فاطمة أحمد إبراهيم



فهد المضحكي
2017 / 8 / 19

لم يكن رحيل المناضلة فاطمة خسارة فادحة للحركة النسائية السودانية والعربية والعالمية فحسب، بل لليسار والشيوعيين في السودان وخارجه.
كانت حياتها متواصلة من العمل السياسي والحقوقي، وعندما انتخبت كأول سيدة في البرلمان السوداني عام 1965 لم تتردد في المطالبة بحقوق المرأة كاملة، كما تصدت لكافة اشكال التمييز ضد المرأة مطالبة بالمساواة على صعيد الاجر وتولي المرأة مواقع اتخاذ القرار، ولم تتردد ايضًا في الدفاع عن حق المرأة في اجازة الولادة المدفوعة الاجر، وإلغاء قانون بيت الطاعة.
وبالرجوع إلى سيرتها السياسية فهي من القيادات التاريخية في الحزب الشيوعي السوداني، وفي الظروف النضالية الصعبة تعرضت للملاحقات البوليسية من قبل الحكومات العسكرية وإلى السجن، ومع ذلك واصلت طريقها بشجاعة من أجل غد افضل، وليس هناك مكان في حياتها للتراجع عن المبادئ، كما فعل بعض النخب السياسية، أو الانكسار، وهي حقيقية تاريخية عندما أعدم الديكتاتور النميري زوجها القائد النقابي الشفيع أحمد الشيخ عام 1971. وفي هذه المناسبة وجهت رسالة إلى الطاغية جعفر النميري وهو في قمة تسلطه وعطشه للدماء (المصدر الكاتب صديق الزيلعي) وهذا نصها: لقد وصلنا مندوبكم لاستلام وسام النيلين، وها هو الوسام مردود اليكم، ولم اشعر براحة في حياتي مثلما شعرت بها الآن، اذ ان تجريد الشفيع منه مَنحه فرصة اختتام حياته بما يتناسب مع الطريق الذي اختطه لنفسه.. فرصة تتناسب مع تاريخه النظيف وكفاحه الصلب الغيور وتضحياته العظيمة من أجل شعبه عامة والطبقة العاملة خاصة، ويكفيه فخرًا ورفاقه عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ انهم من الرواد الذين رفعوا راية الكفاح من أجل الاستقلال وبينوا للشعب حقيقة الاستقلال بمحتواه السليم التقدمي تعرضوا من أجل ذلك للإعدام والسجن والمطاردة.
يكفيه فخرًا انه ورفاقه الرواد الأوائل الذين رفعوا شعار الاشتراكية الاصيلة وناضلوا من أجل توعية الشعب والدفاع عن مصالحه، ونظموا الطبقة العاملة والفئات الشعبية في منظمات ديمقراطية كان لها الفضل الأول في تثبيت الحكم الذي تتمتعون به، وتعرضوا في سبيل ذلك لكل أنواع الاضطهاد وقدموا اعظم التضحيات.
سيكفيه فخرًا انه من قادة الطبقة العاملة، وابنًا بارًا عرفه الشعب مناضلًا جسورًا وقائدًا متواضعًا لم تدفعه الاغراءات بكرسي الوزارة ولم يخفه السجن والاضطهاد للتخلي عن مصالح الطبقة العاملة، وهكذا عرفه الشعب وعرفته الطبقة العاملة ولم يعرفوه فجأة حاكمًا مستبدًا مغرورًا.
إنه مات مظلومًا وشهيدًا، مات ميتة ابطال وهو يهتف بحياة شعب وكفاح الطبقة العاملة.
وزيادة على ذلك فقد هز موته العالم كله، وتردد اسمه بالتمجيد في كل اذاعة وصحيفة، واحتجت على قتله وسخطت عليكم حتى الصحف اليمينية في العالم الغربي، واعترفت وسجلت تاريخ نضاله الابيض الخالد، وحتى بعد موته ظل العالم يطالبكم بنشر تفاصيل ووثائق اغتياله سرًا وفي ساعات، وعدم علانية محاكمته.
رفضكم في حد ذاته ادانة واضحة لكم لا يمكن ان تخفيها مبررات أو محاولات للتزوير بعد ذلك.
لقد كنا فقط نطالب ونتوقع محاكمة عادلة على الاقل في المستوى الذي تمتع به اشتاينر عميل الاستعمار.
وطبعًا اذا كنا نعرف سلفًا دوافع قتلهم والجهة التي خططت له، لا يمكن ان نطمح في المعاملة التي عاملتم بها من حمل السلاح في وجه احداث الجيش وثبتت ذلك بالدليل القاطع، والذين لم يقدموا للمحاكمة حتى الآن، رغم مضي اكثر من عام على ذلك.
هذا وأنا ارد لك الوسام الذي منحتموني اياه، لأنه ما يشرفني في يوم من الأيام ولن يشرفني، ورده يعبر عن شكري على منحكم الشفيع فرصة موت شريفة وخالدة واثبات لبطولته، ويعبر عن اشمئزازي من ارتكاب افظع جريمة قتل في القرن العشرين.. جريمة قتل الابرياء الشرفاء باسم الثورة والتقدم، ويعبر عن ايماني واقتناعي التام بحتمية انتصار الثورة السودانية الحقيقية بعد ان صمدت واكتسبت خصوبة بدماء اعز واشرف ابنائها.
وبهذا النهج لا يكون غريبًا على فاطمة ابراهيم (المرأة التي هزت عرش الرجال) التضحية في معركة التقدم، فهي رائدة في مسيرة النضال الوطني والسياسي والطبقي، وهو ما يشهد عليه تاريخها السياسي الناصع وهي تكافح ضد اعداء الحرية والمرأة والعدالة الاجتماعية، من أنظمة عسكرية كنظام عبود والنميري، ورجعية تتمثل في الاصولية الاسلامية وتوجهاتها التكفيرية والاقصاء والارهاب الفكري والارهاب المسلح!.
ولا شك ان نضالها من اجل حقوق المرأة في المساواة والعدالة عربيًا وعالميًا نابع من هذا النهج الذي يدعو إلى القضاء على كل بقايا العبودية والتخلف.. ولهذا وفي عام 1991 تم اختيارها رئيسة للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، كما احرزت سنة 1993 جائزة الأمم لحقوق الانسان.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في السودان احتدم الجدل بين الاسلاميين بخصوص تشيع فاطمة ابراهيم، إذ طاب بعض المتشددين بعدم الصلاة على الراحلة أو قراءة الفاتحة على روحها بحجة الالحاد والشيوعية!.
وهو ما حدث لسكرتير الحزب الشيوعي السوداني الراحل محمد ابراهيم نقد عندما طرح صحافي اسلامي سؤالًا هل كان يؤدي الصلوات الخمس؟
لقد رحلت فاطمة ابراهيم، ولكن ذكراها ستبقى عطرة لرفاق الدرب وانصار الحرية والمساواة والتقدم.
وسيظل فكرها منارة ملهمة وشعلة متوهجة تضيء الدروب المظلمة.

المصدر: الأيام البحرينية