وداعا المناضلة فاطمة أحمد إبراهيم



تاج السر عثمان
2017 / 8 / 13


رحلت عن دنيانا الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم بعد تضحيات جسام من أجل تحرر وتقدم المرأة السودانية، وبعد أن سارت مع زميلاتها في الحركة النسائية في الطريق الذي إختطه رواد الحركة الوطنية منذ عشرينيات القرن الماضي من اجل حق المرأة السودانية في التعليم والعمل وتحررها من الجهل والتقاليد البالية التي تثقل خطاها مثل: خليل فرح وعرفات محمد عبد الله والامين علي مدني . الخ. لقد سارت فاطمة مع رائدات الحركة النسائية بعد الحرب العالمية الثانية ونهوض الحركة الجماهيرية من أجل الاستقلال في طريق النضال من أجل تحرر المرأة السودانية من الاضطهاد المزدوج كمواطنة وكجنس والدفاع عن حقوق الأسرة والأطفال ، خاضت معارك ضارية ضد الاستعمار والأنظمة الديكتاتورية وضد تخلف المجتمع وثقل تكويناته الاجتماعية وعاداته وتقاليده المكبلة لحرية المرأة وحرياتها وتعرضت للقمع والاضطهاد والتشريد وصمدت في وجه الجلادين الذين أعدموا زوجها الشهيد الشفيع أحمد الشيخ رئيس إتحاد نقابات عمال السودان حتي تم القضاء علي الأنظمة الاستعمارية والديكتاتورية في الاستقلال 1956 واكتوبر 1964 وابريل 1985، وحتي إنتصرت قضية المراة السودانية واصبح للمرأة السودانية وجودا فاعلا في كل مناحي الحياة السودانية. نشأت في أسرة متعلمة ومستنيرة مما ساعدها في الوعي بالظلم الاجتماعي الواقع علي المرأة، من أشقائها الشاعر صلاح أحمد إبراهيم والمهندس مرتضي أحمد إبراهيم وزير الري السابق.
منذ دراستها في مدرسة امدرمان الثانوية بنات خاضت صراعا ضد المعاملة الدونية للمرأة والطالبات من قبل مديرة المدرسة الانجليزية، ونظمت مع زميلاتها أول إضراب ضد تلك المعاملة المهينة والمذلة للطالبات حققن إنتصارا.
بعد التخرج شقت طريقها في العمل من أجل تحرر وتقدم المرأة السودانية سيرا في الطريق الذي بدأ بتكوين رابطة المرأة السودانية في أواخر العام 1946 بقيادة د. خالدة زاهر والاستاذة فاطمة طالب وأخريات ، وكان ذلك بمبادرة من قيادة الحركة السودانية للتحرر الوطني" الحزب الشيوعي فيما بعد" التي تأسست في أغسطس 1946.. وكانت الحركة السودانية من أوائل الأحزاب السياسية التي اهتمت بقضية تحرير المرأة وتنظيمها ، وكانت د. خالدة زاهر أول سودانية تنضم للحركة السودانية" حستو".. ثم بعد ذلك استمر تنظيم المرأة ونشأت نقابة الممرضات عام 1947 ، وتأسست نقابة المعلمات عام 1949م برئاسة نفيسة المليك، وتم تكوين رابطة النساء الشيوعيات بعد المؤتمر التداولي الأول للحركة السودانية، وانضمت فاطمة لرابطة النساء الشيوعيات، وتأسست الجمعية الخيرية في الأبيض عام 1951 وغير ذلك من الاشكال التي بدأت تعبر بها المرأة السودانية عن وجودها وقضيتها.
