أسوأ دولة يمكن أن تولد فيها النساء



مروان هائل عبدالمولى
2017 / 8 / 3

أن وضع المرأة اليمنية اليوم هو الأسوأ عالمياَ ولن يتحسن طالما ألدوله والمؤسسة الدينية وجماعات التطرف تقف وراء اضطهادها وتعنيفها وإقصائها من المشهد المجتمعي , وهي بحاجة ماسة لمعالجة الكثير من المشاكل الاجتماعية , التي تثقل كاهلها والتصدي لعادات وأعراف كثيرة من العصر الجاهلي تدفع ثمنها يوميا في أوقات السلم والحرب , فحجم المعاناة التي تعيشها كارثيه و مؤلمة , تنتهك وجودها , كرامتها و إنسانيتها و تجبرها على العيش في واقع متخلف لا أنساني مليء بالتهميش والاضطهاد , والفقر المدقع و العنف و الزواج ألقسري والتحرش و الابتزاز يصل إلى العنف الجماعي من قبل السلطات والمجتمع و الأسرة.
يوجد ظلم متعدد الأطراف يطال غالبية النساء في اليمن , من حيث التميز بموجب قانون الدولة و الأعراف والتقاليد القبلية ومن حيث العمل والفرص التعليمية وسلوك الشرطة والتفسيرات والإحكام القضائية وعلى مستوى الأسرة , وكانت قضية هروب الطفلة نجود البالغة من العمر 8 سنوات من بيت الزوجية قد كشفت عن جانب واحد من مآسي النساء وطفولتهن المخيفة والأعراف العبودية التي تطبق عليهن حتى ألان , ممارسات اندثرت منذ قرون , تسحق إنسانية المرأة والطفلة الأنثى , نجود طلبت الطلاق وهى في الثامنة من العمر وحصلت عليه , و كسرت حاجز صمت أبشع ممارسات القرن الواحد والعشرين في اليمن وهي الزوجة الطفلة " البيدوفيليا الحلال " او عرائس الموت فقد ماتت ( روان ) الطفلة ذات الثمانية أعوام ليلة زفافها نتيجة تمزق في أعضائها التناسلية بعد زواجها من رجل في الأربعين , ( إلهام العشى) 12 عاماً ماتت بعد 3 أيام من زواجها بسبب العنف الجنسي وهناك الكثير من الحالات المشابهة للزوجة الطفلة تنتهي باتجاه القبور أو المستشفيات أو بالإعاقة الدائمة , ناهيك عن قصص كثيرة لقضايا قتل لم يبلغ عنها و انتحار نساء بسبب العنف وسوء المعيشة والفقر , وقد كشف تقرير نشره المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخراً , حول أوضاع النساء في 142 دولة من الناحية الاقتصادية والأكاديمية والسياسية والعنف والرعاية الطبية , احتلال اليمن للمركز الأخير في العالم و فيما يتعلق بحقوق المرأة ونسب إليها لقب أسوأ دولة يمكن أن تولد فيها النساء .
إن القوى السياسية والدينية اليمنية بعد الوحدة تعاملت بكل خبث و تخاذل وانتهازية مع كل ما يتعلق بحقوق المرأة ولم تتبنى قضاياها إلا للاستعراض الانتخابي و الإعلامي , وبعد سيطرة الطغمة الطائفية الحوثيه المشبعة بالتخلف والجهل على السلطة في صنعاء قامت هذه الجماعة بارتكاب أسوأ الفظائع والانتهاكات ضد النساء سببت لهن الآلام النفسية العميقة , وعرضت الكثير منهن للإهانات والإذلال و التحرش و منعتهن من العمل في المدن والمناطق والمؤسسات , التي يسيطرون عليها وسط حالة معيشية صعبة , فهذه الجماعة تملك عقلية العصور الوسطى و لم تسمع بعيد الأم ولا باليوم العالمي للمرأة ولا بالإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة , وللأسف بسبب هذه الجماعات وأشباهها ومن يدعمها ويدور في فلكها يظل ملف حقوق المرأة في اليمن دائما ما يحتل أدنى المراتب وأسوأها وتأتي في المراكز الأخيرة عالميا .
كانت المادة (31) من الدستور اليمني تنص على أن " النساء شقائق الرجـال ولهن من الحقوق وعليـهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينـص عليـه القانـون " ومع ذلك تعرضت النساء في اليمن إلى أبشع صور العنف والتمييز والتهميش والإقصاء والتحقير , وفي اعتقادي كان من المفروض أن يعرف الدستور حقوق المرأة بنص صريح و واضح يوفر ضمانات وحقوق للمرأة, بسبب علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة في الدولة , و من اجل التطبيق الفعلي لحقوق المرأة كاملة , وليس الاختباء وراء مادة دستورية مبهمة وناقصة , اختفى من جوهرها الحقوق الأساسية للمرأة , وصعدت في ثناياها الواجبات حسب الشريعة والقانون التي خالفت الدستور و مسحت , حتى مكاسب وحقوق المرأة الجنوبية قبل الوحدة , المرأة التي كان