هل خالفت تونس حقا شرع الله ..؟؟



محمد حبش كنو
2017 / 8 / 26

الخطوة التي اتخذتها تونس بإقرار الزواج المدني والسماح للمسلمة بالزواج بغير المسلم وكذلك مساواتها مع الرجل في الميراث ليست مخالفة لشرع الله بقدر ما هو اجتهاد في الفقه حسب قواعد أصول الفقه وقد سبق لعلماء مسلمين كثر منهم المفكر الإسلامي السوداني الدكتور حسن الترابي أن أفتو بجواز زواج المسلمة من الكتابي قياسا على الرجل حيث لم يرد نص في تحريم ذلك بل ورد نص قرآني مبين بجواز زواج الرجل من أهل الكتاب .

العلماء الذين أفتو بمنع هذا الزواج ليست لديهم أدلة قوية وهم يستدلون بتحريم الزواج من المشركة في القرآن لكن القرآن خص أهل الكتاب بتخصيص معين ولو كان الحكم مطلقا بشرك أهل الكتاب لما سمح للرجل بالزواج منهم وعليه ينتفي القياس الفقهي بالنسبة للمرأة على المشركين ومن باب أولى أن يكون القياس على جواز زواج الرجل من الكتابية بما أن الشرع قد جعل لهم وضعية خاصة تختلف عن وضع المشركين .

الشرع الإسلامي سمح بالزواج من المسيحية واليهودية وهي باقية على دينها تربي أطفاله بنفس منهجها وما تربت عليه وتضع صليبها في بيتها وعلى صدرها وتأكل ما شاءت حسب شرعها ولو كان خنزيرا وتقيم جميع طقوسها كما تريد لأن الشرع حينما سمح بهذا الزواج لم يقل مطلقا بأن يتدخل الزوج في دين زوجته أو مأكلها أو مشربها أو ممارسة طقوس دينها أو حتى محاولة تغيير دينها بسبب الخوف على أولاده من أن ينجرو لدين أمهم ولم يتطرق الشرع أبدا لهذه الأمور بل أمر أن تكون هناك مودة ورحمة بين الأزواج مطلقا دون أن يخصص شيئا للمسلمين أو يمنع شيئا عن الآخرين .

إذا فهمنا ما سبق نفهم أن التشدد في الدين والنظرة الدونية للآخر المختلف دينيا هي فكرة مجتمعية أو مذهبية وليست دينية أبدا وبما أن القرآن سمح للرجل بأن يتزوج المسيحية واليهودية فيجوز ذلك للمرأة أيضا لأن الخطاب القرآني في مجمله موجه للذكور أو هو بصيغة المذكر لكن حكمه للجنسين وهذا يشمل أكثر من تسعين في المئة من الخطاب القرآني سوى آيات قليلة ورد فيها ذكر المؤمنات مع المؤمنين أو ذكر الزانية والسارقة أما ما تبقى فكله بصيغة المذكر من أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج وما إلى ذلك من الأوامر والعبادات .

حجة المعترضين بعدم جواز هذا الزواج أنهم يقولون أن هذا النص ورد للمذكر فقط ولو كان كلامهم صحيحا لانتفت غالبية الأحكام الإسلامية عن المرأة باعتبار أن أغلب الصيغ وردت باسم المذكر سواء المفرد المذكر أو الجمع المذكر و الحقيقة أن العلماء يقولون بأن الصيغ هذه وردت باسم المذكر وتشمل الإناث أيضا وعليه فذلك النص الذي يبيح للرجل الزواج من الكتابية يندرج تحت ذلك البند وحتى لو افترضنا أن النص للرجل فقط فأين النص الذي يحرمه للمرأة وإن لم يوجد فالأصل في الأشياء الإباحة كما هي القاعدة الفقهية المعروفة .