بمبادرة من قيادة الحركة السودانية تم اقتراح فكرة تكوين تنظيم نسائي يدافع عن قضية المرأة كمواطنة وكجنس ، وتمّ تكوين لجنة تمهيدية للاتحاد النسائي يوم 31 يناير 1952 ، وفي ابريل من العام نفسه تكونت أول لجنة تمهيدية للاتحاد النسائي من:1- د. خالدة زاهر " طبيبة"، 2- فاطمة طالب " معلمة"، 3- ثرياالدرديري" طالبة بجامعة الخرطوم"، 4- نفيسة المليك " معلمة" ، 5- نفيسة محمد الأمين " معلمة" ، 6- سعاد الفاتح " طالبة جامعية"، 7- شول أدهم " ممرضة"، 8-ثريا أمبابي " معلمة"، 9- سعاد عبد الرحمن" معلمة"، 10- حاجة كاشف " طالبة بالجامعة"، 11- عزيزة مكي " معلمة"، 12- خادم الله عثمان " ممرضة" ، 13- فاطمة عبد الرحمن" معلمة" ، 14 محاسن عبد العال " معلمة"، 15 – فاطمة أحمد إبراهيم " معلمة"، 16 خديجة مصطفي " معلمة"
في اول برنامج للاتحاد احتلت حقوق المرأة في التعليم والعمل أهمية كبيرة ، إضافة للتثقيف والتدريب ومحاربة العادا الضارة والجهل ومحو الأمية.الخ.( راجع فاطمة أحمد إبراهيم : حصادنا خلال عشرين عاما ).
وبعد إتفاقية 1953 طالب الاتحاد النسائي بمنح المراة حق الإنتخاب والترشيح، ووافقت لجنة الانتخابات لخريجات الثانوي والجامعة وكان ذلك خطوة للامام ، الجدير بالذكر أن الأخوات المسلمات في الاتحاد سعاد الفاتح وثريا امبابي عارضت ذلك المطلب واستقالتا من عضوية الاتحاد النسائي ، وكان ذلك هزيمة لخط الأخوان المسلمين الهادف لابتعاد النساء عن السياسة، وبعد ذلك ركبوا الموجة وافقوا علي مشاركة النساء في السياسية بعد أكتوبر 1964!!.
في العام 1954 نال الاتحاد النسائي شرف الانتساب للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي.
في العام 1955 تاسست صحيفة " صوت المرأة" المعبرة عن الاتحاد النسائي وكانت رئيسة تحريرها وصاحبة الامتياز الاستاذة فاطمة أحمد ابراهيم.
في دورة العام 56/ 1957 تمّ إنتخاب فاطمة أحمد ابراهيم رئسية للاتحاد النسائي السوداني.
بعد إنقلاب 17 نوفمبر 1958 ، تمّ حل الاتحاد النسائي رسميا عام 1959 ، ولكن تواصل نضال الاتحاد السري ضد الديكتاتورية لتزييف ارادة المرأة السودانية، وحاولت تكوين تنظيم تابع للسلطة الا أنها فشلت، ولعبت صحيفة صوت المرأة دورا كبيرا في مقاومة الديكتاتورية، كما ساهمت المرأة السودانية بفعالية في المظاهرات ضد الديكتاتورية حتي تم تتويج نضال الشعب السوداني باسقاط النظام الديكتاتوري العسكري في ثورة اكتوبر 1964.
بعد ثورة اكتوبر ونتيجة لنضال المرأة السودانية التي تعرضت للقمع ، إنتزعت المرأة السودانية حق التصويت والترشيح للانتخابات، ونزلت فاطمة أحمد ابراهيم في انتخابات الخريجين التي جرت في يونيو 1965، وفازت بعد أن احتلت المرتبة الثالثة في قائمة الفائزين ونالت 5918 صوتا.وكانت بذلك أول نائبة برلمانية في السودان وأفريقيا والمنطقة العربية.