المجتمع الجنوبي يقبل حضورها و عملها ومشاركتها في مختلف مجالات الحياة , حيث كانت متواجدة في سوق العمل و ميادين التعليم والفن والأعمال والوظائف الحكومية والأمن وأظهرت ذكاء ومهارات عالية , واثبت حضور قوي ومؤثر في كل مراحل التنمية والتطور في التاريخ الجنوبي المدني والعسكري , وحظيت وقتها بأكثر القوانين تقدمية مقارنة بنظيراتها في كثير من الدول العربية , أما بعد الوحدة , فلم تسلم المرأة الجنوبية من سلبيات الواقع المشين والمعقد وسقطت مع أخواتها في الشمال في براثن الأفكار الرجعية المتخلفة, بسبب البعد الثقافي والموروث القبلي المتحجر والعادات والتقاليد وكثافة المكونات المتشددة , التي قللت من قيمة المرأة و حجمت من دورها وحصرتها بين مفاهيم الحرام والعيب والعورة ونقاشات و فتاوى تثير الاشمئزاز حولت جسدها إلى أم القضايا تصل إلى الفاصل الوحيد بين الجنة والنار وتتقدم على القضايا الوطنية كالاقتصاد والسياسة والبطالة والأمن والعلاقات الدولية , أدت في النهاية إلى انحسار دورها في عملية بناء المجتمع و بقائها على حالة الضعف والخضوع والتكيف ألقسري مع أوضاعها اللانسانية وسط الإمراض و الجوع و النزوح والتشرد والحصار .
حكومات ما بعد الوحدة اليمنية وقعت على كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان , بما فيها تلك الخاصة بحقوق المرأة و لم تتخذ أي خطوات عملية تجسد التزاماتها واحترامها لمجال حقوق الإنسان ما دفع منظمة العفو الدولية إلى وصف توجهاتها تجاه هذه المعاهدات والاتفاقيات بأنه تصديق دون تطبيق , و مؤخراً التقى رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي اللواء عيدروس الزبيدي في العاصمة عدن بقيادات المكونات النسوية الجنوبية من اجل إعادة وتفعيل و مشاركة المرأة في عملية بناء مستقبل الدولة القادمة و إفساح المجال للمرأة الجنوبية لتكون شريكة في صناعة القرار وهي بداية مبشرة لعودة تدريجية إلى حقوق المرأة الجنوبية الشخصية والعائلية وفي العمل أو عدمه .. إلخ .
هناك دول عربية تحترم المرأة ولا تتهاون في مجال الدفاع عن حقوقها مثل تونس والكويت والإمارات , ففي الدستور الكويتي نصت المادة (29) من الباب الثالث: الحقوق والواجبات العامة: (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية, وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة, لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين), وقد صدقت الكويت في عام 1994 على الاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة , والتي اعتمدت من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر1979 وتعد هذه الاتفاقية هي الوثيقة الأساسية التي تتضمن حقوق المرأة , وكذلك الإجراءات العملية التي يجب أن تتخذها الدول للقضاء على التمييز ضد المرأة في مختلف مناحي الحياة في المجتمع , أما الإمارات فقد انضمت في أغسطس 2004 إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة , و وضعت الحكومة ومؤسساتها النسائية وثيقة لتفعيل دورة المرأة ومشاركتها الإيجابية في مختلف الميادين وأطلق عليها اسم “ الإستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة في الإمارات ” , وقد ارتكزت هذه الوثيقة الإستراتيجية و بأهدافها وآلياتها و على عدد من المنطلقات المجتمعية من أهمها: دستور الدولة وما ورد فيه من بنود ومواد توفر ضمانات وحقوق للمرأة , و في تونس التي تعتبر رائدة الدول العربية في مجال حقوق المرأة اقر برلمانها في 26 يوليو 2017 بالإجماع مشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة ونص القانون على منح الضحايا مساعدة قضائية ونفسية ويفرض برامج محددة من أجل زرع "مبادئ القوانين الإنسانية والمساواة بين الجنسين" في المناهج التعليمية , وفي تونس أيضا ومنذ 1956 يمنع القانون التونسي تعدد الزوجات ويمنح المرأة حق تطليق زوجها والمساواة في العمل وفي المجال السياسي .
جاء في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة ما يلي:
" نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية " .


د / مروان هائل عبدالمولى