اغتصاب في حافلة للنقل العمومي.. ثم ماذا بعد؟



عفراء علوي محمدي
2017 / 8 / 23

الشعور بالمذلة والإهانة والخزي والتقزز، والحزن أيضا على واقع مرير مؤسف، هذا ما ينتابك تحديدا بعد مشاهدة شريط الفتاة المغربية التي تغتصب من طرف وحوش آدمية في قلب حافلة للنقل الحضري بالدار البيضاء.. على مرأى الركاب والسائق.. دون أن يحرك أحد ساكنا أو ينبس شخص ببنت شفة، بل أكثر من ذلك، هناك من استدار لتصوير المشهد "البديع" و"المثير" في سادية وتلذذ، فلم يهتز وريد واحد فيه إشفاقا على الضحية. حسن، دعونا من أشرار ركاب الحافلة وسائقها، ولنحاول وضع الإصبع على بؤرة المشكل..

بعد نشر الفيديو على نطاق واسع، بطبيعة الحال دون مراعاة أو إكثرات بشرف الفتاة التي تبدو فيه عارية تماما، تم اعتقال المشتبه فيهم الستة بارتكاب هذه الجريمة، لكن، هل يكفي ذلك حقا؟ هل تكفي إحالة هؤلاء المراهقين على القضاء؟ أو ليست مثل هذه الجرائم تحدث يوميا في غفلة عنا، دون أن يحكي عنها أحد، ودون أن توثق؟ وخير مثال على ذلك واقعة أثان سيدي قاسم التي لم نكن لنعرف عنها شيئا لولا إصابة الأشقياء بالسعار جراء اغتصابهم للدابة؟

أضحكني بعض الأشخاص ملء شدقي، بقوله إن الضحية كانت ترتدي لباسا فاضحا، ما جعل القاصرين الستة يطمعون في اغتصابها والتنكيل بها، وأن هذا ما تستحقه، ولا بد أن الواقعة ستكون مثالا واعظا لكل الفتيات اللواتي يرتدين لباسا مماثلا؛ لابد أن الفهيم وأمثاله يقصدون أن علينا أن نخرج مختبئات في خيم سوداء خانقة حتى يبقوا هم على خاطرهم، وحتى نشعر نحن بالأمن والأمان والسلم والسلام في بلد الحق والقانون والحريات.

من السخافات المضحكات المبكيات أيضا، أن من بين المعلقين من قال إن هؤلاء أطفال صغار، وأنه لا يجوز الزج بهم في السجن أو معاقبتهم، لأننا بهذا سنضيع مستقبلهم ونشردهم.. وأن الحكومة هي السبب فيما يحصل، لأنها لم توفر لهؤلاء الأطفال الرائعين والكتاكيت دورا للشباب أو مرافق ترفيهية يتسلون فيها؛ لكن عن أي مستقبل تتحدث؟ هل عن مستقبلهم الإجرامي؟ أ ليسوا بفعلهم هذا مشردين خِلقا وخُلقا؟ ثم ما علاقة المرافق الترفيهية بالموضوع؟ هؤلاء قطاع طرق ألفوا القيام بأفعال مشابهة، ولن تشفي غليلهم إلا التسلية المماثلة مهما كان، وعقابهم أمر ملزم وضروري حتى تعاد تربيتهم ويصيرو عبرة لم لا يعتبر.

لكن الطامة الكبرى، ليست فيما يقوله هؤلاء الافتراضيون وراء شاشات هواتفهم الذكية، الطامة الكبرى في الحقيقة تكمن في صمت وتجاهل وزارتي العدل والحريات وعدم الإدلاء بدلوهما في الموضوع، وكأن الأمر لا يهمهما إطلاقا، أو كأن ما حصل كان في بلاد أخرى غير المغرب، وحتى هيئات المجتمع المدني والفعاليات الحقوقية المحلية اكتفت بالصمت، وإلا لكان بعضها أصدر، على الأقل، بلاغ استنكار أو شجب أو تنديد، يوجه فيه تارة أصابع الاتهام للحكومة، وتارة للنظام التعليمي، وتارة للأسرة، وتارة للمجتمع، ثم يغلق الملف وكأن دوره في الموضوع قد انتهى.

لكن، وبصراحة ووضوح، ما أظن أن لهذه الهيئات أن تصنع لحل هذه المعضلة الاجتماعية، التي باتت تكتسح وتنتشر كالنار في الهشيم، وإن اتخذت تدابير وإجراءات لن توتي أكلها إلا على المدى البعيد جدا، وبعد سنوات طوال أو عقود أو قرون ربما، هذه الإصلاحات لابد أن تعيد الاعتبار لحقوق الإنسان في البلاد، لضمان الحريات العامة وحق جميع المواطنين في العيش الكريم، يجب أن ترد الاعتبار لقطاع التعليم الذي أصبح الإهمال يطاله من كل جانب، لابد أن تغير من المنظومة الاجتماعية والفكرية بزرع قيم أخلاقية بديلة تتحدد في تجاوز الأفكار الرجعية التي من شأنها أن تربي المجتمع على الحرمان والكبت والانغلاق، وتعويضها بتربية الأفراد منذ نعومة أظافرهم على التحرر من كل القيود مع احترام الآخر وتقديره، كما أنه من الضروري أن تحفظ السلطات وجل القطاعات الحكومية أو الجمعوية الحريات الفردية، بالدفاع عنها وضمان حرية التعبير والضمير والرأي والاعتقاد..