في هذه الفترة فترة الديمقراطية الثانية تحققت مكاسب كثيرة للمرأة السودانية ومطالب كانت ضمن برنامج الاتحاد النسائي مثل : الأجر المتساوي للعمل المتساوي بين المرأة والرجل، وساهم الاتحاد النسائي في بناء المدارس وتوسيع تعليم البنات ، إضافة لفصول المسائية لمحو الأمية وتدريب المرأة السودانية، واستطاع الاتحاد النسائي أن ينتشر في أقاليم السودان المختلفة، ومخاطبة قضايا المرأة السودانية في الريف السوداني ، وتحولت الحركة النسائية من حركة صفوية لمتعلمات ومثقفات الي حركة جماهيرية واسعة، بحيث التفت جماهير النساء حوله، الشئ الذي هزم كل مخططات السلطة لتصفية الاتحاد النسائي بدءا من نظام عبود والنميري والبشير الحالي، وتم تكريس العمل الطوعي والجماهيري فعلا لاقولا.
في أكتوبر 1967 تمّ المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني ، وتمّ انتخاب فاطمة أحمد عضوة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ضمن أربع زميلات هن : سعاد إبراهيم أحمد ونعيمة بابكر ومحاسن عبد العال. استمرت فاطمة أحمد إبراهيم عضوة في اللجنة المركزية ، وكان لها مساهماتها المقدرة والمكتوبة في مداولاتها، وكانت في قمة الانضباط في تنفيذ الواجبات والتكاليف الحزبية، والدقة في الحضور للمقابلات والاجتماعات حتي في ظروف السرية الحالكة. واصلت فاطمة في اللجنة المركزية حتي المؤتمر الخامس ، واعتذرت عن الترشيح مرة أخري بسبب ظروفها الصحية.
وبعد انقلاب 25 مايو 1969 ، قاومت فاطمة تصفية الاتحاد النسائي وتذويبه داخل السلطة الشمولية ، وتم فضح وتعرية تنظيم السلطة حتي تمت هزيمته . استمرت مقاومة الاتحاد النسائي لديكتاتورية مايو بعد ردة 22 يوليو 1971 الدموية بتنظيم المواكب لأسر الشهداء والمعتقلين وضد الغلاء ومصادرة الحريات ومواجهة النظام وهزيمته أمام المحاكم مثل مهزلة المحكمة التي نظمها النظام لفاطمة بعد قوانين سبتمبر 1983 التي أذلت الشعب السوداني ، وكان ذلك متزامنا مع نضال الحركة الجماهيرية حتي قيام إنتفاضة ابريل 1985م.
تم إختيارها رئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي ، كما نالت جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
اهتمت بتلخيص تجربة الاتحاد النسائي وسيرتها الذاتية في كتابها بعنوان " حصادنا خلال عشرين عاما". الصادر عام 1976م. ولها مساهمات أخري مثل كتاب عن: قضايا المرأة العربية ، إضافة لمقالاتها ومساهماتها في مجلة “ صوت المرأة” ، ومجلة “الشيوعي “ المجلة الداخلية للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني والصحف الأخري والمؤتمرات العالمية التي تناولت فيها قضايا ومشاكل ومطالب المرأة السودانية.
في كل الصراع الداخلي الذي دار في الحزب الشيوعي السوداني، وقفت فاطمة أحمد إبراهيم مع وحدة الحزب ورفضت الاتجاهات اليمينية واليسارية المتطرفة التي دعت لحل الحزب الشيوعي وإنهاء كيانه المستقل في: فبراير1952 وأغسطس 1964 وسبتمبر 1970 ومايو1994 ، كما دافعت عن الوجود المستقل للاتحاد النسائي كتنظيم ديمقراطي جماهيري إستمد وجوده وشرعيته من القاعدة الواسعة لجماهير النساء ضد الهجوم الكثيف للنظم الديكتاتورية ضده والقوي المعادية له.
أخيرا الحديث عن مناقب الأستاذة فاطمة يطول ، ونكتفي بهذا القدر، لها الرحمة والمغفرة والعزاء لأبنها أحمد و لأسرتها ولجماهير الشعب السوداني وللمرأة بصفة خاصة.