موقفنا من قضية ( زنا المحارم ) / الجزء الثالث



رياض العصري
2017 / 8 / 8

ذكرنا سابقا بان عقيدتنا تنتهج النهج العلمي والواقعي في التعامل مع المشاكل الاجتماعية ومنها مشكلة زنا المحارم ، حيث يتم معالجتها لغرض الحد منها وبما لا يتعارض مع مباديء حقوق الانسان ، وقد ذكرنا سابقا بان اسباب هذه الظاهرة على نوعين : اسباب ذاتية واسباب موضوعية ، الاسباب الذاتية تتعلق بالشخص ذاته مرتكب فعل زنا المحارم ، وهذا يتم التعامل معه حسب حالته العقلية او النفسية ويتم اخضاعه للعلاج القسري عضويا ونفسيا حماية للمجتمع من اضراره ، واننا نرى بضرورة الاهتمام بتوجيه الابحاث العلمية نحو طرق وقاية الاجيال اللاحقة من مثل هذه العلل والامراض العقلية والنفسية التي تؤدي الى زنا المحارم ، اما الاسباب الموضوعية فتتعلق بالنظامين الاجتماعي والسكني ، اذ يتوجب على النظام الاجتماعي فسح المجال للاختلاط بين الجنسين في الحياة العامة ومنذ طفولة الانسان في رياض الاطفال والمدارس وحتى ما بعد التخرج من الجامعات ، وان يظل نظام الاختلاط مرافقا للمواطن في عمله وفي كافة نشاطاته طوال حياته ، فالاختلاط بين الجنسين في المدارس وفي الاماكن العامة ضروري لاحداث التوازن في شخصية الانسان كي لا يصاب بالكبت والحرمان مع ضرورة فسح المجال لممارسة الحريات المختلفة بشرط وضع الضوابط لمنع الفلتان في هذه الممارسات ، هذا مع العلم بان ظاهرة الاختلاط بين الجنسين موجودة في جميع دول العالم الشرقية والغربية ما عدا الدول الاسلامية التي يتوجب عليها اعادة النظر في انظمتها الاجتماعية بما ينسجم مع طبيعة العصر ، وحتى لو ادى هذا النظام الى بعض المشاكل فانه يجب عدم التراجع عنه ، والحقيقة اذا كان رفع الحواجز بين الجنسين يؤدي الى وقوع مشاكل اجتماعية فان وضع الحواجز بين الجنسين يؤدي ايضا الى وقوع مشاكل اجتماعية ، ولكننا نرى بان رفع الحواجز اقل ضررا على المجتمع من وضع الحواجز ، وان سياسة منع الاختلاط بين الجنسين في الحياة العامة ستؤدي الى نتائج معاكسة حيث الارتداد نحو الحياة الخاصة المغلقة لتفريغ الشحنات الجنسية وبالتالي تقع حوادث زنا المحارم وهذا ما لا نرغب به ، ومن هنا نرى بان تفريغ الشحنة الجنسية بين الغرباء هو اقل ضررا على النظام الاجتماعي من تفريغها بين الاهل والاقرباء ، ومن الجدير بالذكر ان النشاط الجنسي لدى البشر ليس متساوي في المقدار لدى جميع الافراد .. فهناك اشخاص يتمتعون بنشاط جنسي مرتفع ، وهناك اشخاص يكون نشاطهم الجنسي منخفض ، ويجب ان نتفهم هذا الاختلاف ونتعامل معه كظاهرة طبيعية ، كما يجب ان نتقبل وجود الظواهر الشاذة في المجتمع ونتعامل معها باعتبارها من منتوجات الطبيعة بشرط عدم الاضرار بالكيان الاجتماعي ، اننا ننظر الى المثلية الجنسية بين الاقرباء بنفس نظرتنا الى الزنا بين الاقرباء ونعتبرها جميعا تصرفات شاذة ومرفوضة اجتماعيا ولكن يتحتم التعامل معها بعقلانية بعيدا عن اساليب العنف والتعسف ، العلم يقدم تفسيره لظاهرة المثلية على انها نتاج العشوائية في الطبيعة التي تنتج كائنات حية تميل جنسيا لنفس جنسها مما لا يتفق مع القاعدة العامة للميل الجنسي بين المختلفين جنسيا ، ولكن هذه هي الطبيعة وهذه بعض نتاجاتها ، ويتحتم علينا القبول بوجود الجنسية المثلية لانها احدى نتاجات عشوائية الطبيعة ، في العلم والطب لا يعتبر التوجه الجنسي اختياراً، وانما تفاعلاً معقداً لعوامل بيولوجية وبيئية ، حيث أظهرت الأبحاث أن المثلية الجنسية هي إحدى التنوعات الطبيعية في الميول الجنسية الإنسانية ، اما بشأن النظام السكني فيتوجب اصلاحه بما يسهم في الحد من حوادث زنا المحارم من خلال جعل تصاميم المساكن المخصصة للأسر ضمن شروط ثابتة ومعتمدة رسميا من قبل الدولة ولا تسمح بمخالفة تلك الشروط ، من هذه الشروط ان تكون لكل عائلة مسكن منفصل ولا يجوز ان تسكن اكثر من عائلة في مسكن واحد ، وان يشتمل كل مسكن مخصص للعائلة على غرفة نوم منفصلة للوالدين ، وغرفة نوم منفصلة