القضية الثانية التي أثارت الجدل وركزو عليها أكثر من القضية الأولى هي قضية الميراث واعتبرو أنها مخالفة صريحة لكتاب الله والحقيقة أن الميراث من حقوق العباد وليست من حقوق الله بمعنى أوضح فالشرع قسم الحقوق إلى شقين هي حقوق الله مثل الصلاة والصيام والحج وباقي العبادات وحقوق العباد وهي رد الأمانات والميراث و كل ما يتعلق بشؤون الناس ولذلك فإن حقوق الناس يمكن التفاهم عليها بين البشر عكس حقوق الله ولنضرب مثالا توضيحيا على ذلك فإذا افترضنا أن امرأة بعد أن أخذت حقها من الميراث حسب ما فصل الشرع ثم تنازلت عن ربع ذلك الميراث أو نصفه أو جميعه لأخيها لسبب ما كأن تكون غنية وأخوها فقيرا أو حتى بدون سبب فإن ذلك جائز شرعا وكذلك لو فعل الأخ ذلك وتنازل لأخته بجزء من حقه لتأخذ مثله النصف أو أكثر أو أقل فإن ذلك جائز شرعا ما دام برضى النفس والتفاهم بين الطرفين لأنها من حقوق العباد وليست صلاة أو صياما يتصرف فيها العبد كيفما يشاء .

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المساواة في الميراث يعتير إعادة ترتيب لقسمة الميراث بحيث يصبح مثل القسمة الأولى كما حدد الشرع بمعنى أن المرأة حين تأخذ النصف كاملا فإنها بالمقابل لن تأخذ نفقتها من أخيها لأن الشرع حين جعل للذكر مثل حظ الأنثيين فإنه بالمقابل فرض النفقة على الرجل و عليه فإن المرأة تحتفظ بحصتها كاملة ثم يصرف عليها الرجل من قسمته وعند تحديد مبدأ المناصفة تنتفي النفقة إلا بالرضا ويصبح كل واحد حرا في ماله وترسيم خطوط حياته .

مبدأ التفاهم في الحالة التونسية هو أشمل حيث لا يكون بين أخ وأخته بل تتفاهم عليها الدولة باعتبارها سلطة تستمد شرعيتها من الشعب الذي انتخبها وهي أدرى بما يوافق طبيعة العصر حيث أصبحت للمرأة استقلالية أكثر وأصبحت تعمل وتشارك الرجل في جميع مناحي الحياة ولذلك كان لا بد من ترتيب حصتها في حقها وهناك مثال في التاريخ الإسلامي شبيه من ناحية الفعل بهذا حيث ألغى عمر ابن الخطاب سهم المؤلفة قلوبهم الثابت في القرآن باعتبار أن الإسلام قويت شوكته ولم يعد هناك داع لهذا السهم كونه من حقوق العباد التي أسلفنا ذكرها وليست من حقوق الله وعليه لم يكن يستطيع عمر أن يلغي الصلاة أو الصيام في عام المجاعة كما ألغى حد السرقة لأن تلك من حقوق الله وهذه من حقوق العباد وهذا دليل أن بعض الأحكام تتطور مع العصر بما يناسبها وهذا شأن يختص به العلماء وولاة الأمور .

في المحصلة فإن اعتراض مؤسسة الأزهر لم يكن دينيا بقدر ما كان سياسيا وأنا كأزهري عارف بخبايا هذه المؤسسة فإني أجد أن مصر تخشى من انتقال الداء التونسي إليها كما انتقلت الثورة سابقا و تكون هناك مطالبات بالزواج المدني باعتبار أن هذا الزواج خط أحمر لدى الطرفين مسلمين ومسيحيين وقد تؤدي لمشاكل طائفية خامدة تدمر البلد عكس تونس التي لا تتجاوز فيها نسبة المسيحيين خمسة وعشرين ألفا على أكثر تقدير ولو كانت القضية تتعلق بتطبيق شرع الله لطالب الأزهر بتطبيق الحدود الشرعية كحد السرقة في الدول الإسلامية بما فيها مصر نفسها بما أن الحدود قطعية الدلالة وقال فيها القرآن ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون عكس الزواج من الكتابي الذي لا نص بتحريمه وعكس ما يتعلق بحقوق العباد وما يرونه مما ينفع دنياهم ولكن للأسف أصبح علماء الدين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ويتكلمون عما يرضي السلاطين ويسكتون عما لا يرضيهم وقد بلغ الأمر بمعتوه مثل وجدي غنيم المقيم في تركيا بتكفير الشعب التونسي كله رغم أنه هو نفسه مقيم في دولة أشد علمانية من تونس ورغم ذلك يمتدحها ويمجدها هي ورئيسها على مدار اليوم .