رسالة لإبنتي 5



ماجدة منصور
2017 / 9 / 7

هذه هي رسالتي الخامسة لك وأنا لا أعلم حقا متى ستنتهي رسائلي لك يا إس إس.
في هذه الأيام أعاني بشدة من ألم في أسناني و تحديدا في ضرسي الأخير.
لعلك لا تعلمين شيئا عن آلامي التي عانيت منها طوال عمري...إنها آلام جسدية و نفسية بكل معنى الكلمة ، ولكني بارعة جدا في إخفاء آلامي عن كل بني البشر...فقد تعلمت أن أخفي آلمي منذ لحظات
طفولتي الأولى لأني كنت خائفة من أعلن عن ألمي لأسرتي...و لأمي...تحديدا...لأن معنى الألم قد إشتبك في وجداني الطفولي...بالرفض و الموت.
كنت أظن،، و إن بعض الظن إثم عظيم،، أنني لو صرًحت بألمي لأمي..فإنها..ستكون سعيدة و ستتركني أموت من الألم...وهذا حقيقي جدا.
فأنا كنت (الرابعة ) المغضوبة.
وهكذا تعلمت مداراة آلامي الجسدية...و النفسية...لا من أجل شيئ..إلَا من أجل أن أحيا.
إنها غريزة البقاء...يا إس إس...
طالما عانيت من آلام شديدة في اسناني منذ طفولتي...ولن أنسى أن (لثتي) كانت تنزف دما...كلما جربت أن أأكل تفاحة...لهذا أن أكره أكل التفاح و أنت الآن تعلمين سبب كرهي للتفاح..
تعلمت منذ طفولتي...أن أخفي ألمي..فالألم قد إرتبط عندي بمفردة الموت...و أنا لا أريد أن أموت...وأنا ما زلت طفلة.
إنها غريزة البقاء...هي أقوى الغرائز على الإطلاق...ولا أدري...من زرع تلك الغريزة في جيناتنا.
هل لأن الحياة اقوى من الموت؟؟؟
أنا لا أدري ...فعلا و حقا.
لا تستغربي أبدا بأني اقول لك كل هذا الكلام عبر صفحات الحوار المتمدن...فأنا و أنتي...لم يكن لدينا الوقت....للكلام.
ما كان يشغلني في ذاك الوقت البعيد...أنني كنت أريد أن أطمئن بأني قد أمًنت لك مستوى الحياة الكريمة و التي ستغنيكي عن سؤال الأوغاد...لأني أعلم جيدا...انه لا شر في الدنيا...أشد من الفقر.
نعم...يا إس إس...إن الفقر هو الشر و هو الجريمة و البشاعة...الفقر هو العبودية و الذل..الفقر هو الشيطان بحد ذاته....إذا كان هناك شيطان.
لقد دخلت في حرب مفتوحة مع الفقر...و كيف أدعك فقيرة و أنتي إبنة...الأكابر...يا إس إس؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الفقر ضد الحرية و الإنسانية...لا بل إن الفقر ...يُفقد الإنسان إنسانيته....بكل ما للكلمة من معنى.
لهذا فأنا قد إنشغلت ..قليلا...كي أؤمن المال اللازم...كي تتابعي دراستك في أرقى جامعات أستراليا....و أقصد بها جامعة ملبورن.
ولكنكٍ يا إس إس...فاجئتيني تماما حين ظهرت نتيجة إمتحانات الثانوية العامة في (كامبرول) سكول...و قد أخذتٍ الدرجة الثانية...على مستوى ولاية فكتوريا!!!!
حقا...إن إبن الأوز....عوًام.
و اللي خلًف...ما مات.
حينها منحتك استراليا...إستراليا العظيمة...منحتك الفرصة كي تتعلمي في أرقى جامعات العالم...و على حساب الدولة الإسترالية.
بعد صدور نتائج دراستك و بعد أن منحتكٍ حكومة استراليا الفرصة كي تتعلمي في اي جامعة تريدينها...حول العالم...فقد إخترتي أنتي...أنك تودين الدراسة في أمريكا...و بعد يومين فقط...من تصريحك
برغبتك في الدراسة بأمريكا....حجزت على أول طائرة...الى نيويورك...كي تختاري الجامعة التي تودين الدراسة بها يا إس إس...
كان مستقبلك هو شغلي الوحيد...وهمًي الأكبر...الذي خلًفه لي المرحوم والدك.
كنت أخشى أن أموت...و أنتٍ دون سلاح...بدون مال و شهادة...تحفظك من شر الزمن و عهر الأوغاد.
ها أنا ...أمك...التي هربت بكٍ بعيدا...كي تحفظك...من شر إبن تيمية...و لعنة البخاري.
ففي ظل قوانين العهر و الظلام...يموت الإنسان و تنتحر القيم.
(مثل تلك السفينة التي ترسو على اليابسة و تتخذ الأرض متكأً،،حتى أنه ليكفي أن يمد عنكبوت من الأرض خيط نسيجه إليها فلا تحتاج بعدها الى حبال متينة لتشدَها)
هكذا تحدث زرادشت.
وقال ايضا...معلمي زرادشت: إن عقلاء المجانين..هم أبلغ كلاما.
الحق الحق اقول لكِ: لم أكن أطيق أن تبتعدي عني...من أجل الدراسة في أمريكا....فكنت أبكي في سرِي و أدعو الله الواحد الأحد...القهًار الصمد...أن لا تختاري أمريكا كي تدرسي بها...فأنا قد شممت
فيها رائحة الدم و البارود...و رأيت وجه أمريكا وقد إرتدى رداءا شيطانيا...وتمنيت في سري...أن لا تختاري الدراسة فيها...فأنا لم أطيقها...ولا أعرف لما لم استطع أن أحبها أو أطيقها...لا أعرف لما
رأيت الشيطان بعينه...يلوح لي بسبابته في مكان إقامتنا...مانهاتن...فقد شاء القدر أن يكون مكان سكني في مانهاتن...قريبا من وول ستريت.
أصابني الإنقباض الشديد...في أمريكا...زإنه إنقباضا لا أدري سببه...ولكني كنت منقبضة و حزينة و بائسة...كنت أتألم في صمت مريع.
بعد أن أمضينا شهرا كاملا في مانهاتن....قررنا،،أنا و أنتي أن نسافر..الى ميامي...فلعل ميامي تكون أفضل من نيويورك.
ذهبنا الى ميامي...و لكن صحتي كانت قد تدهورت كثيرا....فطلبت منكِ...أن تذهبي الى حميع جامعات ميامي...بنفسك...كي تقرري بعدها....مستقبلك....فعما قليل سينتهي دوري...فهذا هو مستقبلك
و أنا لم أعد قادرة،،،من الناحية الصحية و العقلية،،، أن أخطو معك يا إس إس....خطوة واحدة الى الأمام....فأنا قد بلغ مني المرض...أشد مراحله.
لقد كنت مريضة بالسرطان يا إس إس....و هذا ما كنت أخفيه عنك طوال الوقت....و الشخص الوحيد الذي يعلم بمرضي...هو زوجي الثاني.
هنا أقف
من هناك أمشي
للحديث بقية