قد يقول قائل إن مثل هذه الأمور لا علاقة لها بقضية الاغتصاب، أقول بلى، فكل الثغرات التي يعاني منها مجتمعنا السحيق ذو القيم البالية المهترئة، والتي تجاوزتها العوالم الديمقراطية بسنوات ضوئية، تنتج لنا مثل هذه الكوارث المخجلة، كيف لا والأسر المغربية كما العربية تربي أولادها على الحرمان والقمع، وتجعل من تعنيفهم أساسا للتربية، حتى تنشئ لنا جيلا مشبعا بالكراهية والحقد. جيل يلقى الراحة التامة في تعنيف الآخر، وممارسة ما منع أو حرم منه أو كان "حشومة" و"عيب" في محيطه، وإن كان على حساب كرامة الغير التي لا يأبه بها ولا تهمه على الإطلاق.

من الأسباب التي يرجح المتتبعون والتي تبدو لي منطقية وواقعية، مسألة إنجاب العائلات الفقيرة والمعوزة لعدد كبير من الأبناء يعجز معهم الوالدان بضيق الحال وقصر ذات اليد تلبية حاجياتهم سواء أكانت من الضروريات أو الكماليات، بل وقد يدفع الأبوين أولادهما للتسول أو العمل في سن جد مبكر أو امتهان السرقة، وقد يوصياهم بعدم الرجوع للبيت إلا وفي جيبهم بعض الصياريف. هنا، وبما أن الوالدين قد ينشغلان أيضا بأعمالهما اليومية ذات الدخل الجد محدود، ستغيب المراقبة، ويفعل الأبناء المحرومون من عيش كريم وحياة هنيئة ما يندى له الجبين، وقد تتجاوز هذه الأفعال قطع الطريق والسرقة لجرائم أبغض كالاغتصاب أو الاعتداء بالسلاح الأبيض.. إذن فلابد من توعية مثل هذه العائلات بضرورة تحديد النسل وتقنين الإنجاب، هذا من جهة.

من جهة ثانية، حري بالأسر تربية أطفالهم جنسيا لتجاوز مثل هذه الجرائم، بالخوض معهم في الطابوهات الصغيرة والكبيرة، ومحاولة التقرب من الأبناء وتلقينهم ما يجوز وما لا يجوز، كما أن علاقة الأبناء بآبائهم (ذكورا أو إناثا) لا يجب أن تكون كما نعرف جميعا في مجتمعنا: الاحترام إلى درجة الخجل والاستحياء من الحديث في أمور متعلقة بالجنس وما شاكله.. لا، فهذه عادة خاطئة، إذ يجدر بالآباء أن يكونوا بمثابة الأصدقاء لأبنائهم، وأن يعودوهم ويشجعوهم على البوح بأسرارهم ورغباتهم الجنسية وبمغامراتهم مع أولى تجاربهم العاطفية، حتى يتسنى لهم نصحهم وإرشادهم لما يرونه صائبا.

هي بعض الحلول التي دائما ما نتحدث عنها شفويا أو كتابيا، لكننا لا نتخذ أي تدبير لتطبيقها، في نظري علينا أن نبدأ من ذواتنا، ولا أن نلوم السلطات والهيئات الجماعية والسياسية في كل مرة، أن نسائل أنفسنا، أن نتحمل المسؤولية، أن نقف عند تصرفاتنا اليومية ونستأصل الأخطاء والهفوات التي نرتكبها في تربية أبنائنا، لأن المجتمع الذي ننتقده والذي يفرز لنا مثل هاته المعضلات مكون منا نحن، وليس من أحد آخر سوانا.

تعجيل رجال الأمن باعتقال المشتبه فيهم كان شافيا لغليل كل من تألم لحال الضحية، لكن ماذا بعد هذا الاعتقال؟ أكيد أن الكابوس لن ينتهي، وأن جرح الوطن لن يلتئم، وأننا سنشهد مزيدا من الجرائم ومزيدا من آفات جنسية أبطالها أطفال ومراهقين، مادمنا مكتوفي الأيدي، ولم نفكر في تجاوز وضعنا البئيس نحو مجتمع أكثر رقيا ووعيا..

سنترك وطننا يتألم صاغرين مستسلمين، وطننا الذي لم تعبت به الأقدار، بل عبثنا به نحن، وليست لنا حيلة لتضميد جراحه...