدلا من ابنه، ربما أحبت الابنة فن الحدادة وأتقنته وأبدعت فيه إلى حد أن أصبح تقطيع الحديد بصاروخ النار أسهل لديها من عمل كوب شاي. هذه الكلمات لا تنطق بها إلا إنسانة تذوقت طعم الكرامة ولذة العمل المبدع، وتذوقت معهما متعة الحرية والاستقلال، وسعادة تحقيق الذات. وهذه هى منابع السعادة الحقيقية لأى إنسان أو إنسانة.

كلمات المرأة الحدادة بسيطة تلقائية، لكنها تنم عن ذات عبقرية تذوقت سعادة التحرر من الثوابت الموروثة منذ آلاف السنين، ذكرتنى بإحدى بطلات العالم فى حمل الأثقال. قالت: حمل الأثقال الحديد أخف عندى من أعمال الخدمة. عمل النساء هو الخدمة بالبيوت ومعها الطاعة والخضوع لسلطة الرجل المطلقة، ومن هنا ينبع الهوان والكمد الذى تعيشه النساء.

منذ طفولتى كرهت أعمال المطبخ والخدمة بالبيت، وإن حاول رجل، وإن كان بطلا وطنيا إعادتى الى مهنة الخدم، لا ينال إلا الاستئصال من حياتى اشتغلت فى بداية حياتى الطبية بجراحة الصدر، لاستئصال فص الرئة لمريض بالدرن، كان شق الضلوع بالمشرط أسهل عندى من تقشير بصلة واحدة فى المطبخ. وكانت صفات الأنوثة تشمل تقشير البصل ودعك المرحاض، وأيضا الإنفاق على البيت مع رب الأسرة دون حمد أو شكر.

ماذا عن الفتاة الفدائية الفلسطينية التى تفضل الانضمام لجيش التحرير الوطني، عن الحياة الناعمة مع أسرتها؟ كيف تفضل أن تحمل الكليشنكوف عن أن تقدم الشاى لزوجها؟ كيف تستخدم الحجاب لإخفاء السلاح وليس لإخفاء وجهها؟ كيف يصبح القتل عملا بطوليا وليس عملا ذكوريا فظا، يتناقض مع رقتها الأنثوية؟

فى السجن قابلت امرأة قتلت زوجها حين ضبطته مع امرأة فى فراشها، كانت غاية فى الرقة، لم يتصور أحد أنها يمكن أن تقتل بعوضة سمعتها تقول «لا أستطيع قتل بعوضة لكنى أستطيع قتل رجل يخون العهد».