هل أخطأت هندٌ حقاً ؟؟ .



كريم عامر
2006 / 2 / 13

فى مجتمعاتنا الذكورية تتبدل الحقائق ، وتتغير الثوابت ، وتذدوج المعايير ، ينقلب الباطل ليصبح حقا ، بينما يتوارى الحق بإعتباره باطلا ، تختفى الحقيقة ، ويسود الغموض والشك والريبة ، يعامل المخطىء على أنه مصيب ، وصاحب الحق على أنه مجرم يستأهل العقاب والتأنيب !! .
وللأسف الشديد ، فإن هذه الحقائق المقلوبة لا تسود فحسب لدى من لديهم مصلحة فى قلبها وتغييرها ، وإنما نجدها تسود أيضا لدى بعض من سلبت منهم حقوقهم بواسطة من لديهم مصلحة فى ذالك إعتمادا على هذه الحقائق المقلوبة .
فعندما أعلنت هند الحناوى أنها حامل من الفنان أحمد الفيشاوى ، وأنها ترغب فى إثبات نسب إبنتها إليه ، مبررة ذالك ( مع أن الأمر لا يحتاج إلى تبرير ) بأنها تزوجت منه عرفيا ، وأنه قام بسرقة عقد زواجها لكى يتنصل من مسؤلياته تجاهها وتجاه إبنتها ، قرنت هند ذالك بإقرارها أنها قد أخطأت عندما أقامت علاقة جنسية مع شاب خارج إطار المشروعية الإجتماعية ! .
هنا ينبغى أن نتوقف قليلا ونتسائل : مالذى يدفع فتاة ناضجة وشجاعة وجريئة ومتمردة كهند أن تعترف أنها قد أخطأت عندما مارست الجنس مع شاب أحبته يوما ما ؟؟ وهل ممارسة هذا الفعل الطبيعى بات أمرا مخجلا إلى درجة تضطرها إلى أن تصدر مثل هذا الإقرار بالخطأ ؟؟ وإذا قارنا موقف الفتاة مما حدث بموقف الفتى الذى شاركها هذه العلاقة ... من سنجده سيتحق اللوم والعقاب والتأنيب ؟؟ .. هل هى الفتاة التى أحبت هذا الفتى من أعماقها ومنحته ثقتها التامة إلى درجة أنها حملت منه متصورة أنه يبادلها ذات الشعور وأبت إجهاض جنينها وإزهاق روحه وإرتداء القناع الإجتماعى المزيف فوق وجهها الحقيقى رافضة خداع نفسها قبل أن تخدع من حولها ، وفضلت على ذالك أن تصرخ بالحقيقة بأعلى صوتها ؟؟ أم أن المخطىء هنا هو هذا الشاب الذى أوهمها بحبه إياها وتمادى فى علاقته بها وإستغل ثقتها لخداعها ثم التنصل من مسؤلياته تجاهها وتجاه إبنتها ، هاربا من الحقيقة مدعيا أنه ليس من حقها إثبات نسب الطفلة إليه لأنها على حسب ما أفتى له به غلاة علماء الدين إبنة زنا لا يجوز نسبتها إلى والدها ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها تعاملت مع هذا الواقع الشديد المرارة بمثالية شديدة ؟؟ هل أخطأت لأنها أحبت من أعماق قلبها ؟؟ هل بلغت نظرتنا إلى الحب والجنس هذا الحد من الإحتقار والتأثيم ؟؟ .
وإذا كان الأمر كذالك وكانت هذه السلوكيات الطبيعية السوية تواجه بهذه المشاعر النافرة العدائية ، فما هو ياترى الحل المفضل لدينا ؟؟ هل هو سيادة الكراهية بين شطرى المجتمع البشرى وبناء سور عازل بينهم لزيادة مشاعر عداء كل طرف تجاه الآخر وخشية أن يختلطوا ويقع ما يراه هؤلاء الحمقى محظورا ؟؟ .
إنها الحقائق عندما تنقلب ... ! .
إنها الطبيعة عندما تصير فى نظر البعض شذوذا ... ! .
إنه الشذوذ عندما ينظر إليه بإعتباره سلوكا طبيعيا ... ! .