للابناء للذكور ، وغرفة نوم منفصلة للاناث ، ولا يجوز ابدا الجمع بين الابناء الذكور والاناث في غرفة نوم واحدة لان هذه من العوامل المساعدة على نمو ظاهرة زنا المحارم ، وكذلك يجب ان يكون لكل شخص منامه الخاص به ولا يجوز اشتراك اكثر من شخص في العائلة في منام واحد ، كما يجب ان تكون الحمامات الخاصة بالوالدين منفصلة عن الحمامات المخصصة للابناء حفاظا على المكانة الاعتبارية للوالدين ، وفي نظم تصميم الاحياء السكنية يجب ان تراعى حرمة المنازل في طريقة تصميمها واحترام خصوصيات ساكنيها .. فلا تنكشف للاخرين من الجيران لا في الصورة ولا في الصوت ، وبذلك يبقى الكيان الاجتماعي متماسكا مترابطا ، والان ننتقل الى تحديد عناصر رابطة القرابة المشمولين بوصف المحارم ، وقبل ذلك نعرّف رابطة القرابة فنقول بانها الرابطة التي تنشأ نتيجة التزاوج بين الافراد وما ينجم عن هذا التزاوج من ولادات او افراد جدد ، فالانسان لم يكن ليوجد في الحياة لولا التزاوج بين ابيه وامه ، وبوجود الانسان وجدت رابطة قرابته لأبيه واقربائه .. ورابطة قرابته لأمه واقربائها ، توصف هذه الرابطة في مجتمعاتنا بانها رابطة الدم او رابطة النسب ، ويصح ايضا وصفها برابطة الجينات الوراثية ، وبناءا على التعريف لا يعتبر الشخص المُتبنى ضمن رابطة القرابة لانعدام رابطة الدم ، رابطة القرابة تقع في مراتب نطلق عليها درجات القرابة ، الموقع القرابي لكل انسان تجاه انسان آخر قريب له يختلف حسب درجة القرابة ، لكل انسان شبكة اقرباء يشكلون دوائر متداخلة مع بعضها ، ولكن هناك سلسلتين للنظام القرابي يمكن اعتمادهما في بيان عناصر القرابة المشمولين بوصف المحارم : السلسلة الاولى تكون مباشرة وهي عبارة عن خطوط تمتد مباشرة من الاجداد الى الاحفاد عبر العناصر الثلاثة للسلسلة ( الاب ، الام ، الابن / الابنة ) وهذه تسمى قرابة الخط المستقيم وهم جميعا من المحارم ، اما السلسلة الثانية فتكون غير مباشرة وهي عبارة عن خطوط عديدة تمتد بشكل غير مباشر وهذه تسمى قرابة الخط المنحرف ، وتشمل عناصر السلسلة الثانية ( الخط المنحرف ) ما يلي :
عناصر الخط الاول ( الاخ / الاخت ... الاشقاء وغير الاشقاء )
عناصر الخط الثاني ( ويشمل العم ، العمة ، الخال ، الخالة ... الاشقاء وغير الاشقاء )
عناصر الخط الثالث ويشمل أبناء عناصر الخط الثاني
هؤلاء العناصر في السلسلتين المذكورتين آنفا ( الخط المستقيم والخط المنحرف ) يشملهم جميعا وصف المحارم وفقا لرؤيتنا ولا تجوز الممارسات الجنسية معهم حفاظا على سلامة النظام الاسري والنظام القرابي والنظام الاجتماعي ، هذا ومن المعلوم بان نسل التزاوج بين الغرباء يكون افضل جينيا من نسل التزاوج بين الاقرباء وفقا لعلم الوراثة ، وبالتاكيد ان منع الممارسات الجنسية يعني منع التناكح تحت اي دافع او غرض او صفة ، هذا وان المنع يشمل ايضا ازواج عناصر الخطوط الثلاثة المذكورة آنفا ، ويشمل ايضا اقرباء الدرجة الاولى ( الخط المستقيم ) لكل من الزوج والزوجة فهؤلاء يعتبرون من المحارم ، كما يشمل المنع درجات القرابة الخاصة وهي التي تنشأ بين افراد لا تربطهم رابطة الدم وانما الرابطة التي نشأت نتيجة تزاوج اقرباء لهم من شركاء سبق لهم الزواج ولديهم ابناء من زيجاتهم السابقة ، وان المشمولين بالقرابة الناجمة عن هذه الحالة تكون مواقعهم في سلسلة القرابة مواقع اعتبارية ( او تمثيلية ) وليس مواقع حقيقية ، وتعامل المواقع القرابية الاعتبارية بنفس معاملة المواقع القرابية الحقيقية من حيث قيود زنا المحارم مثل ( زوج الام يكون بمكانة الاب ، زوجة الاب بمكانة الام ، ابنة الزوجة بمكانة الابنة ، ابنة زوجة الاب بمكانة الاخت ) حيث ان عدم وجود رابطة الدم في هذا النوع من القرابة لا يترتب عليه رفع المنع ولا يزيل قيود زنا المحارم تجاههم .. والمنع هنا نهائي ولا يتغير بتغير الاحوال ، هؤلاء الذين تم توضيح حالاتهم في اعلاه هم المشمولين بوصف بالمحارم وفقا لعقيدتنا .
يتبع الجزء الرابع والاخير