ولله فى خلقه شؤون !! .
* * * * *
هل أخطأت - حقا - هند ؟؟ .
سؤال يطرح نفسه بشدة بعد أن قضت المحكمة عليها وعلى إبنتها لصالح هذا الذئب البشرى الذى تركته يسرح ويمرح ويعبث بمشاعر النساء دون حسيب أو رقيب .
فإذا كان ثمة خطأ ما وقعت فيه هند فهل يعنى هذا أن يبادر ممثلى المجتمع الذكورى برجمها والتخلص منها ومن إبنتها ؟؟! .
هل أخطأت هند لأنها واجهت المجتمع بحقيقته كمجتمع مزدوج المعايير متباين الوجوه تعامل المرأة فيه على أنها كائن ينتمى إلى مرتبة وضيعة بين البشر ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها رفضت نصائح من حولها بإجهاض جنينها ودرء الفضيحة فى مهدها ... ويادار مادخلك شر ؟؟!! .
هل أخطأت هند لأنها رفضت إزهاق روح جنين برىء تكونت خلاياه الأولية داخل تجويف رحمها كنتاج لعلاقة حب كانت مغبونة فيها ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها أرادت أن تنجب وأن تشعر بعاطفة الأمومة تجاه إبنتها حتى وإن حاول المجتمع إثنائها عما هى مقدمة عليه ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها طالبت بحقها ، وبحق إبنتها المشروع فى حياة كريمة طبيعية كبقية الأطفال الذين جاءوا من علاقات جنسية معترف بها إجتماعيا ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها رفضت أن تدفن رأسها فى الرمال وتواجه العالم بوجهين يختلفان على حسب درجة الإضاءة من الليل إلى النهار ؟؟ .
هل أخطأت هند لأنها صرخت فى وجه هذا المجتمع المنحل الأخلاق بأعلى صوتها معلنة أنها إنسانة كاملة الإرادة لا يستطيع أحد كائنا من كان أن يجبرها على الإستسلام لوضع هى فيه غير راغبة ؟؟ .
أم أنها أخطأت لأنها مارست الجنس خارج إطار المشروعية الإجتماعية فى مجتمع يعتبر الجنس خارج إطار الزواج رجس من عمل الشيطان ؟؟!! .
هل أخطأت هند لأنها إستجابت لنداء قلبها ومشاعرها وجسدها بصورة طبيعية سوية ؟؟ .
* * * * *
إن كان ثمة خطأ ما إقترفته هند فهو أمر واحد يمكننى أن ألومها عليه وهو إقرارها بأنها أخطأت عندما أقامت علاقة جنسية مع أحمد ، وهو خطأ التمس لها العذر فيه نظرا لأنها تتلظى فى آتون مجتمع لا يعترف برغبات الإنسان ولا يشعر بخفقات قلبه ونداءات جسده ، ويتعامل معه كما الآلة الصماء تصدر لها الأوامر لتنفذها دون أدنى رغبة أو مشيئة ! .
هند لم تخطىء ، وإنما صاحب الخطيئة العظمى هو من تنكر لمن منحته قلبها وجسدها قبيل أن يتنكر لمسؤلياته المترتبة على علاقته الجنسية بها .
هند لم تخطىء ، وإنما أصحاب الخطيئة هم هؤلاء الذئاب البشرية المذكرة الذين تركهم المجتمع يسرحون ويمرحون ويخدعون النساء ويتنكرون لمسؤلياتهم تجاههن بمباركة علنية من سلطات المجتمع الذكورية .
* * * * *
عليك ياهند أن تتراجعى عن إقرارك بالخطأ ، فأنت إنسانة رائعة عقمت أرحام الشرقيات أن يلدن إمرأة فى مثل جرأتها وشجاعتها وتفانيها فى إظهار الحق ودحر الظلم المستتر خلف حجاب الفضيلة والأخلاق والدين والأعراف والتقاليد .
سيرى ياهند فى طريقك حتى النهاية ، فلن يضيع لك حق مادمت به متمسكة ... وإليه ساعية .. وبه مطالبة .
عبدالكريم نبيل سليمان
الإسكندرية / مصر